فاخر الداغري
تتناسب ثقافة المجتمع أي مجتمع كان بما تقف عليه المرأة من ارض صلبة او رخوة أي ان للثقافة دورا مباشرا في عملية تثقيف المرأة سلباً أو إيجاباً. وبما ان المجتمع السومري هو الذي اخترع الكتابة على اللوح الطيني الذي وصفه الراحل طه باقر بأنه ((طيف العراق الخالد)) فكان العراق بلد أول معلم وأول تلميذ اهتم بالنشئ الجديد انطلاقاً من مقولة (العلم في الصغر كالنقش في الحجر).تعلم الكتابة كالملح يكسب الطعام حلاوة التذوق وتعليم الكتابة في المجتمع السومري يعني التوجه نحو التثقيف والاستفادة من الفرص المتاحة في هذا التعلم الأمر الذي أكسب المرأة السومرية مكانة مرموقة في المجتمع السومري الذي حظي باهتمام الرجل وأدى فيما بعد الى ازدهار الحضارة السومرية من خلال الحفاظ على تقاليد مجتمعية
موروثة.
ومن هذه التقاليد هو احترام المرأة السومرية من خلال تقديم الزوج الى اهل زوجته هدايا قبل الدخول على زوجته
وكان هذا التقليد مصاحباً لنظام المقايضة الذي كان سائداً كوسيلة للتعامل التجاري وتأمين السلع الغذائية ذات الطابع الاستهلاكي اليومي كالحنطة والشعير والملابس كون عقل الانسان لم يتوصل بعد الى العملة كصيغة ثابتة للتعامل بالبيع
والشراء.
وقد كان أساس الزواج هو الارتباط بزوجة واحدة إلا إذا كانت عاقراً فيحق للزوج ان يتزوج ثانية على ان تظل الزوجة الأولى محتفظة بوفائها ومقامها الأول في بيت الزوجية حيث كان الطلاق ميسوراً بالنسبة للرجل الزوج شرط ان يدفع الزوج لها صداقها ثانية زائداً مبلغاً من المال يتناسب ودخل الزوج مع احتفاظ الزوجة
بأبنائها.
وكانت في المجتمع السومري حالتان من الاقتران بين الزوجين خلافاً لحالة الطلاق هما: حالة الإهمال والهجر الأمر الذي يعني ان للمرأة السومرية مكانة عليا في الحياة الزوجية.
وفي حالة اهمال الزوج لزوجته عليها ان تعود الى بيت ابيها مع كل ما تمتلكه من اثاث ولوازم بيتية.
أما في حالة الهجر من قبل الزوج فأنه يمنح الزوجة حريتها وتستطيع ان تتزوج ثانية بعد ان يبلغ أبناؤها سن الرشد على ان تأخذ من الزوج الهاجر ما يكفي لمعيشة أولادها الى ان يبلغوا سن الرشد أي ما يشبه
النفقة حالياً.
وتعتبر الزوجة سيدة بيتها وتحتفظ بكل ما تأتي به من بيت زوجها من الأثاث والامتعة حتى وفاتها وبعد وفاتها ينتقل الموروث الى أبنائها وإن لم يكن لها أبناء فلأسرتها التركة دون زوجها وحين تكون الزوجة من الأمات (الخادمات) وهي عاقر تقدم لزوجها احدى اماتها زوجة سرية أي ما يشبه الزواج العرفي وقد فعلت السيدة سارة حين قدمت لزوجها النبي إبراهيم الخليل (ع) السيدة هاجر التي كانت امه عندها وقد أصبحت حرة بعد ان ولدت. وتستطيع الزوجة الأولى كونها سيدة البيت ان تعيد الأمه الى حالة العبودية إذا ما حاولت الزوجة الأمه منافستها بأي
وسيلة كانت.
أما حين تتزوج السومرية من عبد اسود وهي حالة استثنائية فأنها تحتفظ بحريتها ويولد أبناؤها احراراً.
أما في الجانب الاقتصادي فان للزوجة السومرية الحق في البيع والشراء من غير ان تستأذن زوجها ولها الحق في الشهادة امام
القاضي.
وفي الجانب الديني فان الطريق مفتوح أمام النساء السومريات في تعلم العزف على أحدى الآلات الموسيقية في المعابد او دخول الأديرة وإيقاف انفسهن
للعبادة فقط.
وبما ان المجتمع السومري هو مجتمع طبقي فإن رئاسة الأديرة والمعبد من المهام المحجوزة لابنة الملك كونه المكان الذي يليق بها من حيث الأهمية المكانية.
وكان للنساء السومريات الحق في ان ينذرن انفسهن لبيت الإله أي يصبحن من فتيات
المعبد.
وهذا يعني ان المرأة السومرية ضحت بجسدها في خدمة المعبد أي انها ضحت بأعز ما تملك في سبيل خدمة
الآلهة.
وكان لمثل هؤلاء الفتيات الحقوق في التملك ولهن الحق في ان يتزوجن بعد ان تنتهي المدة التي تم التعاقد عليها في خدمة المعبد ومن العرف السائد في التعامل بالحياة السومرية في الظروف المعاشية القاسية التي يعانيها الفقراء.
يصبح من حق الزوج أن يودع زوجته لدى الدائن لمدة أقصاها ثلاث سنوات في حاله كونه مدينا لهذا الدائن ضمن المدة التي تم الاتفاق عليها كما يتم التعامل مع أولادها بتسخيرهم لخدمة هذا الدائن بعد الاتفاق مع أبيهم او ولي أمرهم وكانت هذه الظاهرة المشينة غير معيبة في المجتمع
السومري.
لقد عرف العراق في التاريخ العالمي بالخط المسماري على لوح طيني وفي هذا الصدد يقول المؤرخ الراحل طه باقر بأن (طين العراق الخالد كان الأمين الأول في حفظ التجارب الدائرة يوم كان التاريخ العراقي القديم على موعد مع اللوح الطيني والكتابة عليه بطريقة الرسم بالكلمات فجاء الخط المسماري كأول براءة اختراع في العالم القديم فكان التدوين وكانت الحضارة).
وفي مقبرة الملكة شبعاد وجدت القيثارة السومرية التي كانت تعزف عليها الملكة شبعاد الأمر الذي يعني ان هذه الملكة كانت تعزف شتى الفنون الموسيقية بما يلذ ويطيب سمعه في
حينه.
وهكذا تبقى المرأة في المجتمع السومري مقدامة محتفظة بحقوقها في الزواج وبعد الزواج
الأمر الذي يفصح بأن الحضارة السومرية كانت حضارة نوعية عززت فيها المرأة مكانتها بين
أولادها وزوجها.