رياضية فلسطينية: لا أكترث بشيء وأواصل اللعب فقط

اسرة ومجتمع 2019/09/17
...

ميغان جيوفانتي
ترجمة: بهاء سلمان
بقيادة السيارة عبر الشوارع الصاخبة لمدينة الخليل في الضفة الغربية المحتلة، ومع تشغيل جهاز تكييف الهواء، وقفنا بجانب الطريق لنأخذ روضة الشريف معنا. كانت المرأة ذات الـ53 عاماً مرتدية جبة حمراء اللون، ورابطة حذاءً بكعب عال وحجاباً وردي اللون، وسرعان ما ملأ نشاطها السيارة مع شروعها بإطلاق النكات والمزح. ولغاية وصولنا الى القاعة الرياضية، غيّرت ملابسها لترتدي بدلة التمرين الحمراء والسوداء من ماركة أديداس، لتبدو أخيراً ككونها البطلة الحالية والمهيمنة لمدة طويلة على البطولة النسائية لكرة المنضدة في الأراضي الفلسطينية: “في الدورات الرياضية، يسألون دائماً أين هي روضة الشريف؟ إذا كنت هناك، سيعرفون أنني من سيفوز، وإذا كنت مريضة أو غائبة عن المسابقة، حينها ستتوفر للآخرين فرصة للفوز”. تقول روضة ضاحكة.
ولكونها بطلة رياضيَّة بعمر 53 سنة، وفي الوقت ذاته أماً لخمسة أبناء وجدة لعشرة أحفاد، تتنقل هذه المرأة الصلبة الجميلة في أي مكان بالعالم؛ لكنْ في الخليل، المدينة الفلسطينية الأكبر والأكثر محافظة اجتماعياً، فالأمر صراحة لا سابق له. بيد أنَّ خليطاً من الظروف، وهيمنة المجتمع الذكوري والأوضاع الأسرية منعتها من الانطلاقة العالمية لغاية الآن.
 
حضور متواصل
ومنذ سن الخامسة عشرة، لم تغب الشريف عن أية مباراة ضمن البطولة السنوية للضفة الغربية. وبتحقيقها للمركز الأول على مدى 13 سنة، مثلت بلدها في مسابقات دولية مختلفة؛ وهذه التفصيلة غاية في الأهمية بالنسبة لها، لأنه من الصعب تماما على الفلسطينيين السفر بشكل عام، وصعب جداً أيضا على النساء من أسر محافظة السفر بمفردهن. يقول زوجها عبد الرحمن، 57 سنة، مدرس اللغة العربية، متذكراً بشغف: “كانت هناك دورة في المغرب، ربما قبل عشر سنين، وأقام الناس لزوجتي احتفالاً حول جامعة الخليل. وفي مواقع التواصل الاجتماعي وعناوين الصحف، كتب الناشرون دوماً أشياء مثل: أم لخمسة أطفال وتفوز بالمركز
 الأول!”.
ولأنها كانت في طور إنجاب أطفالها عندما كانت في العقد الثالث من عمرها، وهي سنين تألقها الرياضي الرئيسة، لم تتمكن الشريف مطلقاً من التأهل للألعاب الأولمبية. وأما بالنسبة للبطولات الدوليَّة الأخرى، فكان شقيقها الأكبر، رضوان الشريف، رئيس اتحاد كرة المنضدة الفلسطيني، يختار بشكل متكرر شابات أخريات للسفر لتلك المباريات: “اعتاد شقيقها على إخبارها ’اوه، أنتِ لديكِ الكثير من الأطفال الصغار، وينبغي عليك الاهتمام بهم‘،” كما يقول عبد الرحمن.
وتغاضت روضة عن الذهاب لبطولة أقيمت في لبنان سنة 2013 وبطولة الأردن سنة 2011، لكنَّ شقيقها يؤكد اختياره لها في منافسات أخرى، ويشير لعدم رغبته في ترشيحها كل مرة بسبب رغبته إعطاء نساء أخريات الفرصة مع شح موارد الاتحاد، وعدم رغبته باتهامه بالمحسوبية ومحاباة الأقارب.
 
الرياضة أولا
وعندما تزوّجت في بداية العشرينيات من عمرها، كان لروضة شرط وحيد: “سأقبل بالزواج فقط إذا أتمكن من الاستمرار بلعب كرة المنضدة، أو أية رياضة أو نشاط آخر،” رافضة تقييد الزواج لحريتها، وهو الأمر الغالب في مجتمعها: “يعدُّ الناس الرياضة شيئاً سخيفاً حينما يتعلّق الأمر بمزاولته من قبل النساء، لأنهن ينتمين فقط للمنزل في نظرهم. بعض الرجال لا يدعون النساء يذهبن للتسوّق، فما يمكن لنا تصوّره حيال ممارسة 
الرياضة؟”.
لا تبقى الشريف بدون نشاط عندما لا تمارس الرياضة، فهي تعمل أمين صندوق في محل لملابس الزفاف خلال أيام الأسبوع، ومصوّراً فوتوغرافياً لحفلات الزفاف ومشغل موسيقى في عطلة نهاية الأسبوع. وبحسب نبال خليل، نائب رئيس اللجنة الأولمبية الفلسطينية والمتخصصة بعلم تطوّر الإنسان في جامعة القدس، فإنَّ مجتمع الأسرة الفلسطينية الشرقي التوجه والتقاليد الثقافية غالباً ما يتحرك وفقاً للتقييدات الجنسانيَّة، هذا علاوة على حالة الاحتلال العسكري وما تفرضه من مئات نقاط التفتيش ونظام سماح العبور من خط الهدنة لسنة 1967 مع اسرائيل، والتأخيرات الإدارية وما الى ذلك من أمور، ناهيك عن مجتمع ذكوري صارم قبل كل ذلك، وفرضه وضع المرأة بمقام متأخر.
تقول نبال: “التحدي الأكبر يكمن في الاحتلال، فنحن نجاهد يوميا لتثبيت حقنا في التحرّك،” مشيرة الى بنات يسكنّ القرى، ويردن مزاولة النشاطات الرياضية في المدينة، لكن يجب عليهنّ العبور من خلال نقاط التفتيش، ما يعني المزيد من التدقيق لنشاطاتهن. “بالنهاية، ستتدخل البنية الاجتماعية للمجتمع الفلسطيني وسترفض ذلك”.
 
ثقافة جديدة
ونتيجة لذلك، لم تمثل الأنشطة الرياضية أولوية للشعب الفلسطيني لغاية فترة حديثة، ومع توقيع اتفاقية أوسلو وتأسيس السلطة الفلسطينية سنة 1993، شرع الفلسطينيون بالمشاركة في الألعاب الأولمبية. بالنسبة للنساء الفلسطينيات، تمركزت أولوياتهن تاريخياً حول الزواج وتكوين الأسرة. تقول خليل: “هذه الأيام، الاهتمام ينصب على التعليم، لكن حتى مع تحقيق تلك الرغبة، وبمجرّد إنهاء البنت لتعليمها، تبقى الأولوية هي الزواج”. ورغم تباين حياة النساء من المدينة الى القرية الى مخيمات اللجوء، تتفق نبال وروضة أنه في نهاية المطاف الأمر ينتهي بالأسرة؛ وفي حالة روضة، فهي كانت محظوظة.
تقول روضة: “المعروف عن أسرة الشريف ممارستها لرياضة المضرب، وفي النادي، نشتهر بتحقيقنا للانتصارات”. وبدأت روضة اللعب بعمر صغير مع أفراد أسرتها، فروضة وشقيقها التوأم رودي، وهو بطل كرة المنضدة أيضاً من جانب الرجال، اعتادا على وضع منشفة وسط طاولة غرفة الطعام في منزلهما كفاصل مؤقت للطاولة واستخدام الكتب كمضارب.
لكن حتى ضمن أسرتها، توجب عليها إزالة بعض العوائق؛ فمع حيرتها لكيفيَّة تفسير أسباب “تضييعها للوقت في ملاحقة كرة صغيرة،” حاول زوج والدتها كثيراً أنْ يمنعها من مواصلة اللعب. وعندما شاركت في بطولة أقيمت سنة 2012 في المغرب، فاتها ولادة أول أحفادها، الأمر الذي خلق بصمة عار، نوعاً ما، على
 الأسرة. 
ومع كل هذه التوترات الناشئة من لعبها لكرة المنضدة، من أفراد الأسرة والمجتمع، وحتى من النادي الرياضي نفسه، أرغمت روضة على بناء نفسها بشكل مستقل، وحققت ذلك ليس فقط بنجاح باهر بل مع امتلاكها للمتعة والثقة: “أنا لا أكترث لما يقوله الناس. أنا فقط أريد مواصلة اللعب”.
 
مجلة اوزي الأميركية