الحوراء زينب أنموذج المرأة في التصدي للتحديات والظلم

العراق 2019/09/17
...


د. وليد الحلي*
 
في خطبتها، أمام عبيد الله بن زياد وجنده وأهل الكوفة بعد شهادة الإمام الحسين (ع) عام 61 هجرية، حملتهم المسؤولية وأبكتهم قائلة: 
" ألا ساء ما قدمت لكم أنفسكم أن سخط الله عليكم وفي العذاب أنتم خالدون، أتبكون؟ وتنتحبون؟ إي والله، فابكوا كثيراً واضحكوا قليلاً، فلقد ذهبتم بعارها وشنارها، ولن ترحضوها بغسل بعدها أبداً، وأنى ترحضون قتل سليل خاتم النبوّة؟ ومعدن الرسالة، وسيّد شباب أهل الجنّة، وملاذ خيرتكم، ومفزع نازلتكم، ومنار حجّتكم، ومدرة سنّتكم؟ ألا ساء ما تزرون، وبعداً لكم وسحقاً، فلقد خاب السعي، وتبت الأيدي، وخسرت الصفقة، وبؤتم بغضب من الله، وضربت عليكم الذلّة والمسكنة".
ومنتفضة في مجلس يزيد بن معاوية في الشام ومعلنة انتصار الحق على الباطل ونهاية الحكم الأموي حيث قالت بكل شجاعة وإباء مستصغرة قدر يزيد وسلطانه، ومستنكرة فعلته النكراء في قتل الامام الحسين (ع) وأهل بيته واصحابه، قائلة : 
".... فوَاللهِ ما فَرَيتَ إلاّ جِلْدَك، ولا جَزَزْتَ إلاّ لحمك، ولَتَرِدنّ على رسول الله بما تحمّلت مِن سَفكِ دماءِ ذريّتهِ، وانتهكتَ مِن حُرمته في عِترته ولُحمته! حيث يجمع الله شملهم، ويَلُمّ شعَثَهم، ويأخذ بحقّهم.. (ولا تَحسَبنَّ الذينَ قُتِلوا في سبيلِ اللهِ أمواتاً بل أحياءٌ عندَ ربِّهم يُرزَقون) . حَسْبُك بالله حاكماً، وبمحمّدٍ خَصيماً، وبجبرئيل ظَهيراً، وسيعلم مَن سوّى لك ومكّنك من رقاب المسلمين (بئس للظالمين بدلاً) وأيُّكم شرٌّ مكاناً وأضعَفُ جُنْداً! ولئن جَرَّت علَيّ الدواهي مُخاطبتَك، إنّي لأستصغرُ قَدْرَك، وأستَعظمُ تَقريعك، واستكبر توبيخك"
إنها العقيلة زينب بنت الإمام علي بن أبي طالب (ع) التي تعلمت وتربت  في بيت جدها رسول الله محمد (ص) منذ ولادتها في العام الخامس للهجرة، وعرفت الشجاعة والإقدام من والدها الإمام علي (ع)، والصلابة في الموقف والعطاء من أمها فاطمة الزهراء (ع)، والحلم والحكمة من  أخيها الإمام الحسن (ع)، والجهاد والتضحية من أخيها الإمام الحسين (ع)، والوفاء للرسالة والأخوة من أخيها العباس (ع)، فأصبحت نتاج فضائل أهل البيت في العلم والاجتهاد والعقل والنضج والحكمة والجهاد لإحقاق الحق والتصدي للظلم والدفاع عن المحرومين والمظلومين.
بشجاعة كبيرة ومن دون يأس أو إحباط، قابلت العقيلة زينب (ع) المصائب العظام بجبل من الصبر حيث استشهد أخواها  الإمام الحسين (ع) وحامل لوائه العباس (ع) وأبنائهم وشهادة ولديها محمد وعون مع صحابة سيد الشهداء، وهي تحيط بأجسادهم بدون رؤوس وممزقة بالسيوف، وكانت النساء الأرامل من حولها في حيرة من أمرهم، وقد تعلق بهن الأطفال من الذعر والعطش، وأمامهم جيش يزيد يحيط بهم من كل جانب وهم يحرقون خيامهم، ويعتدون على حرمات النساء والأطفال، وهي في نفس الوقت تهتم برعاية ابن أخيها الإمام علي بن الحسين (ع) الذي كان مريضا معلولا. 
بكل إصرار وثبات ورغم الانتهاكات الواسعة والقاسية والمؤلمة لحقوق الإنسان ، قامت السيدة زينب (ع) بتنظيم كل ذلك وقيادة قافلة الأسرى من كربلاء إلى الكوفة، ومن الكوفة إلى الشام ومن الشام إلى المدينة المنورة. 
ومتصدية وبالتنسيق مع الإمام زين العابدين (ع) في التبليغ والإعلام بحجم المآسي والفواجع التي ألمت بأهل بيت النبوة والتي ارتكبت في كربلاء ومع الأسرى وفي المدينة المنورة ، وفضحت جرائم الحكم الأموي ومن يدور في فلكهم، وبينت للناس الغافلين الحقائق وأبعاد وأهداف الجرائم التي ارتكبوها وهم في أجواء مملوءة بإعلام مضلل ضد آل بيت رسول الله على أنهم خوارج!!.
لقد تجاوزت السيدة زينب (ع) بإرادتها وبصيرتها وجهادها كل التحديات والظلم  وأصبحت بحق أنموذجا للمرأة في كل زمان ومكان في الالتزام بالقيم والأخلاق والعلم والفضيلة والحكمة والصبر، وفي التصدي للانتصار أمام العوائق والمحن التي تجابهها في الحياة اليومية، وفي نصرة الحق ضد الباطل.