أعداء الدولة وبناتها، العراق انموذجا

العراق 2018/11/11
...

ابراهيم العبادي 
 
انهدمت الدولة العراقية الحديثة عام 2003، بعد (82) عاما من الصراع الداخلي والخارجي، النهايات كانت متوقعة، فهذه نتيجة حتمية للاستبداد والعنف والحروب الداخلية والفشل المتراكم في وضع لبنات البناء الصحيح .
كانت البناءات سلطوية قسرية عوجاء لم تنطلق من قيمة الانسان وكرامته وحقوقه ،فانهار كل شيء يوم وجد الانسان العراقي ان هذه الدولة ليست دولته وليس معنيا بالدفاع 
عنها .
كان متوقعا ان يعاد بناء الدولة بنظام جديد وقيم جديدة ورؤية متجددة لماضي العراق وحاضره ومستقبله، وكان ذلك معقودا برؤوس العصبة التي نابت عن العراقيين في التخطيط والمأسسة لهذا النظام، ثم اتضح بعد حين، ان عيوب التأسيس ونقص الخبرة والعقل المأزوم ساهمت في تقويض احلام العراقيين في دولة تنهض من جديد، لا أريد ان اقلل من حجم الحرب المدمرة التي شنها اعداء التغيير وحملة فكر الارهاب والتدمير، لكن من الواضح ان مؤسسات النظام الجديد وقيمه لم تكن قادرة ومؤهلة لمواجهة التحديات، وبقي العقل السياسي العراقي يراوح بين ذهنية الصفقات والتجريب ومنطق التنافس الطائفي والاقوامي والاسترباح على حساب المجتمع والدولة، فضاعت هيبة المؤسسة وحلت علاقات زبائنية بين السياسيين والجمهور، انه التخادم المصلحي الذي يزري بقيم المواطنة والمساواة والحريات، ويحول كل شيء الى علاقات انتفاع يومية لا علاقة لها بسياسات عامة للدولة تسهر عليها حكومة تعيد توزيع السلطات والثروات وتمارس دور المشرف على تنمية المجتمع والاقتصاد والتعليم وتطبق القانون. 
مرت خمسة عشر عاما، والعراقيون يخوضون حرب البقاء على قيد الدولة الموحدة وينتظرون افقا جديدا ينقل الفكر والحوارات الوطنية الى مرحلة الفعل الجدي، رؤية رئيسي الحكومة والجمهورية تبدو متقاربة في تشخيص المشكلة، لكن القراءة المتبصرة وحدها لاخطاء التاسيس وافاق الحلول لن تكون مجدية ما لم يتبن  البرلمان (مؤسسة التشريع) ومنابر الاعلام ومنصات التواصل ومؤسسات القضاء رؤية جديدة تنقض ممارسات وقيما وتشريعات وسلوكيات حزبية ومافيوية وميليشياوية تقوض مشروع بناء الدولة، الدول لا تبنى بمقاولة تسليم المفتاح، بناء الدولة يستلزم فكرا وارادة ومنهجا وتوافقا وطنيا، نجزم ان بعضا من العراقيين ممن شبع من الفوضى وضعف الدولة واكتنز الملايين من الفساد سيرفض اي خطوة للاصلاح والتغيير، لان عودة الدولة والقانون قويين يعني ضياع فرص النهب والانتفاع والسمسرة، ثمة علاقات تأسست بين السياسة ورأس المال، علاقات  زبائنية  تشتري المناصب والمقاولات والاعلام وتخلق اجواء من الضجيج والاهتمامات الجانبية لتمرير الصفقات، لن ينجو  مشروع بناء الدولة المؤسساتية  من العراقيل والتخريب بوجود هذه الطبقة التي تجيد الدفاع عن حقوق المهمشين وتأكلهم نهارا جهارا باساليبها التخريبية واستحواذها على الاموال والصفقات،  التجربة العراقية الجديدة لديها أمل محدود في ان تصلح من خطواتها المتعثرة وتجاربها الخجولة، او ان تصل الى نهاياتها المغلقة وعندها نحتاج الى استئناف جديد بشروط في غاية التعقيد. انها الفرص التي تهدر من عمر العراقيين دونما عودة.