الدبلوماسيَّة الناجحة وقت الأزمات الشديدة

ثقافة 2019/09/30
...

باسل محمد 
 
لا يمكن على الإطلاق الفصل بين قوة الدبلوماسية لدولة ما وبين قوة وضعها الداخلي.. بمعنى لا يكفي تمتع الدولة بعلاقات جيدة مع جميع الأطراف المعنية بأزمة ما في المنطقة. 
من الناحية العملية، العلاقات الجيدة مع جميع أطراف الأزمة، هي ميزة مهمة للغاية تستعمل في جلب هذه الأطراف الى مائدة محادثات وتسوية، ولكن في المقابل هذه العلاقات الجيدة مع جميع الأطراف المعنية بأزمة ما على المستوى الأقليمي بالتحديد قد تسمح لجميع هذه الأطراف من ممارسة ضغط ما على الدولة التي قررت استخدام دبلوماسيتها لحل الأزمة. 
لجهة العراق بالتحديد: الحكومة العراقية تملك صلات تقارب وتعاون مع ايران والولايات المتحدة والمملكة السعودية وقطر والكويت والأمارات وتركية وسورية والأردن ومصر.. بمعنى لا توجد أزمات سياسية على الإطلاق بين العراق وهذه الدول كل على حدة.
كما أنّ النخبة السياسية العراقية بمكوناتها المعروفة داخل البرلمان العراقي وهو مركز العملية السياسية الديموقراطية في البلاد، تملك دبلوماسية موازية للدبلوماسية التي تملكها الحكومة العراقية وهي الطرف الرسمي للعراق، فهذه المكونات السياسية، لديها علاقات وثيقة ومباشرة مع الفضاءين الأقليمي والدولي.
في استخدام الدبلوماسية الناجحة للعراق: الحكومة العراقية تملك دبلوماسيتها الخاصة وتملك أيضاً المزايا الدبلوماسية لمكونات النخبة السياسية ومن ثمّ يجب أن تعتمد الدبلوماسية الرسمية للدولة العراقية على الميزتين الدبلوماسيتين (ميزة علاقات الحكومة وميزة علاقات مكونات النخبة السياسية العراقية)، لكن تفعيل الميزتين سيحتاج الى ستراتيجيات عميقة لتوظيف الدبلوماسيتين في دعم السياسة الخارجية للعراق وسياسة ادارة التسويات للأزمات الشديدة في المنطقة.
 أساسيات الدبلوماسية القوية .. ستراتيجياً: كل التطلعات نحو دبلوماسية عراقية ناجحة في المنطقة ستكون مفيدة 
باتجاهين: 
(1) تحفيز كل المكونات السياسية العراقية على تعزيز السلم في الوضع الداخلي اي تقويض المشاكل والخلافات الداخلية الى حد كبير، فأي دبلوماسية تنكفئ اذا كانت الدولة المعنية بها في وضع داخلي مضطرب أو يتجه الى الارتباك. 
(2) تطوير الأنشطة والمظاهر الاقتصادية والعلمية داخل البلاد .. ويسهم ذلك في تقوية المصالح الحيوية للدول داخل العراق، كما أن هذه الأنشطة والمؤشرات تقدم النخبة السياسية العراقية، كجزء من القيادات العالمية الناجحة في قيادة دولتها ومجتمعها. 
في الدبلوماسية العراقية لحل أو التخفيف من حدة الأزمات الخطيرة في المنطقة، لا يمكن الرهان فقط على علاقات ايجابية ومنفتحة مع جميع الأطراف والا كانت دبلوماسية ناقصة القوة أو عبارة عن دبلوماسية لا تملك وسائل تأثير على الآخرين، ولذلك السؤال المطروح في هذا الإطار: هل الحكومة العراقية أو النخب السياسية العراقية الرئيسية الكبيرة لها نفوذ على دول المنطقة؟ 
فالتفريق بين العلاقات الإيجابية وبين النفوذ هو مسألة حاسمة في ملف بلورة دبلوماسية عراقية ناجحة.
 العلاقات الايجابية والنفوذ .. بنظرة منهجية واضحة: اذا كان العراق يتطلع دائماً الى قيادة الدبلوماسيات الناجحة في المنطقة لتسوية أزماتها في الوقت الراهن أو في المستقبل عليه أن يطور ميزة العلاقات الايجابية مع جميع الدول الى ميزة نفوذ عبر ملفات اقتصادية وتجارية وسياسية أيضاً.
كما أن على الحكومة العراقية أن تحسن استعمال بعض الملفات في ظروف مناسبة أو ظروف مهيأة.
في هذا السياق على سبيل المثال لا الحصر: مسودة بعض الائتلافات السياسية في البرلمان العراقي حول قانون انسحاب القوات الأجنبية من العراق تمثل وسيلة قوة للدبلوماسية العراقية بصورة غير
مباشرة. 
كما أن توقيع الحكومة العراقية على سبيل المثال أيضاً لاتفاقية شراء الكهرباء من دول الخليج العربي هو عمل يدعم الدبلوماسية العراقية لتسوية ازمات المنطقة بشكل غير مباشر.
في العمل المحترف للدبلوماسية العراقية: يجب تحديد نقاط الضعف ونقاط القوة في العلاقات الايجابية التي تملكها الحكومة مع جميع الأطراف الأقليمية والدولية ومن ثمّ تعمل على تقليل عامل الضعف وزيادة عامل القوة.
في العلاقات الدولية، مسألة النفوذ والتأثير قد تكون متبادلة بين دولتين وعليه، الدولة الناجحة دبلوماسياً في إطار الأزمات واحتوائها يجب عليها أن تملك نفوذا أكبر من الطرف الآخر، أي تؤثر في الطرف الآخر أكثر مما هو يؤثر فيها أو تملك مزايا تقلل من نفوذ الطرف الآخر عليها وكلما حصل ذلك، فرص نجاح الدبلوماسية العراقية ستكون أكبر. 
من منظور آخر، اي أزمات شديدة في المنطقة هي مصدر تهديد للعراق وقد تتسبب في اضعاف الوضع العراقي بصورة متزايدة، ولذلك الدبلوماسية العراقية تتحرك بجد نحو التهدئة واحتواء مخاطر الحرب لكي لا يكون الوضع الداخلي للبلاد أكثر سوءا، سواء لجهة عودة العنف والإرهاب او لجهة تعميق الخلافات بين المكونات السياسية العراقية المختلفة، بمعنى كل أزمة شديدة في المنطقة ستعمل بمسارين: مسار يقوي الدور الدبلوماسي للعراق ومسار آخر يهدد الدولة العراقية وأمنها القومي أي أن ظهور دبلوماسية عراقية ناجحة وذكية يعد من متطلبات الأمن القومي 
العراقي.