المعرفة والتعليم.. عصب نجاح حكومة الأستاذ عبد المهدي

آراء 2018/11/14
...

د.عبد الواحد مشعل
 تنطلق رؤية هذا المقال من الواقع الميداني الذي يعيشه المجتمع العراقي في واقع التعليم بشكل عام والتعليم العالي بشكل خاص ، ووفقا لهذا الإطار ينبغي أن تكون من أولويات الحكومة المقبلة قراءة العقبات التي واجهت الحكومات السابقة وتجاوزها ، والانطلاق نحو سياسة جديدة ترتقي إلى مستوى التحديات التي تواجه البلد ، ولعل أولى الخطوات التي ينبغي أن تفعلها ، وضع برنامج تنموي وسياسي واضح المعالم يتضمن ستراتيجيات تشمل القطاعات المختلفة ، ابتداء من رسم خريطة سياسية جديدة يتفق عليها الجميع ، أولوياتها تحقيق العدالة على المستويات كافة ، وعلية فيمكن حصر الموضوع في مسارين رئيسين هما : 
أولا: المعرفة أساس بناء المجتمع والدولة، لا يمكن لأي مجتمع أن يكون مجتمعاً راقياً ، اذا اتخذ من الاختلافات والتنوع الثقافي فيه، سبباً للصراع، بدلا من اتخاذهما سبيلاً إلى الإبداع والتطور، فالحضارة تعني الخروج من القوالب الضيقة أو القوقعة إلى الدائرة الأوسع التي تبني مجتمعاً ديمقراطياً وعقلانياً وتعددياً ، ليفضي الأمر إلى بناء دولة يحكمها القانون والعدل، وان بناء معرفة علمية رصينة تتطلب بناء إنسان متعلم وواعٍ قادر على نقد الواقع وتحليله وهي مسألة تتطلب بناء مؤسسات المجتمع العلمية والثقافية على أسس راسخة من الطرح الموضوعي للمشكلات المتفاقمة والابتعاد عن خطب المواعظ التي اعتدنا عليها من وسائل الإعلام الشمولية، والتي تصب في اتجاه واحد هو خدمة السلطة لا غير، وعليه فان مفتاح المعرفة هي الحرية الفكرية والالتزام بقواعد المعرفة العلمية، وبناء هيئات علمية ومعرفية تتزعمها قيادات تفهم الإدارة وتقدير الحاجة الملحة للنهضة في مراحل تطورية ترسم على وفق سقف زمني معلوم، يأخذ بنظر الاعتبار الفهم والاستيعاب لقواعد المعرفة العلمية من اجل بناء جيل جديد ذي رؤية تطورية ، وفي هذا الاتجاه وظيفتان ، أولهما،إنقاذ الجيل الجديد من التشويش الذي يعيشه وإخراجه من دائرة الضياع والتيهان، وهذا لا يأتي إلا ببناء طرق جديدة في التعليم تجعله على التصاق مباشر بالجوانب التطبيقية سواء في مجال العلم الطبيعي أو الإنساني على وفق منهجية تجعل الشباب اقرب إلى مناقشة مشكلاتهم وحاجاتهم، وليس أن يكون هدفهم من التعليم الحصول على الشهادة و فرص عمل، وهذا لا يقلل من ذلك، إذا ما تحقق ذلك الاندماج، لان مسألة الحصول على الشهادة وفرص العمل ستكون تلقائية ومتاحة وبكفاءة عالية حينما يتبع ذلك بنى صناعية وتنظيمية تفضي إلى مرحلة تطورية تنقل المجتمع إلى الأمام، وتساعد في بناء دولة ناجحة. وثانيهما، وهي مرتبطة جدلياً بالأولى، وهي على صاحب القرار إدراك حقيقة لا مناص منها  وهي ان ثقافة جديدة بدأت تتبلور لدى الأجيال الجديدة سببها التقدم الهائل في مجال وسائل الاتصال والأخذ في التقدم، ما يهدد من جهة انفراد السلطة التربوية وبلورة قيم فردية غير موجهة ما يجعل ما يتحدث به الأب أو الام أو المعلم أو السياسي أو رجل الدين أو المصلح الاجتماعي في وادٍ، وقناعات الأجيال الجديدة في وادٍ آخر، بحيث تكون معه المعالجات التي تطرح غير مجدية، كذلك يمكن أن يتبلور عن هذا الواقع تهميش للمؤسسات التعليمية عن أداء وظائفها التربوية حينما يصبح أعضاؤها يعانون من هذا التفكك، وبالتالي ستصبح أدوارهم شكلية ونمطية، ما يضعف قناعاتهم بجدوى ما يقومون به، وفي هذا الطامة الكبرى التي لا يحمد عقباها في انتاج التخلف والتبعية الثقافية وضعف الانتماء الوطني. 
 ثانياً : الارتقاء بالتعليم ضرورة حتمية للارتقاء بالمعرفة، ويتم ذلك عبر:  
1 - وضع ستراتيجية للتعليم بمستوياته كافة ،وإيقاف حالة التدهور التي يشهدها من خلال جعله يرتبط بحاجات المجتمع العراقي على وفق خطة زمنية معلومة يشرف عليها خبراء، مع إجراء دراسات معمقة مدعومة من رئاسة الوزراء مباشرة ، تتعلق أولا بواقع التعليم العام بمراحله ومستوياته كافة لمعرفة موطن الخلل فيه. 
2 - ينبغي أن تذهب دراسات أخرى إلى بحث واقعي للتعليم الأهلي ووضع آليات تربوية وعلمية قبل أن تتحول قنواته إلى دكاكين هدفها الربح قبل أي هدف آخر، لاسيما ما يتصل بالاختصاصات الطبية والهندسية ووضع شروط لمنح الشهادات لا يكون هدفها اللقب بقدر ما يكون الإبداع في الاختصاص، ان نجاح خطة خاصة بالتعليم يعني بداية صحيحة لبناء مجتمع حضري تتوافر فيه مستلزمات الحياة العصرية بكل مسمياتها.
3 - بناء جيل من الأساتذة الجامعيين المزودين بخبرات علمية من جامعات متقدمة وتفعيل البعثات العلمية، لاسيما في العلوم الطبيعية والطبية وعلى وفق خطة مدروسة.
4 - اختيار القيادات في التعليم من ذوي الاختصاص والذين لهم سمعة علمية قادرة على النهوض بواقع التعليم.
5 - العمل على وضع ستراتيجية للتعليم الوسطي (المهني) والعمل على جذب الشباب إليه، بدلا من الانخراط غير المدروس في التعليم الجامعي.
6 - مراجعة واقع المناهج والدراسات العليا في العراق والعمل على ربط البحوث والدراسات بحاجة القطاعات المختلفة في الدولة والمجتمع.
7 - وضع ستراتيجية تنمية المعرفة على مستوى المؤسسات التعليمية وجعلها متفاعلة مع حركة التغيير الثقافي في المجتمع، وربط الجامعات بالمجتمع وتنميته.
8 -لا بد من وضع خطة متكاملة لتأسيس ثقافة عراقية جامعة تقدس العمل وتنطلق في تصوراتها من الفضاء الوطني من اجل نهضة حضارية مقدرة.
9 -لا بد من توفر القيادة الإدارية الصلبة الفاهمة للإدارة في تنفيذ المشاريع وتفعيل القوانين بما يخدم عملية النهضة .
10 - تنمية القدرات في مؤسساته وينظر في مشكلاتهم وحاجاتهم بما يجعلهم على همة عالية من العمل الانجازي.
11 - الابتعاد عن الانحياز للأقارب والأصدقاء ويكون الإيمان بالانجاز واختيار الافراد القادرين على
 الإبداع.