حسين رشيد
1
تتبسم الطفلة ميس وهي تشاهد الشباب والشابات يمزحون ويتراشقون بالالوان فيما بينهم، تاركين صدى ضحكاتهم في فضاء حدائق ابي نواس ترددها الاشجار والزهور والعشب، ضحكات ميس ترتفع وهي تشاهد تمازج الالوان على اجساد وملابس الشباب المحتفلين بمهرجان بغداد للسلام، الذي عمم رسالة واضحة المعنى بدون اي التباس ان بغداد عاصمة الجميع، مدينة الحياة التي لاتنضب، عاصمة التآزر والتكاتف والتآخي والتعايش والتسالم الاهلي، مدينة برعت في تغيير الصورة السلبية عنها ايام الاحتراب الطائفي والتشدد المذهبي، فعادت تستعيد بريق السلم الاهلي، بمهرجانات وملتقيات وامسيات ثقافية وفنية اذ يكاد لايخلو اسبوع من هكذا فعاليات مبشرة بجيل جديد بعيد عن لعنة الحروب والاحتراب المذهبي والمناطقي، شباب يرسمون خطوط التعايش الجديد ويعيدون ألفة الماضي التي ورثوه من اهاليهم. وسطهم ميس برعم ورد ينمو في ظل تعايشي ملون، متقبلة لآخر افكاره، موروثه، دينه، مذهبه، عرقه، قوميته، وكل تفاصيله الاخرى التي ستكون خطوط وصل وتواصل.
2
قهقهات ميس ترتفع وهي ترى والديها الشابين ملطخين بالالوان من اعلى رأسيهما حتى اخمس قدميهما، اخذتها والداتها من حضن جدتها التي حاولت ابعاد رذاذ الالوان عنها لكن من دون جدوى فقد وصله مرح الشباب وفرحهم ببعضهم، جدة ميس من ذلك الجيل المتعايش المتحاب في ازقة ومحلات بغداد، كانت تقص لشابات جلسن قربها في فترة الراحة وهي تقول: العراقيون طيبون متعايشون متآلفون متكاتفون لو ابتعدوا عن احاديث السياسية وفخاخ التدين والخرافات التي يروج لها مريدو الفتن. العراقيون طيبون جدا لو عاشوا في عدالة اجتماعية وقانون يحمي الجميع، وحتما سيكونون مثاليين في التعامل لو توفرت لهم الخدمات العامة من مستشفيات حديثة، مدارس متطورة، دوائر حكومية تحرص على اتمام المعاملات بوقت قياسي، وسائل نقل حديثة، ماء صالح للشرب، كهرباء لاتنقطع حتى في اشد الاحوال الجوية سوءا، وسيتقبل بعضهم البعض كما كان قبل عقود حين تصان ثروات البلاد وتوزع الواردات على مشاريع انتاجية وخدمية وتنموية تحرص على تامين مستقبل الاجيال المقبلة، فالسلام ليس بعدم وجود الحروب فقط، السلام يكون حين تتوفر الحياة الكريمة لعامة الناس.
3
والد ميس خريج الجامعة التكنولوجية ووالدتها متخرجة في جامعة بغداد كلية التربية، يسكنان في منطقة الكرادة ذاتها، قومية ومذهب كل منهما مختلفان عن الاخر، رغم تعقيدات وسود ايام العنف الطائفي حافظت محلتهم على نسيجها الاجتماعي، مثلما حافظت اسرتيهما على روابط الجيرة والاخوة الممتدة بينهما منذ سنين، وتمسكهم بتقاليد زواج الجيران، لم تضع القومية حجر عثرة بينهما ولا اختلاف المذهب مانعا في اتمام هذه الزيجة، لكنهما كبقية اقرانهم ما ان الخريحين يفتقدون لتوفر فرصة ايجاد وظيفية في تخصيصهما الدراسي ، اذ اكتفى الاب بالعمل في مكتب حاسبات بمرتب يوفر مستلزمات أسرته البسيطة.
رغم ذلك فهما سعيدان باجواء المهرجان وسعيدان اكثر كونهما من المساهمين بهذا الفعل الاجتماعي، وسعادتهما تكبر وهما يشاهدان زوال مرحلة العنف والاقتتال وعودة بغداد الى ما كانت عليه بل وعودة البلاد اجمع فهي تسع الجميع وتحتضنهم جميعهم بكل
تنوعاتهم.