نعم، كفى بنا حروباً، ونريد وطناً محترماً .. هما قولان أو هدفان أطلقا ورفعا من جهتين مختلفتين ومن مكانين متباعدين، وفي موعدين متقاربين، لكنهما قولان أو هدفان يُكمل أحدهما الآخر. كان القول الاول بمثابة نداءٍ مدوٍّ أطلقه رئيس الجمهورية الدكتور برهم صالح من على منصة الجمعية العامة للأمم المتحدة في 24 أيلول المنصرم، وحرص فيه على إعلام دول العالم وشعوبها.
أنّ العراقيين ملّوا وسئموا الحروب واكتفوا – مرغمين – على دفع أثمانها، فليساعدنا العالم في منع اندلاع حروب جديدة يكون العراق ساحة لها وشعبه وقوداً
لنيرانها..
إنّنا نريد السلام. أما القول، أو الهدف الآخر، فقد رفعه ودعا اليه مواطنون عراقيون ممن شاركوا في حراك التظاهرات الشعبية السلمية التي انطلقت في الأول من شهر تشرين الاول الحالي، وكان بمثابة صرخة عالية ومتألمة: نريد وطناً محترماً، اي نريد عراقاً يعيش فيه المواطن باحترم وكرامة، عراقا يحترمه العالم وشعوبه ولا تستهين بعض دوله باحترامه.
لقد حبست مذيعة إحدى الفضائيات العراقية دموعها التي ترقرت في عينيها وهي تنقل هذا الخبر وبدت متألمة وحزينة ومندهشة في آن معاً.
القولان او الهدفان: كفى بنا حروباً..
ونريد وطناً محترماً يُكمل احدهما الآخر، ذلك لان الدعوة للاكتفاء بما عانى العراقيون من الحروب ومنع اندلاع حروب جديدة، انما يستبطن التمهيد والتفرّغ لبناء عراق ديمقراطي حقيقي ومتقدم ومزدهر يعيش فيه مواطنوه بأمان وسعادة وازدهار .. وباحترام بطبيعة الحال، يشعر المتظاهرون بنقصه او افتقاده.
لقد كان النداء المدوي لرئيس الجمهورية لشعوب العالم ودوله انه كفى بنا حروباً، انما بهدف استنهاض الجهود والمساعي الدولية، كي تتضافر وتتكامل مع التحركات والمساعي العراقية لمنع اندلاع حرب جديدة في المنطقة، يكون العراق وشعبه اول المتضررين من حرائقها ووقوداً لها. اما صرخة نريد وطناً – عراقاً محترماً فهي صرخة تريد ان تستعيد وتجدد الآمال والاهداف والشعارات التي طرحت وانتعشت بعملية التحرير والتغيير في التاسع من نيسان، لكن هذه العملية السياسية التي بدأت بهذه الآمال والأحلام والوعود التي أيدها وصفق لها ملايين العراقيين أخذت تسوء وتتعفّن مع تقادم السنين، وهو الامر الذي دعا المتظاهرين الى رفع الشعارات المطلبية والسياسية للتغيير وتجديد المسار الديمقراطي المتعثر واعادة بناء العراق ومحاربة الفساد وانصاف جميع العراقيين ومعاملتهم باحترام، كما تجلى ذلك بشعار: نريد وطناً
محترماً.
ومن مقر الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك ورمزيتها التي اضفت اهمية كبيرة على نداء رئيس الجمهورية بالقول : كفى بنا حروباً، الى شوارع بغداد وشوراع معظم المحافظات والمدن العراقية التي دعا فيها المتظاهرون السلميون الى الاصلاح والتغيير والمحاربة الحقيقية للفساد ورفع الشعار – الصرخة : نريد وطناً
محترماً .. تتجلى اليوم بالرغبة العارمة للعراقيين لمنع الحروب على ارضهم وفي المنطقة، وتتجلى كذلك بالتطلعات والدعوات المخلصة لاعادة بناء العراق والعمل على تقدمه وازدهاره واعادة الروح الحقيقية للتحرير والتغيير الذي بدأت مسيرته في نيسان 2003، لكنه بدأ يتعثر بعد ان حرفته الطبقة الفاسدة المتنفذة عن مساره الصحيح، الامر الذي فسح المجال لأن يتجرأ بعض أيتام النظام الدكتاتوري السابق ويطلّوا برؤوسهم مستغلين الظروف، في الدعوة الى إلغاء كل ما ترتّب ونجم عن عملية التحرير او التغيير بعد التاسع من نيسان
2003.
إنّ نداء: كفى بنا حروباً، وصرخة: نريد وطناً محترماً، وغيرهما من نداءات وشعارات التغيير والاصلاح الحقيقيين ينبغي ان تتصدر اهتمامات جميع المخلصين العراقيين بدءاً من المتظاهرين وصولاً الى المخلصين في الدولة والمجتمع.