القاضي عبد الستار بيرقدار
التطور الكبير في مجال حقوق الإنسان عالمياً كإقرار الشرعة الدولية لحقوق الإنسان (الإعلان العالمي والعهدين الدوليين واتفاقية مناهضة التعذيب واتفاقية حقوق الطفل) واعتماد الجمعية العامة للأمم المتحدة عدداً من القواعد القانونية لحماية الأطفال الجانحين، وتطور النظرة لهذه الظاهرة، حيث أصبح يتم النظر لها باعتبارها ظاهرة اجتماعية تقتضي الرعاية والعناية والتأهيل لا العقاب والتجريم، فالطفل في نزاع مع القانون يعتبر في نظر الفقه والعلم الجنائي الحديث ضحية عوامل وظروف شخصية وبيئية، اقتصادية واجتماعية، أثرت في سلوكه، فدفعت به إلى التماسّ مع القانون، وإذا أردنا الوصول إلى عدالة متكاملة وشاملة لظاهرة لأطفال الجانحين، فلا بد من العمل على تجنيب الأطفال قدر الإمكان الدخول في الإجراءات القضائية، والبحث عن البدائل، ومن بين البدائل جاءت فكرة العدالة التصالحية، وهي فكرة مبنية على أن الطفل هو ضحية ويحتاج إلى حماية وتأهيل، بحيث يتم العمل بنهج العدالة التصالحية بالتوازي مع المضيّ قدماً مع قضاء الاحداث، فالعدالة التصالحية هي توجّه بديل للإجراء الجنائي العادي في حالات معينة.
فالنظام القضائي ليس هو الإجراء الوحيد الذي يجب أن يعالج ظاهرة الأطفال الجانحين في كل الحالات، ففي حالات معينة من الأفضل إجراء حوار ووساطة بين الجناة والمجني عليهم، بهدف التوصل لتصحيح الضرر وتأهيل الطفل الجاني وفق تدابير خارج النظام القضائي.
وتهدف العدالة التصالحية أساساً إلى إصلاح الضرر الذي أحدثه العمل المخالف للقانون وتعويض المجتمع والضحية، والعمل على إعادة دمج الطفل المخالف للقانون في المجتمع. بعكس الصلح العشائري الذي يركز على تحميل الجاني وعائلته المسؤولية عن الفعل الجاني وتجبرهم على التعامل مع نتائج أفعاله الإجرامية عن طريق التعويض عن الضرر الذي لحق بالمجني عليه، ويركز دائماً على الردع والعقاب، وغالباً ما ينتهي بتحميل عائلة الجاني المسؤولية وإلزامها بالتعويض، بعيداً عن القانون أو التشريع المعمول به.
وحيث أن ظاهرة الأطفال الجانحين هي ظاهرة مجتمعية لذا تتطلب تكامل الأدوار داخل المجتمع للحدّ منها، بحيث يكون للمجتمع الدور الأبرز من خلال تهيئة سبل التوفيق والتصالح. فالعدالة التصالحية تحمل الطفل مسؤولية فعله وإعطائه الفرصة لفهم تأثير أفعاله المخالفة للقانون على الطرف الآخر ومساعدته وتأهيله وإعادة دمجه في المجتمع، ولتعزيز ثقته بنفسه وبالمجتمع الذي يعيش فيه، بالتالي تقوم العدالة التصالحية على فكرتين أساسيتين:
- إعادة الحال إلى ما كانت عليه من خلال إصلاح الضرر، ففكرة التعويض واحتواء الطفل هي إحدى ركائز هذا النظام بحيث يصبح الطفل مرتكب المخالفة القانونية هنا مسؤولاً بشكل مباشر.
- احتضان المجتمع للطفل من خلال إعادة العلاقة مع المجتمع، أي أن للمجتمع والضحية دور في هذا النظام وتأهيل الطفل الجانح لضمان عودته كفاعل إيجابي في المجتمع.
اما بالنسبة لآلية عمل نظام العدالة التصالحية باعتباره بديلاً للإجراء الجنائي العادي، فيكون من خلال الحوار والتواصل بين الجناة والمجني عليهم بوساطة أفراد المجتمع المحيط أو الباحثين الاجتماعيين او إحدى مؤسساته، بهدف التوصل إلى تصالح لتصحيح الضرر، حيث يهدف اللقاء إلى الاستجابة لاحتياجات المجني عليهم،ومن تمكين الجناة من تحمل المسؤولية تجاه أفعالهم ومنحهم الفرصة للتأهيل والاندماج ثانية في المجتمع.
وفي حال عدم توصل الأطراف إلى اتفاق فيما بينهم، ينبغي أن تعاد القضية ثانية إلى العدالة الجنائية العادية، وأن يبتّ فيها وفقاً للمعايير الدولية لقضاء الأحداث.