مميزات الشخصية الجذابة

اسرة ومجتمع 2019/10/26
...

براين كلارك 
ترجمة: مي اسماعيل 
اذا سألنا الناس أن يختاروا شخصا يعتبرونه ذا شخصية جذابة فستكون الاجابات متوقعة غالبا.. فهناك “جيمس بوند” جاسوس الروايات البوليسية، والاعلامية “أوبرا وينفري”، وربما شخصية تاريخية مثل “د. مارتن لوثر كينغ الابن” أو “المهاتما غاندي”. ولكن لو سألنا نفس أولئك الاشخاص أن يصفوا (باختصار) ما الذي يجعل تلك الشخصيات محبوبة؛ فلن يتمكنوا من تحديد نواحي معينة بذاتها؟ 
يتفق الجميع على أن الناس ينجذبون بداهة الى أشخاص معينين من دون غيرهم؛ لكن تحليل صفات أولئك الاشخاص ليست بالامر السهل. وصف قدماء الاغريق الشخصية الجذابة على أنها: “نعمة اللياقة”؛ وهذا وصف مثالي؛ اذا كنا نؤمن بأن القبول من الناس هبة ربانية للبعض وليس الجميع. لكن اللياقة في الواقع تصرف مكتسب ومهارة يمكن تطويرها كما يتعلم الانسان المشي ويحفظ المفردات حينما يدرس لغة جديدة. وترتبط صفات مرغوبة اخرى (مثل الثراء وجمال المظهر) من دون شك بمدى جاذبية الفرد، لكن ولادة الانسان بلا ثراء أو جمال لا يستثنيه من جاذبية الشخصية. 
 
استخدام الاشارات
بالرغم من كل الدراسات السابقة لقياس الجاذبية الشخصية (التي درسها خبراء في كل العصور والازمنة، ومنهم- إفلاطون)؛ ما زال هناك الكثير مما نجهله عن الموضوع. لكن هناك حقيقتين لا يمكن انكارهما.. الاولى- إن الانسان ينجذب بصورة تفوق السياق الطبيعي الى بعض الاشخاص؛ خاصة أولئك الذين يحبهم. بالرغم من أن تلك الحالة لا تسود دائما؛ إذ قد يكون صاحب الشخصية الجذابة شريرا (على سبيل المثال). والحقيقة الثانية- إن الناس لا يفلحون في تحديد الصفة الدقيقة التي تجعل شخصا ما جذابا. إذ لا يمكن قياس صفات الجاذبية الفردية (ما عدا بعض الملاحظات الشكلية الخارجية؛ مثل الابتسامة اللطيفة أو القدرة على سرد قصص جيدة، على سبيل المثال)، وبالتالي لا يمكن ايجاد السبب الحقيقي لكون بعض الاشخاص محط اهتمام الآخرين.  
ربما كان السبب يرتبط بالتطور؛ فبالنسبة للجنس البشري تقود الغرائز الاساسية الى ما نسميه عادة- المشاعر. وتلك المشاعر فعليا هي الاستجابات اللا واعية للمئات من التحسسات (المنطوقة وغير المنطوقة) التي يدرسها دماغنا في كل تعامل لنا مع الآخرين. وهي مهارة ضرورية؛ إذ تسمح لجميع اللبائن باستكشاف نوايا الآخرين تجاههم، عبر الاستطلاع المستمر لفقرات مثل- لغة الجسد وايقاع الكلام والحركات اللاشعورية التي قد تشي بالتهديد.  يرى البروفسور “جون أنتوناكي” استاذ السلوك التنظيمي بجامعة لوزان السويسرية أن الجاذبية (في أكثر حالاتها الاساسية) ليست سوى اصدار الاشارات الاعلامية: “يمكن القول إن الجاذبية (أساسا) تقوم على اصدار معلومات عن الفرد بصيغة رمزية وعاطفية وتقييمية. لذا فهي تقوم على استخدام الاشارات المنطوقة (أي- الحديث) وغير المنطوقة”. وبمعنى آخر يمكن القول إن ما وصفه د. “أنتوناكي” هو النسخة المبسطة من الاستجابة لموقف الشخص المقابل؛ أما التعاطي معه أو الفرار منه.. لكن الانسان يقوم هنا بقرارات مستمرة، دقيقة وسريعة، ليقرر ما إذا كان الشخص المقابل الذي يريد لفت انتباهنا يستحق منا تقديم ذلك الاهتمام. 
 
ثلاثة أعمدة
تقول “أوليفيا كابان”، مدربة اكتساب الجاذبية ومؤلفة كتاب “خرافة الجاذبية- The Charisma Myth”) ان تفسير الجاذبية يمكن تحليله بثلاثة أعمدة: 
الأول- “الحضور- presence”: ويعني التواجد في اللحظة.. فحين ترى اهتمامك يتشتت في أثناء الحديث مع أحدهم؛ استعد تركيزك بوضع نفسك في المركز. وجه اهتمامك الى الاصوات المحيطة بك واستعد حضورك. 
الثاني- “القوة-Power”: وتعني تكسير القيود التي يضعها الفرد على نفسه بدلا من تحقيق موقع أعلى، وتعني كذلك تجاوز حالة الذنب التي تصاحب النجاح احيانا. تدعى مثل تلك المشاعر “متلازمة الادعاء”؛ وهي الخوف الحاصل نتيجة الاحساس أن الانسان ليس جديرا بالموقع الذي وصل له. وكلما ارتقى الشخص بموقعه، لازمه ذلك الخوف بصورة أكبر. هنا يجب على الانسان أن يتخلى عن شكوكه بنفسه، ويؤكد لنفسه أن مهاراته أمر قيّم ومهم للآخرين.. وهذا ليس بالأمر السهل. 
الثالث- “الدفء-warmth”: وهذه صفة يصعب تزييفها؛ إذ تتطلب من الانسان أن يُصدِرَ نوعا معينا من الاشارات الموحية بالتعاطف والقبول، وهي نوع المشاعر الذي يتلقاه الانسان من أقاربه وأصدقائه المقربين. لكن الامر هنا قد يكون خادعا؛ إذ قد يتلقى الانسان مثل تلك المشاعر من أشخاص التقاهم للتو. 
 
مشاعر تحت السطح
يتفق غالبية الخبراء أن جاذبية الشخصية ليست وصفة ذات قياس واحد تناسب الجميع؛ بل تراتبية المشاعر المستندة الى الفرد ذاته.. فهناك أشخاص يفيض منهم اللطف بصيغة الدفء والكرم، بينما قد ننجذب الى آخرين لاحساسنا بثقتهم بنفوسهم ونجاحهم. قد يحقق أكثر الاشخاص جاذبية (الذين نعرفهم على المستوى الشخصي) عموما النجاح في واحد أو اثنين من أعمدة الجاذبية؛ لكن عددا قليلا من الناس يمكنه التفوق في النواحي الثلاث معا. حقق د. “مارتن لوثر كينغ الابن” (على سبيل المثال) نجاحا في النواحي الثلاث؛ وبذا تصفه “كابان بصاحب “الجاذبية المثالية”. 
هناك أيضا “ستيف جوبز” مؤسس شركة “أبل” الشهيرة، الذي كان مثالا متميزا للسيطرة في قوة الشخصية والحضور؛ لكنه (وفقا لما تقوله ابنته “ليزا برينان جوبز”) كان يفتر الى الدفء. وكذلك يرى كثيرون أن “ايلون ماسك” رئيس مؤسسة “تسلا” العملاقة للتكنولوجيا يفتقر للدفء، ولذا يشكل حالة “الانطوائي الكلاسيكي- classic introvert” الذي يعوض عن افتقاره لمهارات التعامل الانساني بالتفوق في فرض حضوره بمستويات من القوة تفوق الحد المعتاد. تطلق “كابان” على ستيف جوبز صفة “جاذبية السلطة- authority charisma” بينما تعتبر ماسك من فئة “جاذبية التركيز- focus charisma”. 
هذه بالطبع تصنيفات يمكن القول إنها “تطفو على السطح”؛ لكن المهم هنا أن الجاذبية ليست صفة محددة بنمط وحيد، ولعل من الافضل التفكير بها بنفس طريقة التفكير بالذكاء؛ فقد يكون احراز التفوق في الرياضيات أو العلوم مؤشرا على الذكاء؛ لكن التفوق في الفنون أو الموسيقى مؤشر للذكاء أيضا. ومحاولة مقارنة شخص ذكي بآخر يقود فقط الى ارتباك أكثر.. وهذا ما يمكن أن يقال أيضا حول الجاذبية.  
صحيفة نيويورك تايمز الأميركية