برغم التحولات.. لا يمكن للعالم أنْ يتهاونَ بشأن حماية النفط

اقتصادية 2019/10/26
...

تيم غولد وتاي يون كيم
ترجمة: شيماء ميران
كان (استهداف ارامكو) في السعودية بمثابة إنذارٍ شديدٍ للعالم بأنَّه لا يمكن جعل حماية النفط أمراً مُسلّماً به، حتى وإنْ كانت الأسواق تُجهز بشكل جيد. لكنْ كانت هناك آراء أخرى تشير الى أنَّ هذا النوع من العرقلة في تجهيز النفط قد يكون له تأثير أقل في المستقبل، ويُعزى ذلك إما الى التغيرات الحاصلة في أسواق النفط، أو إنَّ النفط بحد ذاته قد بدأ يُنحى جانباً بسبب التحولات السريعة الى مصادر الطاقة الأخرى. ويوجه تقرير توقعات الطاقة العالمية “WEO” لوكالة الطاقة الدوليَّة، الذي من المقرر نشره في الثالث عشر من تشرين الثاني المقبل، سؤالاً بشكل مباشر يقول هل أنَّ تغيير ديناميكيَّة الطاقة حتى عام2040 تعني أنَّ العالم يُمكنه أنْ يصبحَ أكثر ارتياحاً بشأن حماية النفط؟.
والجواب بشكل مختصر هو أنَّ هناك فسحة قليلة من الرضا والقناعة حالياً، فعلى الرغم من احتمالية تغيّر بيئة الأسواق والسياسة بشكلٍ سريعٍ في بعض المناطق، إلا أنَّ مخاوف حماية النفط لا تتلاشى في أيٍ من السيناريوهات التي بحثها التقرير.
وسواء شئنا أم أبينا، فإنَّ ما يحدث في أسواق النفط سيبقى مهماً بالنسبة لنا جميعاً وعلى مدى العقود المقبلة.
 
هل سيصمد النفط أمام التغيير؟
لم يعد النفط هو القوة الوحيدة في الاقتصاد العالمي وخليط الطاقة كما كان سابقاً. وعلى الرغم من أنه لا يزال الوقود الأضخم في خليط الطاقة العالمي، إلا أنَّ أسهمه قد انخفضت اليوم الى 31 في المئة بعد أن كانت 45 في المئة عام 1974 عندما تأسست وكالة الطاقة الدوليَّة. كما هبطت أيضاً كمية النفط المستهلك في كل وحدة إنتاج اقتصاديَّة بمقدار الثلث منذ العام 2000، ما يعني أنَّ النمو الاقتصادي لن يحرك نمو الاستهلاك النفطي بالقدر الذي كان عليه في الماضي.
ومن المقرر لهذه الاتجاهات أنْ تستمرَ بما أنَّ النفط يتمُّ استخدامه بكفاءة أعلى وأنَّ المستهلكين وصناع القرار السياسي يبحثون عن بدائل أنظف لوسائط النقل. وقد ضمَّ تقرير “WEO” لعام 2019 السيناريو المرتكز على إعدادات وطموحات السياسة الحالية الذي يدرك وجود مؤشر على هبوط التنامي على طلب النفط بحلول أواخر العقد الثالث من القرن الواحد والعشرين، ويعودُ السببُ بشكلٍ رئيس الى التغيرات الدراماتيكيَّة في قطاع سيارات الركاب الذي يُشكل ربع الطلب العالمي على النفط، وانَّ بذل المزيد من الجهود المُنسقة لبحث تغيرات المناخ وتلوث الهواء سيُسرّع هذه التغيرات أكثر.
وتُخفف التغيرات على جانب العرض أيضاً بعضاً من هذه المخاوف. وقد جلب الارتفاع الملحوظ في إنتاج النفط الصخري الأميركي المزيد من التنوع في المخزون العالمي، وقلل من الاعتماد على بعض المنتجين والمصدرين التقليديين. كما أنَّ دورة الإنتاج والاستثمار قصير الأجل للنفط الصخري الأميركي جعله أيضاً أكثر استجابة لتحركات الأسعار، وقدَّم شيئاً من الشبكة الآمنة للأسواق في حال عدم التوازن بين الطلب والعرض العالمي.
وعلى الرغم من شموليَّة التحولات في أسواق النفط، إلا أنَّ تأثيراتها بحاجة الى أنْ تبقى مناسبة، فإنَّ ذروة استخدام النفط كوقود لسيارات الركاب واضحة للعيان، لكنه لم يعد هو الحال بالنسبة للعديد من القطاعات الأخرى التي تطلب النفط مثل الشحن بالسفن أو الملاحة الجويَّة أو سيارات الشحن وقطاع البيتروكيمياويات.
وحتى في السيناريو فإنَّ العزم المشترك للوصول الى تحقيق أهداف اتفاقية باريس عام 2015 على تغير المناخ بالكامل يؤدي الى تخفيض شديد في استهلاك النفط عالمياً، وستبقى السوق النفطية لـ67 مليون برميل يومياً فقط بحلول العام 2040. ويمكن مقارنة هذا بحجم الأسواق في أوائل تسعينيات القرن الماضي.
وعلى جانب العرض تتم منافسة منتجي النفط التقليديين من خلال ازدهار الإنتاج الحجري في الولايات المتحدة الأميركيَّة لكنه لن يتمكن من التفوق عليهم. ولا يزال الشرق الاوسط حتى الآن هو أوسع شبكة مجهزين للنفط الخام الى الأسواق الدوليَّة. ومع تطور الموقع الأميركي في الأسواق العالميَّة، إلا أنه قد تظهر نقاط ضعف محتملة جديدة.
فعلى سبيل المثال رصد المحللون النفطيون آثار موسم الأعاصير في الخليج المكسيكي بشكل عام بالنسبة للتجهيز المحلي الأميركي، كما حدث في كل من إعصاري كاترينا وريتا عام 2005. ويتخطى الطقس المتطرف في هذه المنطقة حالياً أحد المسارات الرئيسة العالميَّة لتصدير النفط.
 
عوائق وتبعيَّة الاستيراد
وتشير توقعاتنا الى أنَّ الاعتماد على النفط وخصوصاً استيراده لن يختفي بسرعة. وفي السيناريو المرتكز على طموحات وإعدادات السياسة الحالية الذي يضُم بعض الأهداف الطامحة لجعل عملية النقل أكثر فاعلية واعتماداً على الكهرباء، كما أنَّ استخدام النفط يستمر بالتزايد عبر الكثير من دول العام النامية، ويتحول الطلب بشكل ملحوظ باتجاه آسيا، حيث واردات الاقتصادات الرائدة وفواتير الاستيراد المرتفعة بشكل كبير.
وينتفع المستوردون الآسيويون في هذا السيناريو من التنوع الواسع لمصادر التجهيز، فهناك تزايدٌ كبيرٌ في التدفقات من شمال وجنوب أميركا الى آسيا. وعلى الرغم من التغيرات الكبيرة في الأسواق النفطيَّة على مدى الفترة القادمة حتى عام 2040 وارتفاع الإنتاج الأميركي، سيبقى نقل النفط الخام بحرياً من الشرق الأوسط الى آسيا خطراً.
وهذا يعني أنَّ مضيق هرمز، الممر المائي الضيق الذي يربط منتجي النفط في أنحاء الخليج مع الأسواق العالمية، سيبقى الشريان الحيوي لتجارة النفط العالميَّة، إذ ينقل المضيق في الوقت الحاضر ما يقارب الستة عشر مليون برميل يومياً من النفط الخام وأربعة ملايين برميل يومياً من المنتجات النفطيَّة، أي ما يقارب ثلث تجارة النفط العالميَّة المنقولة بحراً الى المستهلكين في آسيا. وفي العام 2018 كان ما يقارب 80 في المئة من واردات النفط الخام اليابانيَّة و40 في المئة من الواردات الصينيَّة وربع تجارة الغاز المسال العالميَّة تمرُّ من هذا المضيق، لذا فإنَّ أيَّ عائقٍ لسفن الشحن المارَّة فيه سيوتّر الأسواق مالياً.
ولا يُعدُّ مضيق هرمز هو الممر المائي المحتمل الوحيد، فهناك مضيق ملقا بين ماليزيا واندونيسيا الذي يربط المُصدّرين في كلٍ من الشرق الأوسط وافريقيا مع مستوردي آسيا. ويمرُّ اليوم عبر هذا المضيق ما يقارب التسعة عشر مليون برميل يومياً من النفط الخام والمنتجات النفطيَّة، ويعدُّ موقعاً مهماً لخزن الوقود ومزجه ولإعادة تزويد السفن بالوقود أيضاً. كما أنَّ تزايد حركة المرور عبر هذا المضيق الضيق قد يزيد من مخاطر الازدحام والتصادم والتعرض للهجوم، والذي قد تكون له آثارٌ كبيرة في الأسواق العالميَّة للنفط والغاز المسال، كما هي الحال بالنسبة لمضيق هرمز، لذا فإنَّ إيجاد مسارات بديلة ليس بالمهمة البسيطة.
 
بعضُ البراميل أكثرُ كفاءة
تُعدُّ جودة النفط الخام أمراً مهماً آخرَ، فالنفط الخام المُصدر من الشرق الأوسط يضم بشكل رئيس الخام الحامض الخفيف والمتوسط، وقد كانت المصافي الآسيويَّة تستورد نفط الشرق الأوسط لعدة سنين، وإنَّ العديد من مصافيها مهيأة خصيصاً للتعامل مع تلك النوعيات، فعلى سبيل المثال فإنَّ أكثر من 70 في المئة من النفط الخام الذي يتم التعامل معه في مصافي اليابان وكوريا هو الخام الحامض الخفيف والمتوسط، وهناك أيضاً رغبة واسعة من قبل مصافي الصين والهند لهذه الدرجات، على الرغم من أنها تتعامل مع مجموعة أكثر تنوعاً لهذه الدرجات المختلفة. وأنَّ أي اضطراب محتمل للمجهز سواء كان في الشرق الأوسط أو في أحد الممرات الرئيسة قد يكون له تأثير كبير خصوصاً في التجهيز العالمي بالنفط الأكثر طلباً من قبل المصافي الآسيويَّة.
وفي وضع كهذا، يتم استبدال هذه المخزونات افتراضياً بالإنتاج المتزايد من المناطق الأخرى. وقد تكون أميركا هي المرشح الرئيس، إذ من المرجح أنْ يزداد إنتاجها من النفط الصخري بسرعة نسبيَّة في حال حدوث اضطراب لمدة طويلة. لكنْ بسبب الاختلافات في جودة النفط الخام، فإنَّ استخدام الإنتاج الأميركي لتعويض الهبوط المفاجئ في مخزون درجات الخام الحامض المتوسط سترافقه تحديات إضافيَّة، وقد تستغرقُ تهيئة المصافي بعض الوقت وتُكلف مصاريف إضافيَّة.
 
الاقتصادات المنتجة تُهم المستهلكين
ويطرحُ نظام الطاقة المتغير أيضاً أسئلة دقيقة للكثير من الخبراء ومنتجي النفط التقليديين في العالم، حول ارتفاع احتمالية الضغط المستمر على الاقتصادات التي تُعول بشكل كبير على إيرادات الهيدروكربون. وكما ألقينا الضوء في تقرير “WEO” الخاص للعام الماضي على التغيرات الأساسيَّة للنموذج المتطور السائد في الدول الغنية بالموارد التي يبدو أنه لا مفر منها.
وإنَّ تقلب أسعار النفط في السنوات الأخيرة تسببُ بإزالة محددة لبعض نقاط الضعف البنيويَّة في الكثير من البلدان المنتجة، ودفع عددٌ من الحكومات لتجديد التزامها بالإصلاح وتنويع اقتصاداتها. وتُعدُّ الكيفيَّة التي يستجيب بها المنتجون لسياسة التغيير وبيئة السوق حرجة ليست فقط بالنسبة لتطلعاتهم المستقبليَّة بل لأسواق النفط وتأمينها ايضاً.
وقد تُزيد جهود الإصلاح المتراخية وغير الناجحة من المخاطر المستقبليَّة، خصوصاً في ما يخص الحاجة الى خلق فرص العمل من أجل شعوب شابة نامية. وربما تتضاعف تلك المخاطر في البيئة التي ينخفضُ فيها الطلب العالمي والأسعار. وفي الحقيقة قد تكون مخاطر الاضطراب والتقلب في ظل غياب الإصلاح أكبر بكثير في سيناريوهات ينبغي على المنتجين الرئيسين فيها مواجهة الضغط المستمر على إيرادات الهيدروكاربون.
 
لا انعزاليَّة في الطاقة
هناك العديد من الأسباب التي تدفعُ صنّاع السياسة الى أنْ يُولوا اهتماماً كبيراً بأمن السوق النفطيَّة، حتى مع سعيهم الى تحقيق مجموعة من الأهداف البيئيَّة والحيويَّة المهمة الأخرى. وسيلاحظ الإبطاء الواضح في سرعة نمو إجمالي الطلب على النفط خلال فترة أواسط عشرينيات القرن الحالي، لكنْ سيستمر الطلب بشكل متسارع في معظم أنحاء آسيا، وستتدفق تلك الإمدادات عبر الممرات الكبيرة. وسيقدم ارتفاع الإنتاج الأميركي للمستوردين الآسيويين الفرص لتنويع المادة الموردة، لكنه سيزيد من الضغط على الاقتصادات المنتجة أيضاً، فبعضهم موجودون في مناطق تواجه تصعيداً للتوترات الجيوبولوتيكيَّة.
ولا توجد هناك دولة بمنأى عن هذه التطورات. وقد تتغير هذه المخاطر المرتبطة بالعرقلة الطبيعيَّة للتجهيز بمرور الوقت، لكنها جميعاً تتأثر بحركات الأسعار في الأسواق العالميَّة المترابطة.
ومقابل هذه الخلفية، لا يزال دور مخزونات النفط الطارئة حيوياً للمساعدة في التعامل مع اضطرابات التجهيز المفاجئ، وفاعلية مخزونات كهذه ستكون أكبر بالمشاركة الأوسع، وبالمزيد من الانتباه للتغيير الحاصل في جودة النفط الخام والطلب على المنتوجات.
وسيكون من المهم أيضاً بالنسبة للمصافي تحسين المرونة في أساليب إدارتها، وكذلك تخلص الدول المستوردة من دعم استنزاف الوقود الاحفوري وتعزيز كفاءة الطاقة والتقنيات البديلة لتقليل نقاط ضعفهم، وكذلك تسريع الاقتصادات المنتجة لجهودها في إصلاح وتنويع اقتصاداتها.
 
 
عن وكالة الطاقة الدولية