الباحثُ عن الأخطاءِ واجدها !!
ثقافة
2019/10/28
+A
-A
خضر حسن خلف
فكرتُ في الرّد حالما انتهيتُ من قراءة المقالة النقدية : ( اللغة في جلالة الوقت)
المنشورة على الصفحات الثقافية في جريدتكم الغرّاء (الصباح) الصادرة يوم الثلاثاء 15تشرين الاول للتشكيلي والأديب ؛ هاشم تايه .
فقد انصبتْ قراءتهُ على نصوصٍ ثلاثةٍ واستهواهُ البحث عمّا تحت شعريتها من نزعاتٍ ذهنية لا توجد الاّ في مخيلته !! وتركَ خمسينَ نصّاً في المجموعةِ الشعرية .
والقراءةُ كُتبتْ بلغةٍ معماريةٍ نمطية ، تجاوزت الحدود بعض الشيء فأثارتْ انفعالي للأسف !! ولم تقلقني آراءٌ كثيرةٌ قيلتْ عنها في مناسبات ٍ كثيرة ، بل زادتني حماسة في استلهام ما يفي بأنْ أُوجّدَ الطاقة للسيرُ قدّماً !
يقول :ــ (( يعيشُ جلالة الوقت ، الكتاب ، في لغةٍ تنقسمُ على نفسها بين انغلاقها على ذاتها وتحلّلها من التركيز على موضوعها واحياء عضويته ، لتتبعثر خارج مركزه ، وتتمدّد بلا ضابط في النصوص الأولى من الكتاب )) .
ماهذا ؟! .. هل هذهِ لغةٌ نقدية ؟! ..إِنّها اشتملتْ على مفارقةٍ في جملةٍ واحدةٍ ، بين ((الانغلاق)) الذي يعني الجمود ، وبين (( الإحياء)) الذي يعني الحراك ! يقول الاستاذ الدكتور عمر محمد الطالب في ((المذاهب النقدية دراسة وتطبيق)) وهو يعرضُ لمنهجِ نقدٍ قديم : (( هذا تأرجحٌ بين السخريةٍ العنيفة والتحامل )) وفي مكانٍ آخر من الكتاب يقول الطالب : ــ (( الشعرُ هو التأملُ في تجربةٍ ذاتيةٍ لنقلِ صورتها الجميلةِ والحكم الوحيدُ فيهِ للذوق ! )).أَسوقُ هذا واستشفّ أنّ ( تايه) لم يعنَ بالتركيز والتأمل ، فتماهى مع الشكل من دون المضمون بنمط معياري قديم ! لم يسعفْهُ بفكّ شفرةِ النصوص الثلاثة الأولية ، علماً أنَّ علاماتها النصيّة بارزة وواضحة .الكتابة يا صديقي تكادُ تمثّلُ معادلاً موضوعياً لحياة الشاعر ، وهي تُمثّلُ وقتَها المتخيّلَ بلغةٍ مختلفةٍ تستنطقُ ما يتمثلُ في الروح .يقولُ :ــ (( تُتنحى الصور في ( جلالة الوقت) فيحلُّ التصّورُ المعقلن !)) ويوردُ إنموذجاً لها من قصيدة أخرى هي (( عسل الكلام)) !! ، التي أكدتْ على محور ما يواجهه (( الوطن)) من آلامٍ وحروبٍ وباللغة التي أريدها (( أنا )) تؤشرُ ولا تنكشفُ ، عصرية خالية من تعاليم (( تقويم اللسان ، وقل ولا تقل )). إنّهُ منلوغٌ داخلي ، محاورة بين قطبي التوهج (( المرأة والرجل)) فيهِ من المكاشفة الشيء الكثير والمفارقات بنسيجٍ لغوي قد يصعبُ على الفهم إذا لم تقترن علاماتها السيميائية مع توهج المتلقي ، متخذةً بعدها الاسترسالي مع ما يضيفه إليها من دوال المتابعة . أمّا أنْ تنعتْ لغتها بالبطيئة والباردة ، إنّما تؤكدُ على خياراتك أنت ! . أمّا النزوع التجريدي الذي تتحدث عنهُ ، فالنص غير مغرقٍ بالغموض ، وليسَ هناكَ لغة عدمية ٌ تبالغ في قول اللامعقول ، وتفضي إلى دلالاتٍ معميةٍ . لنتأكدَ من هذا في أنموذج ٍ من القصيدة : سأبدأُ منْ فوضى القصائد/في الطرقِ الموحلةِ وأنتِ معيولا أثرَ كانَ للضجيج / سوى كلماتي وغنجك المثير/ نستشعرُ شدَ القلقِ الخفي/ في كلّ الأَشياء/ فترتعشين /وتجسين عروقَ يدي المتنافرة/ كامُ السنوات الضائعة/ بينَ مسطحات الوجوهِ / تتدحرجُ أسئلةً/ وتتناسلُ تحتَ الملامح خيبات ثم انّهُ أَكدَ على قصيدة (( جلالة الوقت)) العلامة الفارقة التي سميَ بتوهجها الديوان؛ (إنّ لغتها تتبعثرُ بلا ضابط وتتمدّدُ بلا مراقبةٍ) هل يعني هذا أنّني أهذي؟!..وحتى ولو كانت اللغةُ غامضةً عليك ولم تستطعْ انْ تضعَ يدكَ على دلالات اشتغالاتها يمكنكَ بلباقة الأديب انْ ترسمَ لها طريقاً لمدارس أدبيةً عديدة ، وتخلص من هذا الاحراج الذي وضعتَ نفسكَ فيه ، وتنعتني بـ((اللا منضبط)) . أَسوقُ إِليكم إنموذجاً أُقتبسَ منها لغلافِ المجموعة الأخير:ــ ما تزالُ تنعتُ هذا التراكم بالتخاذل/ وعلى بعدِ حياةٍ من التأمل / تتقمصُكَ الأيام / فترشُ انعكاسكَ وتنعس/ ولكنّك/ تظلُّ تزكمهُا بالكثير من سوءِ الطالع/ وكانَ عليك/ أنْ تلتحفَ برموشها / كي تتقي بردَ الأسى من سوءِ الاغتراب هو اسلوبٌ حسّي خاص ، ملوّن ، بنور تجربةٍ ذاتية ، ومكتوبٌ بأُفقٍ لغويّ بسمو لجي ؟! ولا تختلف بالنزوع الجدلي (( حياة )) القصيدة التي غمزتها هي كذلك (( بتمدّدها اللامنضبط )) وتوصيفُ لغتها بالبرود . ما الذي يريدُ من ذلك؟ وهولا يعي تلك الكلمات التي تؤسس لـ(( لعبةٍ فنيةٍ )) أُريدَ منها انْ ترسمَ تجربةً ذاتية . سأحيلكم إلى ما كتبهُ الناقد والشاعر (مالك مسلماوي) عن هذهِ القصيدة ؛ ضمنَ ما كتبهُ عن شعراء كثيرين في كتابهِ ( قصيدة النثر العراقية العودة إلى الذات ) الصادرعنْ دار الشؤون الثقافيةالموسوعة الثقافية 159 : { ويأتي خضر حسن خلف في هذه القصيدة ليمارس لعبة الجسد في تبدلاته، فيدورُ حولَ فعل الرسم المسند لـ( ياء المتكلم ) بعد أنْ يهيئ طقوس هذه اللعبة، ولكنّه يبدأُ بحرفةِ الكتابة مع ملاحظة اتجاه الفعل بحركةٍ دائريةٍ ، من الذاتِ وإِليها، فالذاتُ تكتبُ نفسها مرّةً ثمّ تتحولُ إلى فعلٍ آخر ( الرسم ) مرّات عديدة ــ أرسمني ــ وهذهِ الصيغة تكادُ تكوُن شائعةً بين الكثير من الشعراء الأمر الذي يكرّسُ حضور الذات في النص : اكتبني مختلفاً في كلّ مرّةٍ أحلم/ ارسمني جسداً يتربصُ بالأحزان / ويتلاشى في أثرها مجداً محدّداً / أَرسمني جسداً في حضرة البكاء/ بعضّ على سبّابتهِ ندماً / كي يتماهى مطهراً منْ غفلاته / أرسمني جسداً/ يراعي رغباتهِ في صحراء الروح/ ويبللُ ريقهُ بالسرابِ على أطراف السرير/ أرسمني جسداً ينحرُ الوقتَ بدمٍ بارد / جسداً يتوضأُ بقشور اللغة أتصوّرهُ الآن ، وأنا أقرأُ عبارتَهُ التالية : ( .. هذهِ جملةٌ واحدةٌ استوطنتها ثلاثة مصادر هي { غموض توهج حيرة } ) أتصورهُ مدرساً للّغةِ العربية بامتياز ، واقفاً يملي على طلابه الدرس ! وليسَ أديباً يرافق النصوص بتأمل الفنان . أقول : وماذا في ذلك ؟ هل نسيَ أنْ الزمنَ يتوقف حين يغرقُ الشاعرُ في كتابة رؤياه ! وربمّا من ذاكَ استخدام المصادر التي ليسَ لِها زمن بدلاً من الفعال.
وماذا في ذلك ؟ يقول : إنّهُ تبذيرٌ في اللغة ! ... أَلم تعرفني يا صديقي أنني ذو نفس طويل ! وكريم ! ثم يقول : { الغموضُ والحيرة اللذان يتحدث عنهما الشاعر يطالانِ نصّاً شعرياً بامتياز بلغتهِ المقتصدة ــ انظر إلى المفارقة في نصّ واحدٍ يقول : انّهُ تبذيرٌ باللغة وهنا يقول : انّه مقتصد } ولا يحارُ في تلقيه . اخترتُ لهذه القصيدة التي يتحدث عنها استهلالاً اخترتهُ من قصيدةٍ طويلةٍ للشاعر الروسي (يسنين) فحواه ؛ ( لقد حُكمَ عليّ بأشغال الاحاسيس الشاقة المؤبدة أَديرُ أحجار رحى القصائد ) . إِنّني لا أرى فيهِ غُموضاً ولا حيرةً ، ووجدتُ أنَّهُ يمثلُ استرسالي في القصيدة فاذا صَعُبَ وغَمُضَ عليك ، فهذا ليسَ من مسؤوليتي !!.
لنْ أطيلَ عليكم ؛ فقد قالَ الكثير ، ومخيلةُ الصديق ( تايه) مسكونة بالبحث عن أَخطاءٍ لا وجودَ لها في النصوص ، واعتقدُ أنّ الصديقَ يتفقُ معي ؛ الاختلاف لا يفسدُ في الودّ قضية ! ..
شكراً للصديق فقد منحني فرصةَ أنْ اتحدث عن نفسي وشكراً للقائمين على ثقافية (الصباح) لسعةِ صدورهم !..