الحب يسقط من السماء

ثقافة 2019/10/28
...

ابتهال بليبل
في باريس المدينة الأكثر رومانسية في العالم يستوقفك صندوق أحمر كتب عليه « للحالات الطارئة في حالة الحب من أول نظرة... اكسر الزجاج».
إنه صندوق جديد لطوارئ الحب بدلا من الحرائق، وبداخله وردة حمراء تمهيدا لتقديمها للحبيب، بعد أن تكسر
 زجاجه طبعا.
كنت قد قرأت أيضا أن مدينة فيرونا الإيطالية، موطن جولييت، قد نظمت حملة بعنوان «الحب يسقط من السماء»، طائرة بدون طيار تطلق الورود الحمراء من السماء وكأنها تقوم بمهمة «كيوبيد» العصر
 الحديث.
وتخيلت طبعا النفوس التي تحتاج إلى الإعلان عن مشاعرها بالمجتمع، في حالة الحب مثلا.
في باريس وفيرونا يبدو الإعلان عن المشاعر والعواطف روتينيا، ولكن لم تروج لغراميات هشة ولا لأفكار الوهم والزيف، ولم تُستغل بالخفاء للخيانة والكذب، ولم تكن موسومة بعار التفاعل مع الطرف الآخر. 
بالمناسبة، ما حدث في باريس وفيرونا كان بعيد الحب السابق (نعم) فالورد الأحمر هو الهدية المثالية للعشاق في
 هذا اليوم.
ولعلّ الاطلاع عليها، الآن، يجلب معه نوعاً من التماهي مع تفاصيل صغيرة بحياتنا اليومية، تفاصيل تبدو محيّرة وربمّا ليست جديرة بالملاحظة.
 يحضرني مثال على ذلك الورد الأحمر في مزهرية البيت، ذاك الذي بدا بتفاصيل مختلفة، يشير إلى أنه غير الورد الذي عهده العشاق من قبل، وكأنه لا يدلي عن كوننا في حب، زجاجة المزهرية الشفافة أيضا لا تلفت نظري إلاّ لزينة البيت وديكوراته. 
الورد الأحمر في المزهرية كان تلميحاً إلى تملصه عن ممارسته التعبيرية في الحب إلى مجرد زينة وديكور، لقد كشف الغطاء عن (عدوى المشاعر بعلم النفس) التي شككت في سلطة الورد المطلقة، وبصورة أكثر دقة، تعطل أيضا عن ارسال ذبذباته المحفزة لتأمل الحب في
 حد ذاته. طاقة الورد الأحمر، تتبع شخصاً يخص مشاعرنا، وعندما يتغير هذا الشخص يولد التشوش الذي يطلقه هنا تحديدا، باعة الورد وكأنهم حفزونا- في وقت سابق، أو لحظة شراء الورد- لتقمص مشاعرهم.. مشاعر واضحة والأخرى ساكنة، واحدة تتحرك بطريقة أفلاطونية تعكس الصور المعينة بالحب بين الناس والأشياء والأفكار والفن، والأخرى مركونة ناتجة عن الخطاب الذي يحفز السعي وراء مصالح الأفراد، خطاب باعة الورد الذي يعتمد، بالأساس، على المنفعة المستمدة من رغبتك بالحب.
عندما تمر السنوات وتُستحدث تقليعات جديدة خاصة بزينة البيت، كان عليّك أن تمر بكل ما يستدعيه السوق من موضة لديكورات، مزهريات، ورود وغير ذلك، ولكن أقسى الاستدعاءات – بوعي أو بلا وعي- كان التخلي عن الورد الأحمر. لم تكن القسوة في رميه بسلة المهملات هو ما سنكتشفه، بل في خداع فلسفي في الأشياء التي تعبر عن الحب نفسه. 
الأشياء المعروفة والمفهومة عند الآخرين، كما هو مفهوم في ممارسة الورد التعبيرية في الحب، ولكن ما يعنيه الورد الأحمر قد لا يتم تحليله أكثر من ذلك، أي أن مفهومه حالة بديهية، لا تستدعي أي تدخل فكري، وهنا يعني أنه مرادف لأنماط سلوكية معينة، وبهذا يشكّل ثقافة متناقضة عن المتعارف في الممارسات التعبيرية التي تعكس حالة عاطفية داخلية، وأنها، بالضرورة تستعرض ذاتيا وثقافيا الاشارات
 الجسدية. 
التفرقة بين المعنى التعبيري للورد الأحمر في صندوق لطوارئ الحب من أول نظرة ومزهرية البيت تفرقة متوترة، لا يمكن إلا أن تكون سؤالا عن ديكارتية العقل.