حكايات الأخوين غريمز الخرافية لم تكن مخصصة للأطفال

ثقافة 2019/10/29
...

إيزابيل هيرنينديز ترجمة: شيماء ميران
 
 
 
 
تُعد القصص الشعبية الفولكلورية قديمة قِدَم الحضارة الانسانية نفسها، وتأليف المنطوق والمكتوب هو دمج لروايات مختلفة للقصة نفسها، والتغيير في سرد التفاصيل يعتمد على الاصول الثقافية للرواة، فمثلا قصة ساندريلا التي انتشرت في الصين ومصر، اختلفت فيها الاشياء المتحولة ففي مصر كان خُفيّها أحمرين مصنوعين من الجلد، بينما في الهند الغربية كانت العربة هي ثمرة نبات الخبز وليس اليقطينة. وقد يتفاجأ المطلعون على حكاية الخادمة التي تتحول الى اميرة في النسخة الحالية المعدّلة للقصة التي وردت في مجموعة الحكايات الشعبية الالمانية للاخوين جاكوب وفيلهلم غريمز، التي طبعت لاول مرة عام 1812، لان سبب جمع الاخوان غريمز في القرن التاسع عشر لهذه القصص هو لتكون دراسة اكاديمية للبالغين وليس قصص أطفال.
فقد جاء في سرد الاخوين غريمز ان امنيات ساندريلا لا تتحقق من حركة صولجان الجنية الصالحة، بل من شجرة البندق النامية على قبر والدتها التي تسقيها بدموعها المنهمرة. اما عند مجيء الامير للبحث عن صاحبة القدم الملائمة لفردة الخف المصنوعة من الذهب وليس الزجاج، لم تكتفِ اختاها غير الشقيقتان بحشر قدميهما في الخف والصراخ بل قامت إحداهما بقطع الاصبع الكبير لقدمها في محاولة منها للبس الحذاء، اما الاخرى فقطعت جزءا من كعب قدمها. وتُختم القصة بحفل زفاف ساندريلا على الامير الذي يتضمن طائرين ابيضين يقتلعان عيني اختيها، بدلا من ان يزقزقا بفرح لساندريلا وهي في طريقها الى السعادة الابدية. وطبع الاخوان غريمز احد المجموعات الفولكلورية الشعبية التي ستصبح لاحقا الاكثر شهرة وتاثيرا في العالم. وعلى الرغم من ان حكايات الاطفال والاسرة (الاطفال والمنزل) التي سميت في ما بعد بحكايات غريمز الخرافية معروفة كقصص مخصصة للاطفال، الا ان الاخوين غريمز كانا قد انتقيا المجموعة لتكون مختارات اكاديمية لادباء الثقافة الالمانية، وليس مجموعة قصص ما قبل النوم للصغار.  
ووسط الاضطراب السياسي والاجتماعي للحروب النابليونية في الفترة ما بين (1803-1815)، ونتيجة احتلال فرنسا للاراضي الالمانية، دفعت الروح الوطنية للاخوين غريمز الى جذب الانتباه لوطنهم وتراثهم. وكانا متأثرين بالادباء والفلاسفة الرومانسيين الالمان الذين يعتقدون ان اسلم اشكال الثقافة تلك التي ارتبطت بالمجتمع، ويمكن ايجادها في القصص المتوارثة من جيل لآخر. واظهرت رواية القصص جوهر الثقافة الالمانية واستحضرت القيم الاساسية والروحية لشعبها. وبالبحث في الروايات الالمانية المنقولة شفويا نجد ان الاخوين سعيا بسرعة الى «الحفاظ عليها من الاندثار، لتكون خرساء دائما في خضم جعجعة زمننا». غلبت ثيمة تحول اشخاص بملابس رثة قديمة الى اغنياء على قصص الاخوين غريمز، كساندريلا والكثير من الشخصيات. والسبب وفاة والدهما بشكل مفاجئ عام 1796 لاصابته بذات الرئة وانحدار عائلتهما الى الفقر. درس الاخوان بمدرسة ثانوية في كاسل، ثم انتقلا الى ماربورغ لدراسة القانون اقتداءً بمهنة ابيهما. وكشفت انتكاسة حياتهما الاجتماعية حظا لهما في ما بعد كما ذكر جاكوب في مذكراته بأن» الفاقة تدفع بالشخص الى الاجتهاد والعمل»، فالتماهي مع العمل الفولكلوري الجاد بلغته وقصصه الذي سيعملان على حفظه وطبعه لاحقا، جعلهما يكتشفان المهنة البديلة التي ستحدد حياتهما وإرثهما.
 
العثور على حكايات شعبية
أثار البرفسور في جامعة ماربورغ فريدريك فون سافيني اهتمام الاخوين غريمز بالتاريخ والادب الالماني ودراسة اللغة في النصوص التاريخية، وقدمهما الى حلقته العلمية المكونة من الكاتبين الالمانيين كلمنس برنتانو وأخيم فون أرنيم المتأثرين بالفيلسوف يوهان هيردر، الذي كان يدعو الى إعادة استكشاف وحماية الشعر الشعبي.
عمِل جاكوب عام 1805 مساعدا لسافيني في باريس بجمع وثائق عن التقاليد والقانون والادب الالماني، وخلال مراسلته لفيلهلم في ماربورغ اعرب له عن رغبته بتكريس حياته لدراسة تاريخ الادب الالماني.
نشر أرنيم وبرنتانو مجموعة اغاني شعبية المانية قديمة، وأراد برنتانو الاستمرار بدراساته في علم الفقه فطلب من الاخوين غريمز مساعدته بالبحث بين رفوف المكتبات عن الحكايات الشعبية، وبالفعل وجدا بعض النصوص، لكنهما ركزا على الروايات الشفوية ايضا، وبحثا عن الرواة بين اصدقائهما ومعارفهما وخصوصا النساء، وكانت من بينهن دوروثيا ويلد التي تزوجها فيلهلم لاحقا، فنقلت الكثير من الحكايات التي سمعتها من المسافرين المارين بفندق والدها بالقرب من كاسل.
 
النهاية السعيدة
لم يستخدم برينتو حكايات الاخوين غريمز الاربع والخمسين التي ارسلاها له عام 1810، فشجعهما ارنيم على نشرها. وبالفعل طُبعت مجموعة الاسرة والاطفال عام 1812 لكنها لم تحقق نجاحا آنيا، الا ان الاخوين تابعا إصداراتهما اللغوية ومنها مجلدين للاساطير الالمانية احدهما عن تاريخ الادب الالماني المبكر، ما دعم سمعتهما كأديبين مُبتكرين.
وعلى مدى اربعين عاما طبعت مجموعتهما تلك سبع طبعات، كانت الاخيرة عام 1857 اكثر شهرة ومختلفة بشكل ملحوظ في الاسلوب والمحتوى عن الطبعة الاولى. واكد الاخوان على انهما جمعا القصص بشكل متقن وصادق من دون اضافة اي تنميق او تفاصيل اخرى. 
اما في الطبعات اللاحقة فقد قام فيلهلم بإطالة القصص الاصلية القصيرة بطريقة نثرية ركيكة وعدّل حبكتها الروائية، لجعل الاجزاء السوداوية والقصص المأساوية اكثر ملاءمة للاطفال، ثم اُضيفت الرسوم التوضيحية في اوائل 1815. وقدمت الطبعة الاولى الاكثر مطابقة للروايات الشفوية من الطبعات الاخيرة التي تحتوي تعديلات فيلهلم اسلوبا اكثر ادبية.
لم تكن في نية غريمز طباعة كتاب للحكايات الشعبية، بل ارادا إحياء الروايات الالمانية الشفوية، فانتقيا في النهاية مجموعة شاملة من الحكايات الثقافية واصبحت سببا بشهرتهما، وكانت هذه المجموعة جزءا من عمل اكبر للبحث والحفاظ على الروايات الشفوية وكتابة نماذج من الثقافة الالمانية لإعادة هذا الكنز للشعب. وساعد عمل الاخوين كمتخصصينِ في اللغة وجامعينِ للحكايات وباحثين ومحررين في تأسيس منهجية جمع وتوثيق التراث الشعبي، وغيرّت ريادتهما واسلوبهما العلمي منهج علم اللغات التاريخي، ووضعا قاعدة جديرة بالاتباع.
 
ناشينوال جيوغرافيك