معنى أن تكون حراً

ثقافة 2019/10/29
...

ياسين النصير
 

معنى أن تكون حراً، هو أن تمارس حقك في وجود فاعل بين الجماعات، شرط أن تكون الممارسة ذات نفع مشترك، وإلا أغلقت الذات على نفسها طرائق وجودها الفاعلة، واصبحت مجرد كائنات تأكل لتعيش، من هنا تأتي ممارسة الحرية مشروطة بانتاجها الاجتماعي، وبقدرتها على أن يكون ممارسها كائنا اجتماعيا، كي لا تصبح الممارسة مجردة من هدفها الإنساني؛ وهو ان النماذج المقتدى بها هي تجريبات لممارسات اثبتت وجودها الفاعل.

ثم توقفت عند حدود، ومن ثم عُطلت على الاستمرار. وهو ما يجري في المجتمعات الخاملة، او بين تلك الفئات التي تضمن دورة حياة معيشية مستقرة فتصبح بعيدة عن ممارسة التفكير والتجديد والتطور.
ما يهمنا أن الحراك الاجتماعي الذي دائمًا ما يكون فعلا مشتركًا بين شرائح من الفئات الاجتماعية  المختلفة، التي وجدت في مكان تجمعها أن تطرح قضية مشتركة،  هو الأساس، يعني أن حراكها هو جزء من مفهوم يجمعها بالرغم من اختلاف مناشئها وفئاتها الإجتماعية، بمعنى آخر أن مفهوم التدرج الاجتماعي أو البناء الهرمي للطبقة او الفئة التي ينتمون إليها قد توحدت عندما تكون هناك قضية مشتركة بينهم، إذ ليس من المعقول ان يصطف مئة إنسان امام شباك دائرة ما طلبا للتعيين وان كل هؤلاء هم من فئة اجتماعية واحدة،؟ 
إن من يدقق في هوياتهم يجدهم ابناء لفئات اجتماعية  مختلفة ومتدرجة في بنية المجتمع، وجدت نفسها في مرحلة تاريخية انها تتجمع سوية امام شباك هذه المؤسسة أو تلك، طلبا للتعيين أو لتلبية حاجات معينة، هذه المجموعة التي تبدو متجانسة في وقفتها وآنيتها، هي في حقيقة امرها منحدرة من فئات اجتماعية غير متجانسة، ولكن ما يوحدها ويجعلها صوتا جماعيا هو حاجتها المشتركة، التي أفرزتها ظروف مرحلة لم يكن مسارا منسجما ومعنى الحرية الكاملة 
للشعب. 
فالمجتمع مهما كانت بنيته هو مجتمع هرمي، هذا ما نشهده في الريف في أبسط تكويناته، وفي المدينة في أعقد مستويات التمايز ، وفي المعامل والمصانع ومؤسسات الدولة، لأن التراتبية بين الأشخاص في اعمالهم ودرجة تقنياتهم العملية وامكانياتهم المعرفية وقدراتهم على الإنجاز المختلف، تعين هوياتهم وبالتالي ثمة تمايز عملي وليس جنساني بينهم.
فالتراتبية ليست بنية طبقية فقط، وإنما هي مستويات مختلفة من الإدارة والعمل والمراقبة والتنفيذ ، لذلك، ومن قبيل أن تكون الممارسة مقترنة بكينونة الإنسان، تكون الحرية هي النسغ العملي الذي يجعل إنتاج اي إنسان ضمن موقعه منتجا اجتماعيا،  ومنها، حرية التفكير، حرية التحرك، حرية الانتقال بين مختلف مستويات ذلك التدرج الاجتماعي الهرمي، حرية المشاركة، وحرية تغيير العمل...الخ. مما يشكل لاحقا جماعة الصفوة كما يقول علماء الاجتماع، وهي الجماعة التي تقود عمليات الإنتاج ضمن موقع
معين. 
مما يعني” أن الفرد المولود في أدنى طبقات المجتمع ليس محكومًا عليه بأن يعيش حياة تتسم بالعجز وانخفاض الدخل”.
فالفئة الصفوة، أو الفئة التي تتحكم بالمشاريع، مهما كانت طبيعتها من رئاسة الدولة وحتى رئاسة منظمة دينية أو ثقافية، قد لا تؤدي حقوق الآخرين محتسبة معنى الموقع لها تحكمًا بالآخرين، وهو ما يشكل انخفاضا في الدخل المعرفي  والثقافي والمادي لأي نشاط. 
لذلك يلجأ العمال أو الناس الذين يشتركون في قضية معينة، إلى الحراك الاجتماعي، وهو شكل من أشكال تحقق الوجود الذي يغيبه رئيس العمل أو رئيس السلطة أو
مدير المشروع.
فالحراك الاجتماعي بحد ذاته قضية يحقق وجود هذه الجماعة ويوحد ألسنتهم المختلفة، ويضع لافتة بشعار يجمع رغباتهم وأهدافهم حتى لو كانوا مختلفين ببعض المفردات، مما يعني أن الحراك الاجتماعي ليس صيغة ثابتة للاحتجاج وتحقيق المطالب  فقط، وإنما هو صيغة أولية من صيغ طلب الحرية بالتفكير والحراك والانتقال وتجديد العمل وتوفير 
الضمانات. 
وغالبا ما تقترن الساحة بتحقيق وجود هذه الجماعة التي اشتركت في قضية معينة، الساحة بمعناها الاجتماعي والثقافي ، المكان المقترن بالحرية، وسيكون فعلها دائما موجها للقلعة أو مراكز الحكم، حيث السلطة هناك متمترسة بكل ما يمنع رياح الساحة ولافتتها ان تدخل أمكنة قلاع السلطة.
في الممارسة التي تخوضها فئات متنوعة من الشعب العراقي  الآن، نجد أن السلطة العليا، وهي المسؤولة عن تحقيق مبدأ الحرية  الشامل، تمتنع عن تلبية بعض الاحتياجات المطلبية الملحة للناس المختلفي الانتماءات والمنحدرين من فئات اجتماعية متباينة الدخل والعمل والمكانة، “سوف تجند  السلطة أقدر أعضاء الطبقات الدنيا في صفوفها لتمنعهم من أن يتحولوا إلى قوى فاعلة تخدم أي حراك ثوري” كما يقول قاموس النظريات الثقافية. 
وهذا ما نشاهده بالفعل للكيفية التي نفهم بها الحرية، هؤلاء الذين يمارسون القمع هم من نفس الدرجات الاجتماعية التي يتظاهر فيها الناس لتحقيق مطالبهم، ولكن الفرق أن هؤلاء المدججون الذين استثمرتهم السلطات بالعمل في صفوفها هم من نفس الفئة التي تتظاهر، وهذا الاختلاف هو عين ما يقصد فلسفيا بممارسة الحرية للجميع وعدم حصرها في فئة من دون أخرى، ومنها حرية العمل.