د. حسين القاصد
في النصف الأول من القرن الماضي ازدهرت التظاهرات والغضب الشعبي في العراق ، ولم يكن المثقف العراقي بشكل عام ، والشاعر على وجه الخصوص ، بمنأى عن هموم الجماهير ، فقد كان شاعر العرب الأكبر محمد مهدي الجواهري على رأس أغلب التظاهرات وفي صدارتها ومثله كان محمد صالح بحر العلوم الذي لقب بشاعر الشعب ، وكذلك بدر شاكر السياب والشاعر المتمرد حسين مردان وعبد الرزاق عبد الواحد (حين كان يساريا أيام العهد الملكي ) ؛ وقد اتسمت هذه الحقبة بالثورية الايدلوجية بعد شيوع ظاهرة (المثقف العضوي) .
كان صوت المثقف العراقي آيدلوجيا نابعا من فكر التوجه الايدلوجي الذي يؤمن به ، فصرنا نرى الشيوعيين يقودون تظاهرات كبرى ، قبل أن يهيمن القوميون على المشهد العراقي وينزلوا بتظاهراتهم وأفكارهم التي
يعتقدون.
كان ذلك قبل أن تخضع الثقافة العراقية إلى التدجين السلطوي ، لا سيما في الجبهة الوطنية التي جمعت الشيوعيين والبعثيين تحت قيادة البعث التي هيمنت على الثقافة وانتهجت تدجين الثقافة والمثقفين ، لتبدأ مرحلة تبعية المثقف للسلطة بشكل
مطلق .
بعد انهيار النظام الساقط وانتهاء عصر الايدلوجيات ، وزوال مرحلة تبعية المثقف للسلطة ، وجد المثقف العراقي نفسه متخبطا ، بين الحنين لليسار او التمسك بالتيار القومي ، وبين من أدمن العبودية فذهب يبحث عن صنم جديد أو حزب جديد ليتبنى فكره ويعيش
في كنفه .
وحدث ايام حكومة السيد المالكي أن تحركت قوات عسكرية باتجاه اربيل بعد أزمة بين المركز وحكومة المحافظات الشمالية ؛ فطالب فاضل ثامر
وقد كان وقتها رئيسا للاتحاد العام للأدباء والكتاب في العراق ، طالب بتشكيل درع بشري من المثقفين ليمنع الاقتتال بين الطرفين ، وعلى الرغم من أن هذه الدعوة مشوبة بشيء من الشخصنة والايدلوجيا ، وعلى الرغم _ ايضا_ من عدم تحقيقها ، إلا أنها تعد دورا واضحا للمثقف العراقي .
الآن ، وبعد تراجع الخدمات وانتشار المعاناة بين أوساط المجتمع ، اندلعت تظاهرات كبرى في البلاد؛ لكن النقابات اكتفت بالبيانات الحذرة وانتشرت ظاهرة المثقف الجماهيري الحر ، الذي يتصرف دون
تبعية . فبين دعوة نقابة المعلمين للإضراب وبين بيانات النقابات، كم كنا نتمنى موقفا موحدا لتشكيل درع بشري من جميع المثقفين يقف حاملا الاعلام العراقية فقط ، في منتصف جسر الجمهورية ، ليمنع العنف المتوقع بين المتظاهرين وقوات الأمن ويقطع الطريق عمن يصطاد في الماء العكر ، ويسهم في ترسيخ سلمية التظاهر وعدم السماح بالاعتداء على المتظاهرين وعلى القوات الأمنية .
فهل أنتم فاعلون؟