قطعا هناك تباين في وظيفة المثقف والسياسي.فعند الأول توجه عام نحو الفرضيات والتكتيكات اليومية لعمل السلطة ورهاناتها. لكن الثاني يظهر بصورة الناقد والمحلل والمنظر الذي يعمل على إضافة الأنسنة السياسية دفاعا عن قيم ومبادئ الإنسان ومستقبله .
عموما هناك هيمنة كبيرة للسياسي على صعد كثيرة ، وهي هيمنة تدميرية تعمل على فرض قراراتها وإجراءاتها التي غالبا ما تكون مغلفة بغيبيات دينية ، وهي شكل من أشكال الأقنعة التي تضعها السلطات السياسية على وجوهها كمدخل تقارب من عامة الناس ، وهي في حقيقتها شكل من أشكال تخلف الوعي المجتمعي .
تبدو أن الإشكالية متواصلة الاستمرار، لأنها أساساً تستند إلى المفهوم وما يرافقه من اعتبارات يخلقها الزمن أيضاً. كما ويلعب القلق الذاتي دوراً في تقوية هذه الظاهرة وتتويج غلبتها وفعاليتها. ولعل العنف واحد من الأسس التي ارتكزت عليها الجماعات والأفراد في تصفية خصومهم، ليس الفكريين، وإنما خصومهم السياسيون، بمعنى التمركز على حيازة السلطة، كما فعل بنو العباس، بل تفنّنوا في تصفية خصومهم. ولنا في أحداث التاريخ درس مهم يُعطينا فرصة التروي، وهو الحاصل عند المثقف الذي يعي أسس الظواهر ومنطقها.
في ما نسميه الإشكالية التي تقود إلى التطرف. فلو أخذنا المثقف مثلاً، وهو الأقرب لنا، لوجدنا تبايناً بيّناً في معظم تشكّلاته. فمجموع المثقفين تتباين لديهم الرؤى، بسبب مصادر وعيهم، وانحداراتهم الطبقية والاجتماعية والأسرية، كذلك مصادرهم المعرفية، إن كانت منظمة أو خاضعة للفوضى، وعدم الاكتراث للتسلسل المنطقي في تلقي المعرفة، حيث تكون تلك المعرفة وبالاً على المثقف، أي تعمي بصيرته إزاء ما يرى ويعيش. ولعلّ الحقبة التي تلت ثورة تموز1958 في العراق إذ شاعت مصادر معرفية مفاجئة للوسط ، رافقتها تغيرات سلبية في مسار الثورة، فسبّبت بذلك أنواعاً من التطرف المعرفي الذي أدّى إلى سلوك غير مرغوب أو مألوف.
ثم أعقبتها حرب حزيران كنموذج أيضاً له علاقة بالتبدلات وحيازة المثقف على معارف جديدة. فقد انفتحت أمامه جملة مصادر عن أنواع الحروب الوطنية وسمات النضال من أجل الانعتاق والتحرر، وهي في جملتها أسّست لنوع من الثقافة، أساسها التمرد على المستعمر كما حدث في أميركا اللاتينية وفيتنام وأفريقيا.
إن المثقف والسياسي توأمان، إذا ما نُظر إليهما بموازنة، وإذا ما نظر كل منهما بعينه وعين الآخر بروية . فهما فئتان تعملان لصالح الوجود، وفق معادلة نوع العطاء فقط وليس غيره. فإن نُظرا إليه من زاوية الكسب والحيازة واغتنام الفرص، فإنهما سيقعان ضمن أحبولة التخريب والفشل الخاص والعام .
كما وأن الانجرار وراء مستجدات خارج تشكّل المجتمع صعوداً، تنتجها الثقافة النمطية وغير المبنية على مبادئ الإسهام في تطوير الواقع من مستَثمر للزمن مثلاً إلى متحرر من تأثيراته.
ثم أن المثقف لا يشغل نفسه بالاختلاف في الكيفية، بل يبحث عن المشتركات.
فليس في كل تشكيلات الأفكار منذ بدء الخليقة تطابق نوعي ، بل هي مجموعة تراكمات كمية ينتجها العقل الجمعي المفكر، بما تتطلب الحياة زماناً ومكاناً. الأفكار والديانات لها خصائصها الذاتية والموضوعية . نحن نلزم أنفسنا بالموضوعية التي هي تقربنا من بعضنا. هنا تتجسد ظاهرة (الخلاف) في الموقف على حساب المبدأ. إذ لا يوجد ثمة تقاطع حقيقي بين الثقافات، وبالتالي بين المثقفين، ونقصد من بينهم السياسي حتى لو حصل نوع من تعالي هذا على حساب ذاك مثلاً.