مثل الفشل في تقليص نسب الفقر خلال العقود القليلة الماضية إحدى أهم الهزائم للأحزاب التقليدية التي ساعدت في بروز نجم الاحزاب العنصرية في اوروبا عبر دعوتها بطرد وعدم قبول اللاجئين لتحسين الأوضاع المعيشية للسكان في أوروبا، رغم الازدهار الاقتصادي ونظام الأمن الاجتماعي، إلا أن أعدادا جديدة تدخل تحت خط الفقر وتعزو الاحزاب العنصرية ذلك للهجرة واللجوء، لكن هذا الأمر ليس دقيقا بحسب ما خلصت إليه دراسة ألمانية جديدة.
ورغم ان الفقر ظاهرة عالمية تعرفها كل شعوب الأرض، قد لا تخلو منها دولة أو مدينة، تنخر في خلايا المجتمعات فتسهم في توليد الكثير من الآفات كسوء التغذية، الأمراض،
والجهل.
تشير الإحصائيات إلى أن 1 من بين 5 بلجيكيين يقع بالفعل تحت خط الفقر أو وغير مندمج بالمجتمع، حيث ظل هذا الوضع على حاله على مدى السنوات العشر الماضية ، في حين أنه، بشكل عام، تحسن قليلاً في جميع أنحاء أوروبا.
وحذر مختصون من أنَّ الذي يعيش مرة في فقر، فإنه يستمر في هذا الوضع لفترة طويلة، وطالبوا بتغيير النهج الفكري في السياسة الاجتماعية.
الذي لا يقبل الشك، أن الفقر مرتبط أساسا بتوافر المال الضروري لتأمين الحاجات الإنسانية، لأن توافره يبعد عن الانسان العوز، والتشرد والارتهان لإرادة
الآخرين.
مفهوم الفقر
تدعو كارولين فان دير هوفن من الشبكة البلجيكية لمكافحة الفقر، واضعي السياسات إلى زيادة الحد الأدنى للأجور، وقالت فان دير هوفن: تبلغ عتبة الفقر نحو 1100 يورو، وهو ما تم الاعتراف به دوليا أيضا، ونرغب زيادة دخل الناس إلى هذا المبلغ على الأقل .
وتعرف المنظمات الدولية الفقر على أنه الحالة الاقتصادية التي يفتقد فيها الفرد الدخل الكافي للحصول على المستويات الدنيا من الرعاية الصحية والغذاء والملبس والتعليم، وكل ما يعد من الاحتياجات الضرورية لتأمين مستوى لائق للحياة. واتسع هذا المفهوم واصبح أكثر شمولا خصوصاً بعد قمة كوبنهاغن العام 2006 التي شددت على أهمية حصول الفرد على الحد الأدنى من الحياة الكريمة، وتأمين بيئة سليمة، وفرص المشاركة الديمقراطية في اتخاذ القرارات في جوانب الحياة المدنية.
في أوروبا إذا كان دخل الفرد أقل من 55 بالمئة من دخل المواطنين متوسطي الحال يعد مواطناً فقيراً. ففي بلجيكا يعد المواطن فقيراً اذا لم يتمكن من الحصول على المال الكافي لتلبية الاحتياجات الأكثر إلحاحاً مثل الطعام والملبس والمسكن بما في ذلك الماء والطاقة.
في يوم الفقر العالمي لهذا العام أصدرت الشبكة البلجيكية لمكافحة الفقر إنذاراً بأن هناك ما نسبته أكثر من 20 بالمئة من سكان بلجيكا كانوا مضطرين إلى العيش على دخل منخفض، ولا تشمل السلع الكمالية مثل شراء المساكن الخاصة، والسفر لقضاء الإجازات والتبغ.
الفساد يسبب الفقر
الفساد المالي والاداري هو إساءة استخدام المنصب العام من أجل تحقيق المكاسب الشخصية أو لمصلحة شخص أو جماعة ما، ويحدث الفساد عندما يقبل المسؤول أو الموظف العام المال أو يلتمسه أو يغتصبه، عبر التحايل على القانون تحقيقاً للمنفعة التنافسية أو الشخصية .
يتضمن التقرير السنوي العالمي للفساد تقارير وتقييمات مفصلة عن الفساد ويتضمَّن الكتاب التقرير أحدث النتائج المتعلقة بأبحاث الفساد وأفضل الطرق لمحاربته، ودراسات عن العلاقة بين الفساد وقضايا مثل التلوُّث، والنوع الاجتماعي والاستثمار الأجنبي. ومن أبرز أمثلة الفساد من التقرير العالمي للفساد: أدى عدم التزام مقوِّمات الشفافية في عمليات إعادة البناء في بعض الدول إلى المخاطرة وانتشار الفساد إلى مستوى ضخم، ذلك لأن الأموال كانت تتدفق بشكل مفرط من دون إجراءات صرف وفق الأصول أو من خلال نظام بسيط لحصر الموجودات في الوزارات والمؤسسات وشركات القطاع العام.
إن ما قد تفرضه الرقابة الدولية على التمويل IMF ونادي باريس من ضرورة خصخصة الشركات بسرعة كبيرة كشرط أساسي لتخفيض إعادة جدولة ديونها فسحت مجالا واسعا لفرص ممارسة عمليات الفساد.
وقد اهتم جزء من التقرير بالرشوة في التغطيات الإخبارية الإعلامية وأرفقه بدليل، رتب فيه الدول حسب صدقيتها في عدم تقديم الرشى. حرصا على التكوين المهني وأخلاقيات المهنة وحرية الصحافة والمنافسة.
وخلص التقرير في هذا الفصل إلى أن العلاقة بين الثقة والفساد عكسية بشكل دائم؛ فالدول ذات المعدلات العالية من الثقة، يقل فيها الفساد بشكل كبير، والعكس بالعكس، كما نوه إلى أن الثقة والأمانة أهم من وجود مؤشرات تركيبية مثل مستوى الديموقراطية أو الاستقرار السياسي.
عدالة اجتماعيَّة
واضافت فان دير هوفن الشبكة البلجيكية لمكافحة الفقر: لقد قدمت الحكومات وعوداً مختلفة ، لكن عندما ننظر إلى الأرقام لا يمكننا إلا أن نستنتج أنَّ شيئاً لم يتغير
حقا.
إنَّ الفروقات الكبيرة بين ذوي الدخل المحدود، وذوي المناصب الخاصة، قد تعمق بشكل كبير. وهذا يستدعي وجود خطة اقتصادية فعالة، لتحسين أوضاع الفئات الدنيا من المواطنين والتي تشكل السواد الاعظم من الناس. ويستدعي أيضاً، حلاً لمشكلة البطالة المستشرية، وإلا فإنَّ اقتصاد أي بلد سيبقى في ركود وتدهور. وبالتالي فإنَّ اليد العاملة الكفوءة ستضطر إلى انْ تهجر الوطن او ايجاد اسلوب آخر يؤمن لها حياة حرة كريمة.
لذا، فإنَّ سياسة الحكومة الاقتصادية يجب أن تحقق العدالة الاجتماعية بحيث تسهم إلى حد كبير في إزالة الحقد الاجتماعي الذي يبعد العنف المدمر، ويعبد الطريق أمام علاقات اجتماعية أكثر توازنا، فتضعف، إن لم نقل تنعدم، الانتفاضات الاجتماعية.
تشير أرقام الإحصائيَّة في بلجيكا عن الفقر الى أنه كانت النسبة 20.8 بالمئة في العام 2008 ، و19.8 بالمئة العام الماضي، وهناك 1 بالمئة هامش الخطأ في الإحصائيات.