شعراء قصيدة النثر.. أبطال خارج قصائدهم
ثقافة
2019/11/04
+A
-A
عمرو العزالي
فازت مجموعة من شعراء قصيدة النثر بعدد من الجوائز الإبداعية المحلية والعربية، لكن هذه الجوائز لم تكن عن إبداعهم الشعري، بل في مجالات إبداعية أخرى؛ ما يثير السؤال مرة اخرى عن مشروعية قصيدة النثر، ومقدرتها على انتزاع اعتراف قوي وصريح بوجودها كشكل جديد داخل الجنس الشعري، وكأنهم - أي شعراؤها- بهذه الجوائز يثأرون لهزائمهم داخل قصائدهم.
ففي السنوات الأخيرة فاز الشاعر والباحث اللبناني شربل داغر بجائزة الشيخ زايد فرع النقد، وفاز الشاعر المصري عبد الرحيم يوسف بجائزة الدولة التشجيعية، فرع الترجمة، وفازت الشاعرة سناء عبد العزيز بجائزة الطيب صالح العالمية للرواية العربية، بينما فاز الشاعر محمود الكرشابي بجائزة الفجيرة لمسرح المونودراما، وغيرهم من شعراء تلك القصيدة التي رفعت راية العصيان منذ مولدها، حصدوا جوائز في غير مجال الشعر.
تحدث الشاعر والمترجم المصري عبد الرحيم يوسف لـ"الصباح" عن أن غياب شعراء قصيدة النثر عن الجوائز الشعرية أمر طبيعي، فشروط هذه الجوائز سواء كانت عربية أو جوائز الدولة للشعر والقائمين على أمر هذه الجوائز لا يعترفون بقصيدة النثر شكلاً شعرياً في الغالب، وحتى إن تضمنت لجان التحكيم بعض من يرونها شكلاً شعرياً ولهم إسهامات في نقدها، فغالباً ما يكونون أقلية ويرضخون لشروط صاحب المال أو لأعراف الجائزة والزملاء الذين يمثلون الأغلبية طبعا! ثمة جوائز قليلة خرجت عن هذا العرف، مثل جائزة الشاعر محمد عفيفي مطر وجائزة الشاعر أحمد فؤاد نجم (التي منحت عبر مسيرتها التي وصلت الى خمس سنوات شاعرين من شعراء قصيدة نثر العامية – من بين خمسين شاعرا! – جائزتين ليست بينهما طبعا الجائزة الكبرى). لكن هذه الجوائز أشبه بالاستثناء الذي يؤكد القاعدة.
وأضاف أن جوائز الشعر العربية جاءت لتؤكد أعرافا استقرت واستنتها جوائز الدول نفسها التي لا تعترف بقصيدة النثر في قائمة شروطها، ربما جاءت القيمة المالية الضخمة للجوائز العربية لتلفت النظر بشكل أكبر لشروط بعينها في الكتابة والإلقاء لا توفرها قصيدة النثر، ولعل في هذا خيرا لقصيدة النثر نفسها كي تظل حرة ولا تطمح إلا إلى الشعر أو الاقتراب منه!
وعلى مستواي الشخصي، فقد فرحت طبعا بجائزة الدولة التشجيعية للآداب فرع ترجمة الأعمال الفكرية، فالمفترض بجوائز الدولة التشجيعية أنها تُقدَّم لعمل يحقق شروط الجائزة ويخضع العمل لفحص لجنة من الخبراء، وليس لترشيحات الجامعات والمؤسسات الثقافية التي قد لا تنظر لاسم مغمور بعض الشيء مثلي. المهم أني قدمت للجائزة وسعدت بحصولي عليها وبتقرير لجنة الفحص الذي كان مشرِّفا خاصة أنه جاء من أساتذة كبار على رأسهم شيخ المترجمين د. محمد عناني ودون أن يعرفني احدهم أو أكون على اتصال به.
بينما يمتلك الشاعر منذر مصري قصته الخاصة - كالعادة- عن علاقته بالجوائز، حيث جاء رد فعله مستغرباً حصوله على جائزة حامد بدرخان الشعرية، حين أجاب على الهاتف: "ماذا.. منذر مصري!؟ هل أنت متأكد.. ربما مرام مصري!!؟"؛ ليرد عليه المتصل: "لا.. منذر مصري.. أنت"، انظر.. ها هو الخبر على شاشة الموبايل".
يتذكر الشاعر السوري الكبير في حديثه لـ "الصباح": نعم، كان ذلك مفاجئاً لي، ذلك أني كنت قد قنعت، ومنذ زمن، بأن أعبر للضفة الأخرى من الوجود، وأنا أحمل واحدة من أجمل مآثر الشعراء الحقيقيين، وهي عدم فوزهم بأي مسابقة أو جائزة شعرية، وغير شعرية، خلال حياتهم المنكدة، قصرت أم طالت!. ذلك أني في الحقيقة لم أتقدّم يوماً لواحدة منها، لإيماني العميق أن شعري لا يمكن له أن يفوز بأي مسابقة مهما كانت، وإن كنت غالباً ما أفسّر هذا، وعلى نحو غير متواضع على الإطلاق، بكونه، أقصد شعري، من النوع الجديد والمختلف للحد الذي من الباكر جداً على أي لجنة في الوطن العربي، أن تعتمد معايير لمسابقتها تسمح بفوزه.
ويعترف مصري بأن شعره كان (حيطه واطي) كما يقولون، منذ بدايته، فكان الكثيرون يعاملونه وكأنه يصلح كمثال على تردّي الشعر السوري العربي الحديث، ووقوعه في مطبات النثر، السردية والتقريرية والمباشرة، وفقره الملحوظ للصور والكنايات. إضافة إلى لغته السهلة التي كانت ولا تزال تتبدى وكأنها لغة عامة الناس، لا لغة الشعراء، أمراء الكلام وسادته، وذلك ببعدها عن الاستعراضات اللغوية بأنواعها، حيث لم يجد نفسه يتباهى يوماً على سبيل المثال بإحياء كلمة ميّتة، وجدها، صدفة، في أحد المعاجم القديمة، ذلك أنه كان يؤثر في وصول الإحساس أو الفكرة للقارئ، إضافة إلى رفضه الكامل لفكرة الشاعرية عموماً، شاعرية الموضوع، فلم يكن في (بشر وتواريخ وأمكنة) قصيدة حب واحدة، ولا حتى قصيدة عن الوطن! فجاء ما أكتبه مصطدماً بما يرددون من ألف عام: "أجمل الشعر أكذبه" و"الشعر ميدان الخيال والحلم"، ليأتي شاعر مثلي، من خارج السلالة، وهو يعضّ بين فكيه رسالة، حمّله إيّاها لا أحد، تقول: "علينا أن نبعد الكذب عن الشعر، كما نبعده عن الحياة.. لا أكتب إلاّ عمّا رأيت وما
سمعت".
أما عن السبب الرئيس لفوزه بالجائزة فكان أن إبداعه مناسب للقيم التي تؤمن بها الجائزة ذاتها، إذ تداولت لجنة تحكيم (جائزة حامد بدرخان)، الشاعر السوري الكردي الكبير (1924ـ1996)، حول عدد من المبدعين الذين يتّسم منجزهم بإعلاء القِيَم الإنسانية والجمالية التي حملها بدرخان، في امتداح الحرّية والحقّ والتجديد والحداثة والمقاومة؛ التي دافع عنها في سلوكه، كما اشتغل بدأب، واجتهد بعمق، لكي تنعكس بقوّة وأصالة في نصّه الشعري، بلغات متعددة وأسلوبيات ثرّة. وقد قرّرت اللجنة، بإجماع الأصوات، منح الجائزة في دورتها الثانية، للعام 2014، إلى الشاعر السوري منذر مصري. الذي واصل كتابة قصيدة نثر: (خفيفة الوطأة على القارئ)، منذ مجموعته الشعرية الأولى (آمال شاقة- 1978).
فيما يرى الشاعر المصري محمود الكرشابي أن الأمر ليس غياباً لشعراء النثر ،هو إقصاء لقصيدة النثر ذاتها وهو ما يدفع بشاعر قصيدة النثر للكتابة في أشكال أخرى إذا رغب في الحصول على جائزة أدبية. دخول دول الخليج وبقوة لعالم الجوائز الأدبية وتبنيهم لشكل القصيدة الخليلية نموذجًا مع سخائهم المادي الشديد هو المؤثر الأكبر في هذا المناخ فيكفي أن تفوز لك قصيدة واحدة في إحدى الجوائز لتصبح
مليونيرًا.
أما بخصوص جوائز الدولة، يتحدث الكرشابي عن المسابقة الأدبية المركزية التي تنظمها وزارة الثقافة، على سبيل المثال، يقول :"لك أن تتخيل أنه لو حصل عليها شاعر من الصعيد مع اشتراطهم حضور الفائز بنفسه حفل توزيع الجائزة فإن قيمتها لا تغطي نفقة انتقاله وإقامته ليوم واحد في القاهرة وهي أيضًا لا تُمنح لقصيدة
النثر!".
ويضيف "منذ عامين ظهرت جائزة عفيفي مطر وتمنّى الجميع أن تكون بمثابة نافذة جيدة لقصيدة النثر وأذكر أنني تواصلت مع الشاعر محمد حربي بخصوص موضوع السن وقد أخبرني أنه سوف يتم النظر في أمره على أن يكون هناك مسار للجائزة لا يتقيد بسن وآخر للشباب تحت سن 35 وللأسف انقضت الـ 2019 أو أوشكت ولم نسمع شيئًا عن
الجائزة".