في رواية ميسلون هادي الجديدة "فكشنري" تستعيد الذاكرة الريفية البسيطة عبر أحداثها
التي تتمسك باللهجة المحلية، وجدة القرية "الحبوبة" المتمثلة بخير وبركة العائلات العراقية، الوصف الأسطوري لبعض موضوعات الحياة التي يصعب فهمها.
تتخذ الرواية زمنها من فترة الاحتلال العثماني للعراق، حيث تسير التعقيدات إلى العام 1900م، وصولا للخسارات الفادحة التي منيت بها الدولة العثمانية، وآثارها على الدول التي تقع تحت سيطرتها، ومنها إجبار العراقيين على الانخراط ضمن صفوف جيوشها.
ويمثل الاحمراني القروي البسيط الفئة المتضررة "آنذاك"، وهو أحد سكان قرية ريفية في مدينة السماوة، حيث تتعاقب المآسي على راس الطفل حتى يختار الهروب إلى جوار شرار النار معلمه، هواية ومتعة لحياته، فيستمر بالركض الدائم من دون كلل، وإذا توقف عن الركض فإنه سيقع داخل دوامة مخيفة وبعيدة عن قريته، إذ أن الحياة مليئة بصائدي العبيد وغيرهم من قطاع الطرق.
ويُعد الاحمراني أحد نماذج إنسان تلك الحقبة من الزمن التي وثقها نعيم داخل كتابه المصور "فكشنري"، إذ دأب على تجميعه أثناء تجوله برفقة صندوقه الأسود الكبير على طول ضفاف نهري دجلة والفرات ليوثق قصصا قد لا يعلم بها غير أصحابها.
وتقدم الرواية مفاهيم شعبية درامية، وطبيعة مجتمعية ربما لم تهاجر حتى الآن (جن الاحمراني بسبب دشداشته الجديدة التي اخاطتها له أمه ريحانة، فقد انسته الأم الختان وشعر وهو داخلها، كأنه حمامة تطير وتتقلب في عاصفة من الهواء الطيب النقي وبسبب ملمسها الرائع القطني الناعم كالريش انتعش وتململ وشعر براحة تامة افتقدها مع دشداشته القديمة التي ضاقت عليه وأصبحت مهترئة من كثرة الغسل
، كان شرار النار هو الذي اشترى له القماش من المغازة، فاخاطته أمه بيديها، وأحدث شرار النار مدة صوفية قديمة منقوش عليها طائر
لقلق.
في ذلك اليوم وضع شرار النار خطا فوق جدار البيت بعود حاد مغمس بصبغ اللوزينة، وأعطى الاحمراني هدية أخرى كرسياً مصنوعا من الجريد جاء به من عكد النجاجير في السماوة.. رأى أحمراني الكرسي لأول مرة في حياته مع الكامرة في يوم واحد، وها هي الالة الشمسية مصوبة نحوه لالتقاط الصورة، فخجل الاحمراني ولزمته الضحكة.. سألت أمه ريحانة :من هذا الرجل المختبئ تحت القماش
الأسود؟
قال لها شرار النار إنه رجل مسيحي من أهل الموصل يقتفي أثر المناظر حول دجلة والفرات).
جاء الكتاب في "287" من القطع المتوسط الصادر عن دار المدى للإعلام والفنون والثقافة.