مغامرة روائية خارج التقلبات النفسية وظروف الحياة

ثقافة 2019/11/04
...

ضحى عبدالرؤوف المل
 
يدرك الروائي التشيللي” إيرنان ريبيرا ليتيليير”  صدى العنوان الروائي الذي يشير إلى السماء التي توحد العالم وهو “ الرجل الذي حدّق في السماء”  وبالتالي توحد البلاد التي لا ينظر شعبها إلى سماء ينتج عنها الكثير من الفلسفة حيث التعبير عن النفس بحرية بعيداً عن التشفير والرقابة الاجتماعية  التي تلاحق الكاتب إلى كل مكان.
 وكذلك الرسم والفن  الحي الذي مارسه بطل الحكاية على الأرصفة  والطرقات من دون أن يحلم بالنظر إلى السماء،  لأنه ينظر للاسفل كي يعيش على الأقل غير مستقر في وطن  جمعه مع البهلوانة والرجل الذي يحدق إلى السماء  حيث درب التبانة،  وموطن الأرواح وفق سلسلة تشكل  العلاقة العميقة بينه وبين الصراع الثلاثي للاجيال في رواية حاول كاتبها أن يجعلها .”الرواية التي سوف تغير مجرى الأدب العالمي” ضمن مغامرة روائية خارج التقلبات النفسية وظروف الحياة التي قادت الرائي إلى مصيره النهائي ، وكأنه ما عاش إلا نصف ساعة من زمن على الأرض.  إذ اختصر رؤيته الانتقامية بالسماء المفتوحة الأطراف واللانهائية،  والقادرة على منحه الصفاء غير الموجود على الأرض “ إنسان الريف لا يرى السماء لأنها دائما هناك في الأفق، أما إنسان المدينة، فلا يراها كثيراً، ومن ثم هو ينسى أن هناك سماء”  فمن الذي يدرك ذلك غير كاتب يفتح بصيرته على صفحات تمتد كالسماء،  مما يجعله يرى مصير ابطاله في حكاية” رجل لا يفعل شيئاً وفي الوقت نفسه يفعل كل شيء” فهل استطاع الروائي التشيللي الإمساك بالقارئ من كل الجهات،  ليحافظ على صدى العنوان ومعناه في رواية تستحق القراءة اكثر من مرة فعلاً،  لبعدها عن الحشو ولفهمها الثلاثية في طبائع الناس المختلفة من خلال الفن وحكايا الناس في الأدب الروائي واهميته التخيلية للحقائق الوجودية والابعاد السماوية لحياة الانسان على
 الأرض. 
منح الروائي التشيللي القارئ لروايته الصادرة عن “دار الساقي “وترجمة “محمد مصطفى” الفرصة لإعادة النظر في الكثير من الأحداث من حولنا ، خاصة تلك التي لم نفكر بها في ضوء حاضر اراد الرائي في الرواية الانتقام فيه لحادث مؤسف تعرضت له عائلته،  كما أنه اراد الانتقام لها حتى بعد خروجه من السجن،  ليلتقي بالبهلوانة والرسام،  ويضفي على حياتهما نوعا من الفهم التأملي لكل الأحداث الحياتية التي تجري من حولهما مع بعض الإشارات الى الكثير من الأحداث المرتبطة بسيليستي كاربايو،  وبفيثتي جارسيا اويديير الذي ينسب إليه “ الترويج لحركة الطليعة الأدبية في التشيلي ، كما أنه أسس تيار الخلق الأدبي “  وبابلو ميلانيس وغيرهم ممن اقترنت فترة وجودهم بتغيرات سياسية واجتماعية وفنية وما إلى ذلك . مختصراً الكثير من الكلام بالرموز . فهل سرطان الفساد في التشيللي يشبه سرطان الحنجرة المصاب به الرائي الذي يريد الانتقام لنفسه من سجن بقي فيه لسنوات ينظر إلى السماء من خلف القضبان بينما القتلة على الأرض في حياة تستمر؟ 
تقنية رواية تبوأ تطور السرد فيها اسلوباً جديداً اعتمد على التماسك الناتج من الاختصار الذي يتصف بالانصهار، وبالابعاد الأدبية  مع ترك الكثير من علامات الاستفهام على بعض الأسماء التي كانت الهدف الاساس  محاولا بذلك أن  يتجاوز الرواية كنوع أدبي منطلقا نحو الحكاية المتجذرة في نفس فنان الرصيف،  ليستفز جماليا ما تم التركيز عليه من وجهات نظر تعلقت بالاسلوب الفني للبهلوانة والرسام “ إذا كان الرائي يجعل الناس ينظرون إلى الأعلى، وأجعلهم أنا ينظرون أسفل، فإن البهلوانة تجعلهم يولون بصرهم صوب شريط الأفق الوهمي بين السماء والأرض. إن المرء يتابع يديها بدهشة طفولية تكاد أن تجلب نحوها حتى طائر الطنان.” وفي هذا التعبير الكثير من الأبعاد الجمالية لكاتب ورسام يجمع الاسس التعددية في المفاهيم المجتمعية التي تقودنا في ما بعد الى أدب
 المستقبل؟ 
اعتمد “إيرنان ريبيرا ليتيليير “ على آلية سرد ملتحمة ومختصرة،  ليشد من أزر التأملات المفتوحة على حركة البهلوانة وحركة الرائي الذي استطاع أن يجذب إليه كل من ينظر إليه لغرابة سلوكه او نظره الى السماء باستمرار والتي تحمل سر وطن الارواح او ما يسمى درب التبانة حيث عائلته التي قتلت بشراسة من عصابة لاحقها ليقتل افرادها حتى النهاية بواقعية تتكون من خيالات رسام محورية في علاقتها مع الشخوص وبوعي لا افتراءات فيه اذ ابتعد عن الحشو الروائي ساعيا للتركيز على الرائي بينما هو يسرد بديناميات نفسية مدروسة جداً من حيث البهلوانة واسلوب عيشها وما عاشته من احداث اختصرها في مقتل حبيبها الذي رحلت معه وفق آلية فنية حساسة جداً تثير الكثير من التساؤلات عند القارئ .” إنني اسعى إلى العيش ببساطة كطائر يغرد مع الدراما نفسها التي نجدها في إحدى لوحات فان غوغ. فهل الرجل الذي حدّق في السماء اراد رسم لوحة في خيال  الابطال للقائه مع الاخرين ممن ماتوا وانتقلوا الى السماء بإيمان غيبي مطلق لا ندرك سره أم انه يجمع الرواية القديمة مع الرواية في الحاضر لتكوين نظرة خاطفة نحو ابعاد الرواية
 المستقبلية؟