نفق الديمقراطيَّة التوافقيَّة

آراء 2019/11/16
...

محمد صادق جراد
 
كان العراقيون يحلمون قبل 2003 بالدولة الديمقراطية التي يكون فيها الشعب مصدر السلطات وتكون صناديق الاقتراع هي صاحبة القول الفصل في اختيار قادة البلاد، وهذا ما جاء به الدستور الجديد الذي كتبه العراقيون في 2005 بعد أن عاش العراق عقودا طويلة وهو يرزح تحت رحمة النظام الديكتاتوري السابق. ولكن ماحصل أنّنا وجدنا أنّ النظام السياسي الجديد في العراق بعد التغيير قد تم بناؤه على أساس حكومة الشراكة، والذي يعني مشاركة الجميع في الحكم وفي صناعة القرار بعيداً عن نتائج الانتخابات وبعيداً عن رأي الناخب العراقي وفق ما يسمّى بالديمقراطية التوافقيّة، وهي ديمقراطية جديدة ابتدعتها القوى السياسية لضمان مصالحها ووجودها في السلطة؛ إذ تفرض هذه الآليّة إشراك الجميع في الحكومة ومؤسسات الدولة حسب حجم المكوّن والحزب والطائفة وضرورة توافق الجميع على أي قرار سياسي أو اقتصادي أو اجتماعي يتعلق بمستقبل البلاد قبل إقراره، الأمر الذي جعلنا نشهد ولادة حكومة مترهّلة وبطيئة يحاول كل طرف فيها الدفاع عن حقوق الطائفة والمذهب والقوميّة التي ينتمي إليها بعيداً عن الهوية الوطنية.
ولو تابعنا مطالب المتظاهرين اليوم سنجد أنّها تذهب باتجاه المطالبة باختيار رئيس جمهورية مباشر من قبل الشعب واختيار محافظ بالطريقة نفسها، وتأتي هذه المطالبات بعد أن شعر المواطن بأنّ صوته لايذهب بالاتجاه الذي يريده وان صناديق الاقتراع اصبحت لا تترجم ارادة الناخب العراقي. 
ومن خلال تقييم حقيقي لواقع الحكومة التوافقية نقول بأنّها لم تتمكّن من إنضاج الفكر الديمقراطي لدى النخب السياسية ولم تسهم في ترسيخ المفاهيم الديمقراطية الحقيقية بما يساعدنا في بناء الدولة المدنيّة الحديثة، بل على العكس من ذلك نجد أن بعض القوى السياسية أصبحت تتمسّك بمفاهيم المحاصصة الطائفية لتكون تلك القوى في موضع الدفاع عن وجودها ضمن السلطة أكثر من العمل على تحقيق مسؤوليتها في إدارة الدولة وتقديم الخدمات للمواطن إذ لم يعمل الجميع بروح الفريق الواحد، فتحول الشركاء إلى خصوم في جميع جوانب العملية السياسية ومعرقلين لكثير من البرامج الحكومية التي كانت الحكومة تسعى إلى تنفيذها عبر السنوات الماضية، فرفع الشركاء راية الاعتراض والعرقلة للمشاريع الحكومية ووقفوا في طريق تشريع القوانين التي تسهم في بناء الدولة، وانعكست المحاصصة سلبيا على عمل مؤسسات الدولة لاسيما البرلمان الذي أصبح ساحة للصراعات والمساومات السياسية بعيداً عن دوره التشريعي والرقابي.
وبعد فشل الديمقراطية التوافقية وحكومة الشراكة التي أوصلت العملية السياسية إلى مزيد من الأزمات وعرقلة عمل المؤسسات نجد ضرورة مغادرة نفق الديمقراطية التوافقية والتخلّص من هذه الآلية والذهاب إلى ممارسات ديمقراطية حقيقية تعكس خيار الناخب عبر تغيير النظام الانتخابي واستفتاء الشعب لاختيار نوع نظام الحكم الذي يتلاءم مع الحالة العراقية وإلغاء مجالس المحافظات وإقرار القوانين اللازمة لاسيما التي تتعلق بحياة المواطن العراقي
 البسيط ..