عامٌ قياسيٌّ للشركات غير التقليديَّة في استثمار الطاقة الناشئة
اقتصادية
2019/11/26
+A
-A
ترجمة: شيماء ميران سيمون بينيت *
أكثر من أي وقت مضى، يتم تخصيص المزيد من الأموال الى صفقات رأس المال الاستثماري للطاقة، وتنتشر عبر القليل من الشركات الناشئة، ومن الضروري تغيير ذلك لتأثير رأس المال الاستثماري الكبير في تحولات الطاقة.
وجاء من بين النقاط الأساسيَّة المتعددة في (قمة الأمم المتحدة للعمل من أجل المناخ) مطلع أيلول المنصرم،
الحاجة الى إعادة تخصيص رأس المال لتنظيف حلول الطاقة حول العالم - وتحدثت مجلة ذي إيكونوميست The Economist عن رؤوس أموال المناخ التي ترى أنَّ المعالجة الذهبيَّة تكمُن في سُحب المناخ. وقد يكون للمستثمرين دورٌ حاسمٌ في سد الفجوة بين المختبر والسوق، عبر تمويل رأس المال الاستثماري VC مثلاً، الذي يُمكّن أصحاب الشركات من استثمار باكورة منتجاتهم منخفضة الكاربون وصقل نماذج أعمالهم، ومن بين الشركات التي تملك دعماً من تمويل استثماري تلك التي تعيد تشكيل مشهد الطاقة.
وجاءت شركة تيسلا في الطليعة بتأسيس سوق السيارات الكهربائية اليوم وبقيمة ثمانين مليار دولار. كما حولت شركة BBOX ومثيلاتها مصادر الطاقة المتجددة خارج الشبكة الى قطاع تنافسي للغاية. ويعد رأس مال المخاطرة مثل VC تكملة ضروريَّة للأموال الحكوميَّة
والمشتركة.
لكنَّ السؤال هو ما المقدار الفعلي لهذا الاستثمار؟، فعالم استثمار الطاقة الحالي يتطلع بالفعل الى شركات تُخصص إيراداتها للاستثمارات في شركات ناشئة بمجال تكنولوجيا الطاقة. وبعد إضافة نتائج النصف الأول من العام الحالي الى قاعدة بياناتنا المحدثة والمحسّنة للمستثمرين، وجدنا أنَّ الشركات استثمرت بالفعل مستوى قياسياً في تلك الشركات الناشئة خلال العام الحالي، وبمستوى أعلى من أي سنة منذ بدء "طفرة التكنولوجيا النظيفة" عام 2005 وحتى العام 2012. وبعض رؤوس الأموال الاستثماريَّة للشركات (CVC)، وهي مجموعة فرعيَّة لمرحلة مبكرة من نشاط VC، واردة مباشرة من كبرى الشركات في القطاعات ذات العلاقة، وليس من أموال VC المخصصة أو الممولين، بعضها استثمار للمرحلة اللاحقة كالأسهم الخاصة التي تقودها الشركات أو عمليات الاستحواذ.
ستراتيجيَّة مرنة منفتحة
والأهم، إنَّ هذه الاستثمارات في الشركات الناشئة بمجال تكنولوجيا الطاقة لا تأتي من شركات الطاقة فقط، بل تتدفق المزيد من أموال شركات مستثمرة في قطاعات النقل وبالأخص تكنولوجيا الاتصال والمعلومات ICT.
والوجود المتنامي لهذه الشركات في تطوير تقنيات الطاقة يعكسُ ضبابيَّة الحدود الفاصلة بين شركات الطاقة "التقليديَّة" و"غير التقليديَّة"، المدفوعة بأنواع التقنيات الجديدة الى حدٍ كبير، والتي من المتوقع أنْ تشكل مستقبل طاقتنا. وتعدُّ المجسات الرقميَّة والبطاريات والسيارات الكهربائيَّة والخوارزميات الذكيَّة أكبرَ المستفيدين من صفقات بقيمة أكثر من أربعة مليارات دولار في العام الحالي، وتعدُّ قيمتها هي أكثر مما أُبرم طوال عام 2018، وما يقارب ثلاثة أضعاف المعدل للفترة ما بين 2015 - 2012 قبل أنْ يبدأ التنامي الحالي.
وتستخدم الشركات داخل وخارج قطاع الطاقة استثمارات رأس المال المشترك وبشكل متزايد، كجزءٍ من ستراتيجيَّة مرنة أكثر انفتاحاً لتجديد الطاقة. وكما أشرنا سابقاً، فهناك بعض الأسباب التي تجعل كبرى الشركات تقدم رأس المال الى شركات تكنولوجيَّة بمراحلها الأولى.
فمثلاً، ربما يكون سبب الاستثمار لفهم التكنولوجيا، أو لاكتساب أيدٍ عاملة أو لتوطيد علاقة مع مالك التقنيَّة. ويمكن أنْ تكون هذه الطريقة أقل تكلفة وخطورة من تطوير التقنية داخل منشأة، خصوصاً إنْ كان المشهد التكنولوجي غير مؤكد، وكما هو اليوم في أجزاء عديدة من نظام الطاقة. وغالباً ما تستخدم هذه الطريقة مع تقنيات خارج جوهر اختصاص الشركة المستثمرة، ولكنْ من المحتمل أنْ يضيف قيمة مهمة الى الشركات الموجودة.
ومع ذلك، تكشف أحدث البيانات عن أنَّ المراحل المبكرة والأخطر لرأس مال استثمار الشركات تمثل أسهماً متراجعة من إجمالي قيمة الصفقة. وفي الحقيقة، جولة التمويل الاستثماري A وB كانت عشرة بالمئة فقط من إجمالي إنفاق الشركات في العام الحالي، أما البقية فيتمثل بالأسهم النامية والمتأخرة وحتى عمليات شراء الحصص.
صفقات المرحلة المبكرة والأخيرة
ومن أمثلة صفقات المرحلة الأخيرة هذه: استثمار شركتي شيفرون وBHP في شركة هندسة الكاربون لإزالة ثاني أوكسيد الكاربون من الغلاف الجوي، وشركة جونسون كونترولز في فنار الكاربون لخدمة كفاءة الطاقة الذكيَّة، وشركة سنكور الكندية في شركة Enerkem في تحويل النفايات الى وقود حيوي، وكل من الشركات فولغس فاغن وسيمنز وفيستاس وفاتينفول في شركة Northvolt لإنتاج البطاريات، وكل من الشركات هونداي وكيا وبورش في شركة Rimac لصناعة السيارات الرياضية الكهربائية، وفورد وامازون في شركة Rivian الصانعة لعربات النقل الكهربائية، وشركتي دايلمر وAmperex في مصنع تيسلا لتقنيات النانو ومواد البطارية، وشركة بريتيش بتروليوم في تقنيات سوليديا لتطوير الاسمنت واطئ الكاربون. إضافة الى أنَّ هناك أدلة على تبني شركات الطاقة الكبرى القدرات في مجالات جديدة ليس عن طريق أخذ حصص في شركات الابتكار فقط، بل عن طريق الاستحواذ عليها وبنحوٍ متزايد. فمثلاً استحوذت شركة شل في العام الحالي على محطة طاقة وبطارية محطة إرسال وشركات شحن السيارات الكهربائيَّة، بينما البقية مثل سنتريكا فتواصل إنشاء محافظ للشركات التي تواجه المستهلك من ذوي الخبرة بمجال
البرمجيات.
وفي الوقت الذي تستثمر فيه كيانات الشركات معظم صفقات المرحلة الأخيرة بشكل عام، تلعب شركات الطاقة التقليدية دوراً أوسع في المرحلة المبكرة لصفقات CVC المحفوفة بالمخاطر. وتقريباً نصف نشاط CVC لشركات الطاقة الناشئة في العام الحالي جاءت من قطاعات النفط والغاز والخدمات والمعدات الكهربائية.
كما تشمل الامثلة لصفقات المرحلة المبكرة هذه: استثمار بريتيش بتروليوم في تقنيات بيلمونت مجهز الذكاء الاصطناعي لاستكشاف النفط والغاز، وكومكاست في شركة Dandelion للطاقة مجهز الحرارة الارضي، وشركة Eni في فورم للطاقة مطور تخزين الكهرباء لفترة طويلة، وشركتي توتال وإكوينور في شركة Level10 Energy وهو سوق متجددة، وشركتي NTT Docomo و Statkraft في مختبرات ميترون منصة تحليلات الطاقة، وشركتي العربية للاستثمارات البترولية وإكوينور في شركة Yellow Door energy في استغلال الطاقة الشمسية، وشركة ايبردرولا في Wallbox شاحن السيارة الكهربائية الذكي، وتيبكو في Zenobe للطاقة الخبيرة في تخزين الطاقة.
ويجري نشاط الشركات في استثمار مجال الطاقة على خلفية ارتفاع نشاط الطاقة الرأسمالية بشكل عام. فقد خُصصت خلال النصف الأول من العام الحالي المزيد من أموال صفقات رأس المال الاستثماري في المرحلة المبكرة لشركات الطاقة التكنولوجية، وبنسبة أعلى من الستة أشهر الأولى لأي سنة مضت ما عدا عام
2018.
وفي الوقت الذي يتزايد فيه نشاط الطاقة الرأسمالية خلال السنوات الأخيرة التي كانت مدفوعة بصفقات النقل، حققت صفقات غير النقل حتى الآن أكثر من نصف قيمة الصفقة في العام الحالي. وربما يشير هذا الى إعادة التوازن بين المجالات بعد اضطراب جولة النشاط الأخيرة وخصوصاً في العربات الكهربائية، لكنْ لا يزال الوقت مبكراً جداً للحديث. ومن بين أكبر المستفيدين من تمويل رأس مال المرحلة المبكرة للعام الحالي: Hozon Automobile and Enovate Motors المطورون الصينيون لأداء السيارات الكهربائيَّة، وشركة كومنولث فيوجن مصمم نظام الانصهار النووي واطئ التكلفة، وشركة CalBio منتجو هاضمات الغاز البيولوجي، وشركة Faraday Grid مخترعة شبكة محولات الطاقة الجديدة.
تجديد الطاقة وجذب رأس المال
وهناك اتجاهان خلف هذه الأعداد التي تكشف عن قطاع متغير.
أولهما، قيمة الصفقة المتنامية التي تمثل الرقم الأقل من الصفقات الأكبر. وعدم ارتفاع عدد صفقات رأس مال الشركات الناشئة بمجال الطاقة. ومع استثناء جميع الصفقات الخارجية البالغة قيمتها اكثر من خمسين مليون دولار، فإنَّ معدل حجم الصفقة في النصف الأول من العام الحالي كان الأعلى من أي سنة منذ
2012.
ثانيا، استمرار إعادة التوازن الجيوغرافي لسوق الطاقة الرأسمالي. وكما حدث في العام 2013، إذ كان ثمانون بالمئة من التخصيص المالي هو للشركات الناشئة بمجال الطاقة في شمال افريقيا. كما مثلت الشركات الصينية طوال السنوات الثلاث الأخيرة، أكثر من خمسين بالمئة من قيمة الصفقة، فضلاً عن معظم الصفقات الكبرى التي وصل بعضها لأكثر من مليار دولار.
وفي النصف الأول من العام الحالي، قلّ عدد الصفقات في الصين، في حين تتجه أوروبا للإعلان عن أنَّ حصتها هي الأعلى في الأسواق حتى الآن. وإذا استثنينا الصفقات الأعلى من خمسين مليون دولار، فثلث قيمة صفقة العام الحالي مخصصٌ للشركات في أوروبا، ويمثل ثلث عدد الصفقات ايضاً.
وفي العموم، عاد استثمار الشركات ورأس المال في الشركات الناشئة بمجال تكنولوجيا الطاقة الى النمو مجدداً، وانسجام أنواع التقنيات التي يدعمونها بشكلٍ واسعٍ مع أهداف تحول الطاقة النظيفة. ويخدم كلا النوعين من الاستثمار تجديد الطاقة وجذب رأس المال الخاص لدعم التحديات العالميَّة العاجلة. وستواصل وكالة الطاقة الدولية مراقبتها لهذه التوجهات كمؤشرات عن الأماكن التي ستوظف فيها الشركات والأسواق أموالها على قيمة التكنولوجيا المستقبليَّة.
ومع ذلك، ستبقى الصفقات الرأسمالية عنصراً صغيراً في مضمون إجمالي الإنفاق على البحث والتطوير. ونُثمن مجمل الإنفاق العام الذي تقدمه الحكومات بهذ المجال، ليكون على الأقل أكثر بثلاثة أضعاف من السوق الرأسمالية، بينما إنفاق القطاع الخاص ربما يكون أكثر بثلاث مرات أخرى. علاوة على ذلك، هناك أنواعٌ معينة من التقنيات تعاني من نقصٍ في نوع رأس المال الذي يُرصد بواسطة الرأس المال الاستثماري، وتضم بوضوح أدوات تكثيف رأسمالي للطاقات المتجددة، والتقنيات منخفضة الكاربون على نطاق واسع مثل التقاط الكاربون. وترتفع نسبة المخاطر بالنسبة للمستثمرين في التقنيات ذات المُهل الطويلة وعدم استقرار الأسواق. ولتوضيح هذه النقطة، دخل Faraday Grid، أحد كبار جمع الأموال في الآونة الأخيرة كما حدث في كانون الثاني الماضي، الى الإدارة في آب الماضي. ولتشجيع النمو الاقتصادي وتحول قطاع الطاقة من خلال ابتكار طريقة الكاربون المنخفض، سيتطلب من الحكومات والقطاع الخاص تقوية التفاعل بين السياسة وتمويل الأبحاث والاستثمار الرأسمالي.
عن وكالة الطاقة الدوليَّة
* محلل تكنولوجيا الطاقة في وكالة الطاقة الدوليَّة