بغداد/ شذى الجنابي
الكثير من الأمراض التي قد يحملها الوالدان في أجسادهم دون الشعور بآثارها ولا أعراضها، لكن يتوارثها بعض أبنائهم حتى يولدوا بإعاقات تلازمهم طوال حياتهم او ربما تؤدي بهم الى الموت.
مشاهد مؤلمة ومؤثرة رأيناها في مركز الصفا لرعاية التوحد والعوق الذهني بين اعداد من الاطفال الذين يعانون من تشوهات جسدية أو اعاقات حركية وذهنية والسبب الزواج المتكرر من النسب الواحد اي زواج ابناء العم من بنات العم او ابن الخال من بنت عمته اي زواج الاقارب من عشيرة واحدة .الشعور بالذنب
نبدأ بحكاية سندس الكفيفة منذ ولادتها والبالغة من العمر 5 سنوات ، فقد تحدثت والدتها بحزن قائلة : ان الله يهب نعمة كبيرة للإنسان وهي الصحة التي لا يدركها الا حينما يفقدها، لقد علمت بعد ولادة ابنتي بانها فاقدة البصر كانت الصدمة كبيرة علينا وقد حملت نفس مرض والدها وهو تلف الشبكة البصرية ولا امل في ان تبصر، وهذا ما يشعرنا
بالذنب لانها ولدت معاقة وعرضتها على لجان عديدة من الاطباء وذهبت بها الى الرعاية
الاجتماعية محاولة
انقاذها وسفرها الى الخارج لاننا لا نملك المال الكافي لعلاجها ولكن دون جدوى، وارادة الله ان تكون ضحية لزيجات
الاقارب.
القدرة على الحفظ
أم “ احمد ربيع “ والدة طفل توحدي تحدثت عن تجربته قائلة: لم ينتابني الشك أبداً أن يكون طفلي مريضا، رغم أن كل المؤشرات تدل على انه مصاب بالاعاقة والمرض، حتى اكتشفت الفاجعة عندما بلغ السنة والنصف، وكان آنذاك يحاول المشي، وفجأة سقط وإذا يعاني من تشنج حاد، مازلت أذكر تلك اللحظات المؤلمة وتوجهت به مسرعة للمستشفى واخبرني الطبيب بأن طفلي مصاب بالصرع والتوحد، وكانت فاجعة كبيرة بالنسبة لي، وبعدها بفترة لم أر أي تطور أو تحسن في صحته لاسيما مقدرته على الكلام، وقد اكمل اليوم من عمره 7 سنوات ومازال يعاني المرض والاعاقة، وعملت على ادخاله المعهد وبجهود المعلمات فقد تميز بقدرته على الحفظ ويتفوق بها على الأسوياء، حيث يحفظ سور من القرآن الكريم ويتميز بإجادة ترتيله والحمد لله اخذ يتطور يوما بعد اخر، مضيفة؛ أن مرضه ربما كان نتيجة الوراثة حيث أنها تزوجت من ابن خالتها الذي يحمل المرض ، ولكن بعد معاناتها مع ابنها رفضت الإنجاب مرة اخرى.
حكاية منغولي
وتحكي ( ام سالار ) موظفة عن مأساتها تقول: جهلنا جعلنا ندمر حياة ابنائنا وكنت حاملة لمرض تكسر الدم الوراثي وزوجي ايضا يحمل نفس المرض وهو ابن عمة والدتي ولم نعلم اننا حاملين للمرض الا عندما انجبنا اولادا مصابين بالمرض اللعين ولدي طفلين احدهما يعاني من نفس المرض والاخر منغولي ومعاناتنا استمرت طوال 6 سنوات من خلال نقل الدم شهريا لطفلي وتعبت كثيرا بسبب الالام التي يعاني منها كونه لم ينعم بلذة الحياة مثل بقية الاطفال ، اما الاخر وهو منغولي وقد قررت تسجيله في المعهد ويتميز بامتلاكه أذنا حساسة يستطيع التمييز بين التركيبات الموسيقية، والتعرف على مقاطعها المتكررة وعزف المقاطع بالالات الموسيقية بطرق مختلفة ، والحمد لله حاله اصبح افضل من اخيه بفضل تعاون المعلمات والمديرة بانقاذه من معاناته ، مبينة نصيحتي لاخواتي المقبلات على الزواج ان يقمن بالفحص الطبي قبل الزواج لكي يبتعدن عن المآسي، ابناؤنا اهم من كل شيء ولابد من
حمايتهم .
اهمية التوعية
أكثر ما يؤلم الاسرة ولادة طفل مصاب باحد الامراض الوراثية وهو التوحد والصرع وبطيء التعلم او فاقد لعضو او اكثر من اعضاء الجسم وتتعدد الأسباب بين الوراثة واصابة الام الحامل بأي مرض اثناء الحمل، وفي العامل الوراثي تشير اصابع الاتهام غالبا الى زواج الاقارب على اساس ان الجينات المريضة تنتقل من جيل الى آخر في العائلة كما يقول؛ الدكتور نعمة عبد الهادي غياث اخصائي امراض الدم الذي اوضح؛ بان الطفل المصاب يعيش بأحد هذه الامراض سنوات عمره القصيرة، في عذاب دائم، ما بين المعاناة والالام المستمرة، والحاجة الى الرعاية الطبية الفائقة، والتأهيل في معاهد تعليمية متخصصة، ويصبح هذا الطفل يعاني بسبب ما زرعه الوالدين والأشقاء الذين انحصرت حياتهم بين البيت والمستشفى
والمعهد.
ويؤكد من الصعب منع زواج الاقارب لذلك ينبغي التوعية بمخاطره واجراء الفحوصات الطبية قبل الزواج من الاقارب والتحاليل المختبرية خصوصا عند وجود مرضى في العائلة فضلا عن اهمية متابعة الحمل باشراف طبيبة اخصائية ومعرفة المواليد للمصابين بالعائلة بهدف اكتشافها وسهولة علاجها ومنع حدوث اي مضاعفات.
وعن سلبيات زواج الاقارب اعتبر الدكتور نعمة بان هناك الكثير من الامراض التي تنتج عن هذا الزواج وهي المشاكل الوراثية والامراض الخلقية مثل (أمراض القلب الخلقية ، الصم) وهناك أمراض تصيب الحامل فترة الحمل مثل (تسمم الحمل ، فقر الدم) بالاضافة الى ارتفاع نسبة الوفيات بين الاطفال، ومع الاسف الاغلبية لا يدركون أهمية الفحص الطبي قبل الزواج معللين ذلك بالقول (كل شيء بيد الله) ولكن الوقاية خير من العلاج، فلماذا نجعل أبناءنا ضحايا لرغباتنا
وإهمالنا.
كسر حاجز الخوف
فيما بينت الاخصائية النفسية والباحثة الاجتماعية رفاه جاسم مديرة مركز الصفا لرعاية التوحد والعوق الذهني : التوحد هو اضطراب نمائي شامل يصيب الدماغ واسبابه على الاغلب وراثية او جينية، ويتم تقسيم الاطفال حسب شدة التوحد والسلوك، هناك (السلوك النمطي، النمائي، العدواني، الانسحابي، الروتيني، الاجتماعي)، فضلا عن شدة المرض، اما انواع الحالات فهي شديدة ومتوسطة وبسيطة والتقييم يجري وفق السلوك
والنطق .
اما الإعاقة البدنية والذهنية سببها زواج الأقارب وهذا معروف منذ زمن طويل، لكن قلة الوعي والجهل والتخلف والاهمال عند البعض جعل الابناء فريسة لتلك الامراض التي تصل بهم إلى التشوه الجسدي
والاعاقات .
موضحة إذا كانت هناك رغبة للزواج بين القريبين ينبغي عمل الفحوصات لمعرفة تاريخ الأمراض الوراثية والجينية في العائلة، وبالتالي من الممكن إجراؤها لتحدد احتمالية اصابة الأطفال بهذه الأمراض الموجودة في العائلة من خلال الفحص الوراثي للزوج والزوجة ، ويمكن من خلالها معرفة الاحتمالات الوراثية للأمراض التي يصاب بها الأطفال وقد لا تظهر على الاب
والأم.
واكدت على دعم تعليم الأطفال في معهدنا من خلال توفير مجموعة من الوسائل التعليمية التي تهدف إلى كسر حاجز الخوف لديهم ودمجهم في الحياة الاجتماعية بكل أشكالها، ومد جسور التواصل معهم للتعرف إلى مواهبهم
وقدراتهم.