عاش منبوذاً.. وأصبح (ايقونة) بعد وفاته

ثقافة 2019/12/07
...

ترجمة: عدوية الهلالي
 
في مزادٍ أقيمَ مؤخراً في دروت في باريس، تم بيع مخطوطة بخط يد الشاعر الفرنسي الراحل شارل بودلير. وتضم المخطوطة مقطعاً غير منشور من قصديته الشهيرة (أزهار الشر)..
يقول بودلير في المقطوعة الرباعيَّة الأبيات:
 
"كنت ممتلئاً بتلك الحقيقة 
بأنَّ أفضل كنز يمنحه الله للعبقري 
هو أنْ يدرك الجمال الأرضي بعمق
ليخلق منه الإيقاع والتناغم"
 
كان هذا المقطع من قصيدة (مجوهرات) قد بقي مجهولاً حتى أبلغ عنه ايف جيرار لودانتيك (1898- 1958) وهو متخصصٌ كبيرٌ في شعر بودلير، وكان لودانتيك قد احتفظ بالمجلد الذي أضاف فيه الشاعر هذا المقطع لكنَّ ورثته رفضوا نشره لوقتٍ طويلٍ حتى تم الإعلان عنه مؤخراً وتم بيع المخطوطة في المزاد مع رسالة مؤرخة في العام 1928 للمالك يؤكد فيها صحة المخطوطة التي تمثل ثروة حقيقيَّة للمهتمين بشعر بودلير؛ ذلك أنَّ كلَّ كلمة أو رسالة غير منشورة لشاعر مثل بودلير لا يمكن أنْ تظلَّ مجهولة، فكل ما يصدر منه يعدُّ مثيراً للاهتمام..
ولد بودلير في العام 1821، وبدأت معاناته بوفاة والده وزواج والدته وهو بعمر ست سنوات، إذ شعر بأنها تخلت عنه وعبر عن ذلك في أشعاره التي تحمل الكثير من المرارة، لكنه مع ذلك حاول أنْ يختلق مذهباً شعرياً جديداً عندما قال مقولته الشهيرة: "سأحاول استخراج الجمال من الشر". وعندما نشر ديوانه (أزهار الشر) في العام 1857، واجه حملة انتقادات شديدة واعتبروا قصائده فاحشة وحوكم بتهمة (ازدراء الأخلاق العامة) كما تم حظر عشر قصائد من المجموعة من بينها قصيدته (مجوهرات) التي اعتبرها النقاد قصيدة بذيئة وهي القصيدة التي عثر عليها في المخطوطة غير المنشورة وتم تقدير ثمنها ما بين (60 - 80) ألف يورو وهو السعر ذاته الذي تم به بيع المجلد الأصلي في العام 1981..
في العام الماضي، تم أيضاً بيع الرسالة التي أعلن فيها بودلير عزمه على الانتحار، وقد ثبت بأنَّ هذه الرسالة كتبت قبل وفاته بـ22 عاماً، إذ أرسلها لعشيقته جان دوفال عندما كان عمره 24 عاماً فقط، لكنه لم ينتحر بل توفي في العام 1867 عن عمر يناهز 46 عاماً بعد معاناته من عدة أمراض بسبب إدمانه الكحول والافيون، ما أدى الى إصابته بجلطة دماغيَّة وشلل أودى به الى الموت وحيداً ومنبوذاً من المجتمع، لكنه أصبح الآن واحداً من رموز الأدب العالمي. 
ومن أبرز شعراء القرن التاسع عشر ومن رموز الحداثة في العالم، ذلك أنَّ شعره سبق عصره بكثير، إذ كان من الشعراء المبدعين المجددين، لكنَّ شعره لم يلق التقدير الحقيقي إلا بعد وفاته خاصة بعد نشر ديوانه (سأم باريس) الذي حقق له شهرة عالميَّة ومكانة أدبيَّة مرموقة.
خاض بودلير مجال كتابة قصيدة النثر بجرأة كبيرة فتمكن من منافسة أبرز شعراء تلك الحقبة التاريخيَّة الحافلة بالمبدعين من أمثال رامبو وفيرلين ومالارميه، كما حظي بمكانة فيكتور هيغو الأدبيَّة.
عرف بودلير بقلة نتاجه الشعري وقد انتقده البعض على ذلك، لكنَّ القيمة الأدبيَّة لنتاجاته جعلت منه ايقونة للشعر الفرنسي وامتد تأثيره في الأجيال، كما امتاز شعره بانتقاد المظاهر الشائنة في المدينة الحديثة والمزج بين الواقعيَّة بكل قسوتها والرمزيَّة بكل ما فيها من خيال، لقد كان متفرداً وساحراً حتى بالنسبة للمقربين منه.
 
عن مجلة الاكسبريس الفرنسيَّة