العشائرية أو الدولة؟

آراء 2018/11/24
...

سلام مكي
 

وجدت العشائر والعشائرية، بما تحمله من أنظمة وأسس اجتماعية محددة، في وقت، كانت الدولة فيه غائبة كلياً عن الوجود، حيث ان العشيرة هي التي تسير الحياة العامة والخاصة داخل حدود العشيرة، وحتى بعد مجيء الدولة وتأسيس أول حكومة عراقية وما تلاها من تشكيل مؤسسات الدولة ووضع قوانين وعقوبات ومحاكم، استمر نفوذ العشيرة، خصوصاً في فترات ضعفت فيها الدولة، او انها لم تقم بما يكفي لقضاء حاجة الأفراد وبالتالي، يلجؤون الى العشيرة مجدداً لنيل حقوقهم او جزء 
منها. الدستور العراقي بدوره، اعترف بالدور الذي تقوم به العشائر، عبر نص المادة 45 ثانياً التي اشارت الى حرص الدولة على النهوض بالقبائل والعشائر العراقية والاهتمام بشؤونها بما ينسجم مع الدين والقانون وتعزيز قيمها الإنسانية النبيلة بما يسهم في تطوير المجتمع. وتمنع الأعراف العشائرية التي تتنافى مع حقوق الانسان. ومن هذا المنطلق، يعترف المشرع العراقي بوجود توجهات سليمة للعشائرية، بالمقابل، هناك اعراف وتقاليد مخالفة للشرع والقانون، لا بد من الوقوف بوجهها، منعاً لتحولها الى ظاهرة عامة تهدد وجود المجتمع 
واسسه. 
ورغم زيادة قوة الدولة بعد الانتصار الكبير على الإرهاب وتحرير جميع الأراضي التي تم احتلالها من قبل التنظيم الإرهابي ( داعش) الا ان هنالك ظواهر عشائرية مازالت مستمرة، بل ازدادت في الفترة الأخيرة بشكل ملفت وهذه الظواهر تمثلت بما يسمى بــــ ( الدكة العشائرية) وهي تعنى ان تتولى عشيرة المجني عليه بالانتقام الشخصي من عائلة الجاني عبر رمي الرصاص داخل البيت، دون الاكتراث بوجود اشخاص داخله او لا. 
ونتيجة لتطور هذه الظاهرة الى حد كبير، وصعوبة احتوائها من قبل الجهات الأمنية، في ظل التسلح الكبير خارج منظومة الدولة، تدخلت السلطة القضائية عبر مجلس القضاء الأعلى الذي اعتبر مؤخراً ان ممارسة هذه الظاهرة تندرج تحت احكام قانون الإرهاب. وهذا الاجراء الذي قام به مجلس القضاء الأعلى هو مهم، وضروري ويأتي اسهاماً منه في محاولة تحجيم هذه الظاهرة الخطيرة التي تهدد حياة الأفراد والمجتمع بصورة 
عامة. حيث ان تشديد العقوبة هو رادع حقيقي، يؤدي الى التقليل من تلك الأفعال. وفي قراءة قانونية لأحكام المادة 2 من قانون مكافحة الإرهاب رقم 13 لسنة 2005 نجد ان الأفعال التي اعتبرها إرهابية تتمثل بالعنف الذي يهدف الى القاء الرعب بين الناس او تعريض حياتهم وحرياتهم وامنهم للخطر وتعريض أموالهم وممتلكاتهم للتلف أيا كانت بواعثه واغراضه. نلاحظ ان هذا النص القانوني، ينطبق بشكل كامل على فعل الدكة العشائرية التي تؤدي الى القاء الرعب والخوف وتعرض حياة الناس للخطر. 
ان الممارسات التي يقوم بها بعض الأشخاص المحسوبين على العشائر، تؤدي الى خلق فوضى وحالة انعدام للأمن في صفوف المدنيين، كما انها تعطي رسالة صريحة بأن قوة الدولة تأتي بمرتبة أدنى من مرتبة العشيرة، كما انها تتقاطع بشكل كامل مع أسس الدولة الحديثة التي تقوم على حكم القانون والنظام، النزاعات العشائرية، تحل بالقانون ولا سبيل لغير القانون، والا فإن حلها عبر الحروب والنزاعات بين افرادها، يهدد وجود الدولة 
بأكملها. والواقع يشير الى وجود الكثير من حالات القتل بدافع النزاعات العشائرية، وهو ما صرح به رئيس محكمة جنايات ميسان الذي قال في مقابلة مع جريدة القضاء الالكترونية ان اغلب حالات القتل نتيجة النزاعات العشائرية.. ان القضاء العراقي ومن خلال اعتباره الدكة العشائرية فعلا إرهابيا انما هو يضع السلطة التنفيذية في امتحان حقيقي حول مدى قوتها ووجودها. فهي مطالبة وبقوة بأن تقول بأن القانون هو الذي سيسود وليس غيره. فلا يمكن ان يسود الاثنان معاً، العشائرية والدولة معاً.