قطاع السكن في العراق.. الفجوة وخطوات الحل

اقتصادية 2019/12/15
...

عبدالزهرة محمد الهنداوي 
 
يعدُّ قطاع السكن محركاً لبقية القطاعات، أي إنه يشبه الى حدٍ ما القاطرة التي تجر خلفها العديد من المقطورات المحملة بشتى البضائع والسلع، ولهذا نقول، إنَّ دوران عجلة البناء في السكن سيسهمُ في خفض نسب البطالة بنحوٍ كبير، وتحسين مستوى الحياة ما يؤدي الى تراجع معدلات الفقر، ورفع متوسط دخل الفرد، ذلك لأنَّ قطاع السكن يوفر فرص عمل مباشرة، وأكثر منها غير مباشرة.
ولكنَّ السؤال، هو كيف لنا أنْ نحرك قطاعاً متهالكاً مثل قطاع السكن؟، لنحرك من خلاله باقي القطاعات التنمويَّة؟. فالكلام المتقدم يعرفه الجميع، ولا يحمل جديداً، إذنْ المهم لدينا هو تنشيط وتفعيل العمل في هذا القطاع. فكيف سيكون ذلك؟.
هنا نقول إنَّ العراق، ومنذ ثمانينيات القرن الماضي، لم يشهد حركة كبيرة في قطاع السكن، الأمر الذي أدى الى اتساع الفجوة وتفاقم الحاجة للوحدات السكنيَّة التي تقدر اليوم بنحو 3 ملايين وحدة سكنيَّة، كما نجم عن أزمة السكن هذه نمو ظاهرة العشوائيات التي ناف عددها على (4) آلاف عشوائيَّة، تشتمل على أكثر من نصف مليون وحدة سكنية، يقطنها زهاء (3) ملايين إنسان، يشكلون نحو "12 بالمئة" من سكان العراق، وتسبب تنامي العشوائيات الى حدوث ضغط هائل على خدمات الماء والكهرباء والمجاري والمدارس والمراكز الصحيَّة وسائر الخدمات، لأنَّ جميع العشوائيات شكلت عبئاً على تلك الخدمات لوقوعها خارج التصميم الأساس للمدن وفوق الطاقة الاستيعابيَّة لمستوى الخدمات، فضلاً عن تسبب العشوائيات في إحداث تغييرات ديموغرافية في المدن التي نشأت فيها.
وبعد هذه الجولة السريعة في تحديد وقراءة الآثار السلبيَّة لأزمة السكن في البلد، دعونا الآن نبحث عن الحلول والمعالجات لهذه المشكلة التي ما برحت تتعمق يوماً بعد يوم على الرغم من وجود فعاليات ومشاريع سكنيَّة بعضها من قبل الحكومة وبعضها الآخر من قبل القطاع الخاص، إلا أنها لم تظهر آثارها واضحة، فما زالت أسعار الوحدات السكنية مرتفعة جداً، وبدلات الإيجارات تبدو مبالغاً فيها، لا سيما في مراكز المدن الكبرى وفي مقدمتها العاصمة بغداد، ولعلَّ أسعار قسم السكن هي الأكثر تأثيراً في خفض أو رفع معدلات التضخم، وهناك من يتحدث عن أنَّ بغداد تعدُّ الأغلى في السكن بين عواصم الدول المجاورة! فغلاء الأسعار ما زال يمثل عائقاً كبيراً يمنع المواطن من اقتناء وحدة سكنيَّة وفق إمكاناته.
نعم إنَّ المصارف العامة والخاصة تقوم بتقديم قروض لأغراض السكن، ولكنَّ كل تلك الإجراءات لم تفلح في إيجاد الحل الناجع والمناسب لأزمة السكن، ولهذا ينبغي إيجاد حلولٍ أخرى مناسبة لحل هذه المشكلة، وهذه الحلول يجب ألا تبتعد عن تلك الخطوات والإجراءات التي أعلنت عنها الحكومة في وقت سابق، والمتمثلة بتوزيع أراضٍ سكنية للمواطنين، ومما لا شك فيه إنَّ خطوة مثل هذه ستكون ذات تأثير لو جاءت وفق سياقات سليمة وصحيحة، وتتمثل هذه السياقات بالآتي:
1 – ألا يكون توزيع هذه الأراضي عشوائياً، إنما ينبغي أنْ يكون ضمن مخطط مدني حضاري حديث، يضمن نشوء أحياءٍ سكنيَّة متطورة.
2 - أن تكون هذه الأراضي مخدومة بالماء والكهرباء والطرق والمجاري والمراكز الصحيَّة والمدارس والأسواق وغيرها.
3 - والنقطة الأهم في هذا كله هو أنْ يتم فتح باب الاستثمار في هذا الجانب، لأننا نعلم أنَّ النسبة الأكبر من المواطنين، لا سيما الذين سيتم شمولهم بتوزيع قطع الأراضي هم من ذوي الدخل المحدود، وبالتالي فهم غير قادرين على تشييد وحدات سكنيَّة مناسبة، إنما قد يلجؤون الى بيع الأرض وشراء بيت متواضع في مكان ناءٍ، ما يعني المزيد من الفوضى العمرانيَّة في المدن، لهذا فإنَّ تولي الشركات الاستثماريَّة تنفيذ مثل هذه المشاريع سيضمن لنا أمرين، الأول إنشاء أحياء سكنية بطراز حديث، والثاني إنَّ المواطنين سيضمنون الحصول على وحدة سكنيَّة بسعر مناسب.
4 - هناك مشكلة تواجه المواطن الذي يروم الحصول على وحدة سكنيَّة، تتمثل في المبالغة بالأسعار، لذلك فإنَّ أغلب المجمعات السكنيَّة التي أُنشئِت حديثاً ومنها مجمع بسماية السكني، واجهت عزوفاً من قبل المواطنين بسبب غلاء أسعارها التي تتجاوز أسعار مثيلاتها في عواصم ومدن أخرى مثل إسطنبول أو عمان أو حتى بيروت.
ومن هنا يأتي الكلام عن ضرورة الأخذ بنظر الاعتبار عامل السعر، منطلقين في ذلك من وجود نسبة فقر مرتفعة لا تقل عن 20 بالمئة، والأسعار التي يمكن الخوض فيها هي ألا تتجاوز الـ (40) مليون دينار للوحدة السكنيَّة، ويمكن أنْ تتكفل الدولة أو المصارف الخاصة أو العامة بتمويلها، أو بتمويل 50 بالمئة منها، فيما يقوم المواطن المستفيد بتسديد كامل المبلغ بأسلوب التقسيط المريح على مدى زمني لا يقل عن ١٠ سنوات، وقطعاً إنَّ هناك مئات الشركات المحلية والخارجية مستعدة للاستثمار في قطاع السكن وفق الآلية المشار إليها آنفاً، ولنا أنْ نتصور المشهد،  عشرات أو مئات الشركات تبدأ عملها في بناء مجمعات سكنيَّة في كل محافظات العراق، عند ذاك كم سنحتاج من الأيدي العاملة؟، وكم سنحتاج من المواد الأوليَّة (الأسمنت والطابوق والحديد والحصى والرمل، وباقي المستلزمات)؟، مقابل ذلك ستنتهي أزمة السكن وتتلاشى العشوائيات، ويتغير المشهد العراقي نحو الأحسن بشكل واضح وجلي، كل ذلك لأننا سعينا الى تحريك قطاع السكن.. أليس كذلك؟