التكليف الثاني

العراق 2019/12/16
...

محمد عبد الجبار الشبوط
 
من يرشح رئيس الوزراء الكتلة البرلمانية الاكثر عددا، ام رئيس الجمهورية، ام المتظاهرون؟
وقع المسار السياسي في البلد عامة، والحراك الاحتجاجي خاصة، في مازق او ورطة اسمها استقالة رئيس الوزراء،  وتكليف مرشح  جديد لتشكيل مجلس الوزراء. اولا، لان الدستور لم يعالج  حالة استقالة رئيس الوزراء، وثانيا، لان التغيير السياسي الحقيقي لا يبدأ من استقالة رئيس الوزراء، وانما من تطبيق المادة 64 القاضية بحل مجلس النواب. في ما  يتعلق  بالمعالجة الدستورية، فان اقصى ما لدينا  هو المادة 81 من الدستور التي تتحدث عن  “خلو المنصب لاي سبب كان”.  والنقاش هنا عن السبب المقصود وهل يشمل الاستقالة ام لا.  البعض يقول ان الاستقالة من اسباب الخلو، بينما يعارض البعض هذا الراي ويقولون ان المقصود هو سبب مثل الوفاة او العجز عن ممارسة العمل. وقد يبدو الراي الثاني حصيفا للوهلة الاولى، لكن يبقى النقاش قائما بخصوص مراد المشرع من عبارة خلو المنصب، وهل تشمل الاستقالة ام لا. والدستور لم يتطرق الى الاستقالة بالنص. ويمكن ان يفسر هذا باحد امرين: اما غفلة عن ذكر الاستقالة، او ارادة تضمينها في مفردة “خلو”. ولا دليل قاطعا على اثبات ما ذهب اليه الدكتور حسن الياسري من حصر معنى الخلو بالوفاة مثلا، اي بالشغور الحقيقي، لانه بالامكان تفسير الاستقالة بالشغور الحقيقي ايضا. وما جرت عليه الدول الديمقراطية العريقة كبريطانيا هو شغور المنصب بمجرد الاستقالة.
ومهما يكن من امر فقد ادت استقالة رئيس مجلس الوزراء عادل عبد المهدي الى التسبب بهذا المأزق.
وجاءت الاستقالة بسبب الضغط الذي مارسه المتظاهرون حين طالبوا باستقالة الحكومة. وكانت هذه المطالبة خاطئة لانها تصورت ان المشكلة تكمن في حكومة تولت السلطة قبل نحو سنة، في حين ان المشكلة تكمن في طبقة سياسية وعيوب تاسيس عمرها 16 سنة. وبسبب “توهم” عادل عبد المهدي ان المرجعية طالبته بالاستقالة. او بسبب مكر الطبقة السياسية لحرف اتجاه المناداة بالاصلاح السياسي.
دستوريا، يبدو الجواب عن سؤالنا سهلا، حيث تقول المادة 76: “يكلف رئيس الجمهورية، مرشح الكتلة النيابية الاكثر عدداً، بتشكيل مجلس الوزراء”.
ويجب ان نميز هنا بين ثلاثة مصطلحات هي:
الترشيح: وهذا من اختصاص الكتلة النيابية الاكثر عددا.
التكليف: وهو من اختصاص رئيس الجمهورية.
منح الثقة: وهو من اختصاص مجلس النواب وهذا يتم “بالاغلبية المطلقة”، حسب المادة نفسها. ولو كنا مشينا بمقترح تطبيق المادة 64 واجرينا انتخابات بالنظام الفردي لكن لدينا الان برلمان اكثر تمثيلا للشعب، وطبقنا المادة 76 في تشكيل الحكومة ونحن مطمئون الى سلامة الاختيار، وتم كل شيء بطريقة دستورية سليمة،  ولعاد المتظاهرون الى بيوتهم.
اما وقد اختارت الطبقة السياسية الطريق الملتوي الاخر، وهو استقالة الحكومة، ورضي، بل فرح المتظاهرون بذلك، فعلينا ان نحافظ على نفس الالية الدستورية في ترشيح الشخص الذي سوف يكلف بتشكيل مجلس الوزراء. هذا اذا كنا مازلنا متمسكين بالشرعية الدستورية، اي تطبيق المادة 76.
وهذا يعني انه ليس من وظيفة المتظاهرين الدستورية، حسب الدستور النافذ وليس حسب اعتقادي الشخصي، ترشيح اسم الشخص. نعم، يستطيع المتظاهرون المناداة ببعض الاسماء، او رفض بعض الاسماء، ويمكن للطبقة السياسية ممثلةً في البرلمان الاسترشاد بهذه المناداة، لكنها غير ملزمة دستوريا. هذا، سواء قلنا ان المتظاهرين يمثلون كل الشعب ام يمثلون انفسهم والمتعاطفين معهم فقط. هذا الكلام لن يعجب المتظاهرين، وارجو ان لا يشتمني بعضهم ظلما وعدوانا. فما اقوله ليس انتصارا للطبقة السياسية، وانما هو من باب التمسك بالشرعية الدستورية، التي ارى، حتى الان، ضرورة التمسك بها.
ويقضي السياق الدستوري عندنا بان يكلف رئيس الجمهورية شخصا بتشكيل الحكومة بعد الانتخابات البرلمانية.
ويقضي هذا السياق بان تقوم الكتلة النيابية الاكثر  عددا بترشيح هذا الشخص. وهذا هو التكليف الاول.
لكن قد يفشل هذا الشخص في تشكيل الحكومة، او يستقيل بعد تشكيل الحكومة، او يخلو المنصب لاي سبب كان. وفي هذه الحالة سوف نحتاج الى التكليف الثاني. فهل يشترط في التكليف الثاني ان يكون لمرشح الكتلة الاكثر عددا؟
الجواب:
تقول المادة (81):
اولاً :ـ يقوم رئيس الجمهورية، مقام رئيس مجلس الوزراء، عند خلو المنصب لاي سببٍ كان.
ثانياً :ـ عند تحقق الحالة المنصوص عليها في البند «اولاً» من هذه المادة، يقوم رئيس الجمهورية بتكليف مرشحٍ آخر بتشكيل الوزارة، خلال مدةٍ لا تزيد على خمسة عشر يوماً، ووفقاً لاحكام المادة (76) من هذا الدستور.
جاءت  عبارة «يقوم رئيس الجمهورية بتكليف مرشح اخر بتشكيل الوزارة» مطلقة بدون قيد «مرشح الكتلة الاكثر عددا». ولو كان المشرع يقصد هذا القيد لوضعه في نص المادة، واغفاله يعني انه لا يشترطه.
وقد يرد  على قولي هذا اشكال هو ان هذه المادة تحيل الى المادة 76.
وبالعودة الى هذه المادة نجد ما يلي:
“يُكلف رئيس الجمهورية، مرشحاً جديداً لرئاسة مجلس الوزراء، خلال خمسة عشر يوماً، عند اخفاق رئيس مجلس الوزراء المكلف في تشكيل الوزارة”
وهذا هو التكليف الثاني، وقد خلا ايضا من شرط “الكتلة الاكثر عددا”، وهذا يعني ان التكليف الثاني جاء مطلقا ايضا وليس  مقيدا بشرط الكتلة الاكبر.
وهذا يعني ان  الكتلة الاكثر عددا تملك حق الترشيح لمرة واحدة هي تلك التي تاتي بعد الانتخابات مباشرة، وليس لها الحق في  الترشيح للمرة الثانية.
وعلى رئيس الجمهورية ان يجري مشاورات واسعة قبل التكليف الثاني حتى لا يكون الاختيار مزاجيا.
والمشاورات الواسعة تشمل بطبيعة الحال  الاحزاب الممثلة في البرلمان والفعاليات الشعبية والاجتماعية الاخرى.
وفي حالتنا الراهنة يجب ان تشمل المشاورات المتظاهرين ايضا.
كما عليه ان يكلف شخصا قادرا على الحصول  على الاغلبية المطلقة في البرلمان.
وبذا لا يكون التكليف مزاجيا.