الولايات المتحدة تكشف الخطوط العامة لخفض الحضور الأميركي في العراق

العراق 2019/12/19
...

ترجمة: انيس الصفار                                             
 
أرسلت وزارةُ الخارجيةِ الأميركية الى الكونغرس هذا الشهر خططاً مفصلة لإجراء خفض جسيم ودائم لأعداد الدبلوماسيين الأميركيين في العراق، وهو اجراءٌ يقول النقاد أنه متعارض كلياً مع الأهداف المعلنة لإدارة ترامب، كما أنه إضعاف لمساعي واشنطن لتثبيت اركان الحكومة العراقية ودعم استقرارها.الوثائق التي ارسلتها وزارة الخارجية الى لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ، وحصلت مجلة "فورن بولسي" على نسخة منها، تلقي الضوء على قرار الوزارة الذي اتخذ في وقت سابق من هذه السنة بخفض أعداد الدبلوماسيين وسواهم من الكوادر الأميركية في العراق.
سوف تخفض البعثة الأميركية في العراق أعداد كوادر سفارتها، من دبلوماسيين ومركز الدعم والقنصلية في أربيل شمال العراق، من 486 الى 349 عنصراً، أي ما يعادل 28 بالمئة، مع نهاية شهر أيار 2020. أغلبية الكوادر المغادرة تنتمي الى وزارة الخارجية، ولكن وكالات حكومية اخرى، بضمنها وزارة الدفاع والوكالة الأميركية للتنمية الدولية، سوف تخفض هي الأخرى حجم كوادرها العاملة في السفارة، كما يظهر من الوثائق.
تجري ادارة ترامب هذا الخفض الحاد في حجم كوادر السفارة الأميركية في وقت يشهد فيه العراق اوضاعاً سياسية مضطربة وتظاهرات احتجاج ضد الحكومة العراقية، كما يأتي متزامناً مع الجهود المبذولة لصد النفوذ الإيراني في هذا البلد. بعد مرور 15 سنة من التدخل العسكري في العراق لا يزال لدى الولايات المتحدة نحو 6000 جندي في أعقاب الحملة العسكرية ضد عصابات "داعش" الإرهابية، وبعد ان صبت على البلد مساعدات تقدر بنحو 1,5 مليار دولار في سنة 2018 فقط.
أكدت وثائق وزارة الخارجية المرسلة الى "جيمس ريش" رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ، وهو جمهوري من ولاية آيداهو، أن التقليص الجديد في مستوى كوادرها "سوف يتيح للبعثة في العراق أن تحقق الأهداف الجوهرية الاساسية وتنجز القدر المطلوب من المتابعة والاشراف على البرامج"، على حد تعبير الوزارة.
بيد أن المنتقدين سخفوا هذه الحركة. تحدث عضو مجلس الشيوخ "كرس مورفي"، وهو عضو في لجنة العلاقات الخارجية في الكونغرس وكبير الديمقراطيين في اللجنة الفرعية المشرفة على شؤون الشرق الأوسط، الى مجلة "فورن بولسي" فقال: "يبدو ان الإدارة تعتقد أن بإمكاننا إدارة الوضع في العراق بطاقم هزيل من الدبلوماسيين.
ادلى المتحدث باسم وزارة الخارجية بتعليق الى مجلة "فورن بولسي" قال فيه: "تأمين سلامة الكوادر التابعين للحكومة الأميركية والمواطنين الأميركيين في الخارج يأتي على رأس أولوياتنا. سفارتنا في بغداد وقنصليتنا في اربيل ستبقيان مفتوحتين لتمشية الأعمال، والسفير ماثيو تويلر وفريقه في الميدان يتعاطون مع الاحداث يوماً بيوم."
أضاف المتحدث مستطرداً: "العراق هو احد اهم شركائنا الستراتيجيين في المنطقة، ونحن ملتزمون بالحفاظ على تعاملنا الكامل مع شركائنا العراقيين والشعب العراقي دعماً لقيام عراق موحد ديمقراطي فدرالي مزدهر."
يقول المسؤولون ان الوقت أزف لتحويل الموارد الدبلوماسية الى مجابهة الصين وروسيا. أما ريش فقد رفض التعليق على لسان متحدث باسمه.
منذ الغزو الأميركي المكلّف للعراق في العام 2003 توسعت السفارة الأميركية في بغداد الى أن اصبحت مجمعاً عملاقاً يفترش مساحة واسعة ويعمل فيه آلاف اللوجستيين والمتعاقدين والكوادر الأمنية. رغم حجم هذه السفارة وضخامة كوادرها لا ينتمي الى وزارة الخارجية منهم سوى جزء ضئيل، وأقل منهم اولئك الذين يعملون في وظائف دبلوماسية أساسية، بمن فيهم الضباط السياسيون والاقتصاديون. 
هذه الأعداد الصغيرة سوف تقلص اكثر الى ما دون اعدادها التي كانت عليها قبل أوامر المغادرة التي أصدرها وزير الخارجية "مايك بومبيو"، كما يظهر من الوثائق. فعدد الضباط السياسيين في السفارة سوف يخفض بنسبة 30 بالمئة، من 10 أفراد الى 7، وعدد الموظفين القنصليين سوف يتقلص بنسبة 58 بالمئة، من 12 موظفا الى خمسة، والضباط الذين يتابعون الشؤون السياسية والعسكرية سوف يخفضون بنسبة 33 بالمئة، من ستة الى أربعة. البنتاغون ايضاً سوف يخفض عناصره الموفدين الى السفارة الأميركية ببغداد من 111 عنصرا الى 63، و والوكالة الأميركية للتنمية الدولية سوف تخفض عدد مناصبها هي الأخرى من 19 الى 11.
يقول آخرون أن الدبلوماسيين يعانون منذ الآن مصاعب لدى محاولة تنفيذ مهامهم بسبب القيود الأمنية المشدّدة التي تملي عليهم متى يستطيعون مغادرة السفارة للتعاطي مع المسؤولين العراقيين. تقليص عدد الضباط العاملين في وظائف دبلوماسية اساسية، ومن بينهم الضباط السياسيون والاقتصاديون، سوف يزيد المهمة تعقيداً، كما تقول "باربارا ليف" وهي سفيرة سابقة ودبلوماسية رفيعة المستوى سبق لها العمل في العراق.
تقول ليف: "إنها مشكلة ذات حدين، فهم يريدون المضي في خفض كادر صغير أصلاً، وبعد ذلك يبقونهم وراء ابواب مقفلة وفقاً لهذه الترتيبات الأمنية التي تجعل من المحال فعلياً أن يشعر بنفوذنا الدبلوماسي أحد."
في شهر أيار أمر بومبيو جميع العناصر غير المطلوبين لحالات طارئة من موظفي البعثة الدبلوماسية الأميركية في العراق بالانسحاب من هناك بناء على محاذير لم تحدد طبيعتها مصدرها إيران، عدو الولايات المتحدة اللدود في المنطقة. في شهر تموز أورد تقرير لمجلة "فورن بولسي" ان الوزارة سوف تحول الخفض الطارئ الى خفض دائم، هذه الوثيقة، التي لم يسبق نشرها، رسمت خطوطاً عامة للمواضع التي ستجري في الوزارة تخفيضاتها الدائمة.
كان البعض من داخل حكومة الولايات المتحدة قد أطلق اجراس الانذار قبل ذلك منبهاً الى التبعات السلبية التي ستترتب على خفض اعداد المسؤولين الأميركيين غير العسكريين في العراق. ففي الشهر الماضي أصدرت إحدى جهات الرقابة الحكومية تقريراً ذكر بالتحديد أن أمر المغادرة بالنسبة لكوادر الوكالة الأميركية للتنمية الدولية سوف تكون له انعكاسات سلبية جديّة على تخطيط البرامج وادارتها ومتابعة النشاطات في العراق حيث تدير الوكالة برامج للمساعدات الانسانية بقيمة تزيد على مليار دولار، كما ورد في تقرير "بروبابليكا".
في السنة الماضية أغلقت ادارة ترامب القنصلية الأميركية في مدينة البصرة، وهي المدينة الجنوبية الواقعة في قلب المنطقة الشيعية. حينها أعلن "تيمي ديفز"، وهو احد كبار الدبلوماسيين الأميركيين في القنصلية، عن معارضته قرار اغلاق القنصلية عبر قنوات الاعتراض الاصولية في وزارة الخارجية، ولكنه اضطر الى تنفيذ الأمر في نهاية المطاف.
 
*روبي غرامر/ عن مجلة فورن 
بولسي (حصري)