عدوية الهلالي
حشد من الايتام ، كان نتيجة سلسلة من الحروب الصدامية ثم العنف الطائفي والعرقي الذي ساد العراق بعد العام 2003 ، ويتزايد العدد سنوياً مع تواصل التفجيرات ومانتج عن دخول داعش الى العراق من قتل وتهجير افرز عدداً آخر من الايتام
ويتناسب عدد الايتام الهائل طردياً مع نسبة الجريمة والعنف في المستقبل مايشكل معضلة حقيقية تنتظر الحل .. ولايحظى اكثر هؤلاء الايتام بفرصة ايوائهم في منازل آمنة او ملاجئ حكومية او خاصة، لذا يشكل وجودهم دون معيل او مأوى مشكلة تزداد خطراً مع تفاقم صعوبة الوضع المعيشي ، لاسيما ان معظم الارامل المعيلات لهؤلاء الايتام عاطلات عن العمل وعاجزات عن سد احتياجات ابنائهن .
واليتيم العراقي لايحتاج الى المأكل او المأوى بقدر حاجته الى الامان الذي يبعد عنه شبح الانحراف او الانجراف وراء جهات تجيد استغلال مثل هذه الشريحة الهشة ،عدا حاجته الى زيادة عدد ملاجئ الايتام وتخصيص مبالغ كافية للانفاق عليهم، اضافة الى رعايتهم اجتماعياً ونفسياً طالما يمثلون فقرة مهمة في بناء هيكل العراق، إذ يؤدي الاهتمام بهم الى تجنيبهم ادمان المخدرات والبطالة واستخدامهم في التفجيرات الانتحارية، فضلا عن السرقة وتأمين عيشهم
باساليب منحرفة.
ومن المؤلم ان يشكل الفقر المدقع سبباً آخر لتزايد عدد الايتام، فهناك امهات يتخلين عن اطفالهن بايداعهم في دور الايتام، لعجزهن عن تربيتهم والاكثر ايلاماً أن تقوم بعض الامهات بانكار امومتهن لهم لضمان ايجاد مأوى لهم وانقاذهم من التشرد !!
ان يعيش الطفل بلا حنان الاب او الام يعني حرمانه من ابسط حقوقه في حياة سوية وطبيعية وان يصبح التعليم حلماً او مطلباً عسيراً لدى عدد كبير من الاطفال يعني ان ينتج لنا المجتمع جيلاً هشاً لايمتلك السلاح الذي يقاوم به كابوس الجهل ،فالتعليم في كل انحاء العالم حاجة اساسية تستحق ان تنفق من اجلها الاموال الضخمة، بينما تتسرب اموالنا لانعاش حياة المسؤولين وشراء الاسلحة ويصبح مجتمعنا بالتالي معسكراً دائماً للقتال ويصبح ابناؤه ادوات لمواصلة القتال ..وفي بلد يعيش حالة فقدان دائمة للرجال مثل العراق، يبقى اليتيم احق الناس بالرعاية لأنه ضحية الحروب والتهجير والعنف وكل مايطال الكبار من اذى ، واذن ، فلا تكفي المهرجانات والهدايا والعثور على مأوى فقط لانقاذ اليتيم من يتمه، بل يحتاج الى الامان في اعماقه ليتسلح بالقوة الكافية لمواجهة صعوبة
الحياة .
وهنالك شريحة اخرى من الأطفال تواجه متاعب عدة وتبتعد اميالاً عن طفولتها وهي تتشرب بثقافة العنف وتعاني من الاهمال ، اذ يواجه الاطفال النازحون واهاليهم بعد عودتهم الى مناطقهم المحررة ،متاعب عدة منها عدم تمكن بعضهم من مواصلة الدراسة بسبب تدمير اغلب المدارس خلال الحرب مع داعش وهو مايؤلم الاهالي كثيراً، لأنهم اضاعوا عاماً دراسياً خلال النزوح ، وبعد استقرارهم في محافظات واماكن اخرى واستقبال اطفالهم في مدارسها ، صار عليهم ان يضيعوا عاما آخر في العودة، كما ان المناطق المحررة مازالت بحاجة الى خدمات اساسية،لا سيما مع اقتراب فصل
الشتاء.
ويعجز غالبية الاطفال النازحين عن رؤية صورة لغد مشرق بالنسبة لهم، فما حدث معهم من رؤية اعمال عنف وقتل يومية بعد دخول داعش الى مناطقهم ،ستكون له آثار بعيدة المدى على سلوكيات جيل من المراهقين وحالتهم النفسية..وكانت جمعية علماء النفس العراقيين قد قامت بدراسة قبل سنوات تبين منها ان نسبة 92بالمئة من الاطفال العراقيين يعانون من مشاكل نفسية شاملة، بسبب الخوف وانعدام الأمن، لابد ان النسبة ارتفعت بعد دخول داعش ونزوح العوائل وتعرضها لظروف قاهرة اغتالت أمانها واستقرارها وهو ما انعكس على الاطفال وجعلهم عرضة لمختلف المشاعر التي تتنافى كلياً مع ملامح الطفولة وعوالمها البريئة
الجميلة.
مؤخراً، صار الطفل العراقي اليتيم والفقير والمتشرد والنازح مادة دسمة لبعض القنوات الفضائية فهي تصدر آلامه للمشاهدين فقط بينما لاتجد معاناته اصداء لها لدى المسؤولين، ففي دول العالم المتحضرة، يجند الكبار طاقاتهم العلمية والبحثية ليصنعوا للأطفال عالمهم الخاص المزدان بالمرح والمعرفة والسعادة، أما اطفالنا فعليهم أن يجندوا طاقاتهم ليعملوا كالكبار ويعيلوا اسراً تركها معيلوها ، وعليهم ان يتحملوا الم الجوع ولسعة البرد ووطأة الحر ويقاوموا الظروف العسيرة ليظفروا بالحياة فقط ..تلك الحياة الخالية من كل معاني الطفولة، اطفالنا يواجهون البؤس ومضايقات الكبار وتحرشهم احياناً، بينما تجتهد الدول المتحضرة لتشريع قوانين تحمي الطفولة وبناء مؤسسات ضخمة تعنى بهم وترعى مواهبهم وتوفر لهم كل
احتياجاتهم.
في العشرين من الشهر الجاري، احتفل العالم باليوم العالمي للطفل ، وفي العراق يقتصر الاحتفال به على توزيع كسوة شتوية وحقائب مدرسية بين بعض الايتام من قبل منظمات انسانية ، وقد تقام احتفاليات ومهرجانات يلقي فيها المسؤولون خطباً تعد الطفل العراقي بمستقبل زاهر ، وبعد ان يغادروا قاعات الاحتفالات لايبقى سوى صدى كلماتهم فيها، لكن أطفالنا بحاجة الى قوانين تحميهم من التشرد وعمالة الاطفال والتسول والأمية أكثر من حاجتهم الى الخطابات والمرح فقد أدمنوا استلاب طفولتهم مبكراً وصارت احلامهم كأحلام الكبار تقتصر على سقف آمن، ولقمة يسيرة، ومصدر رزق حلال يجنبهم مضايقات الكبار ويغنيهم عن الخضوع لهم ..اطفالنا بحاجة ايضا الى ضمير اعلامي لايستغل آلامهم لتقديم مادة اعلامية مغرية بل يطالب بحمايتهم ومنحهم حقوقهم واعادة طفولتهم
المستلبة اليهم .