المرجعية العليا: ترشيح رئيس مجلس الوزراء من صلاحيات الكتلة الأكبر

العراق 2019/12/24
...


بغداد / الصباح / مهند عبد الوهاب
 

بينت المرجعية الدينية العليا ان «ترشيح رئيس مجلس الوزراء انما هو من صلاحيات الكتلة الاكبر بموجب الدستور وليس للآخرين رفض مرشحها»، مؤكدة شروطها في {اختيار وجه جديد يعرف بالكفاءة والنزاهة والشجاعة والحزم والالتزام} على ما جاء في خطبة الجمعة يوم 27 / تموز /2018. 

المرجعية الدينية
جدد الموقع الرسمي للعتبة الحسينية المقدسة نشر نص البيان الذي صدر من مكتب المرجع الديني الاعلى السيد علي الحسيني السيستاني بتاريخ (10 /9 /2018م الموافق 29/ ذي الحجة/ 1439هـ) بخصوص اختيار رئيس الوزراء.
وجاء في نص البيان «علق مصدر مقرب من المرجعية الدينية على ما ذكره بعض النواب في وسائل الاعلام من ان المرجعية سمّت عدداً من السياسيين ورفضت اختيار أي منهم لموقع رئاسة الوزراء قائلاً: إنّ هذا الخبر غير دقيق».
واضاف «ان ترشيح رئيس مجلس الوزراء انما هو من صلاحيات الكتلة الاكبر بموجب الدستور وليس للآخرين رفض مرشحها، ومن هنا فان التعبير بالرفض لم يصدر من المرجعية الدينية، كما انها لم تسم اشخاصاً معينين لأي طرف بخصوص ذلك، وانما ذكرت لمختلف الاطراف التي تواصلت معها - بصورة مباشرة او غير مباشرة – انها لا تؤيد رئيس الوزراء 
القادم اذا اختير من السياسيين الذين كانوا في السلطة في السنوات الماضية بلا فرق بين الحزبيين منهم والمستقلين، لانّ معظم الشعب لم يعد لديه أمل في أي من هؤلاء في تحقيق ما يصبو اليه من تحسين الاوضاع ومكافحة الفساد».
وتابع البيان «فان تمّ اختيار وجه جديد يعرف بالكفاءة والنزاهة والشجاعة والحزم والالتزام بالنقاط التي طرحت في خطبة الجمعة 27 /7 /2018 كان بالامكان التواصل معه وتقديم النصح له في ما يتعلق بمصالح البلد والا استمرت المرجعية على نهجها في مقاطعة المسؤولين الحكوميين، كما انها ستبقى صوتاً للمحرومين تدافع عن حقوقهم وفق ما يتيسر لها».
 
جدل الكتلة الأكبر
من جهته وجه النائب الأول لرئيس مجلس النواب حسن كريم الكعبي كتاباً إلى رئيس الجمهورية برهم صالح أكد فيه، أنه «لا أثر قانونيا لأي كتاب موجه الى رئيس الجمهورية برهم صالح سوى الكتاب الذي تشكلت به حكومة عادل عبد المهدي المستقيلة والذي حسمت بموجبه الكتلة الأكبر».
وقال الكعبي في كتابه إلى رئيس الجمهورية: «إشارة لكتابكم بالعدد (4022) في 22 /12 /2019 وبصدد بيان الرأي بشأن الكتلة الأكثر عدداً المعنية بترشيح رئيس مجلس الوزراء، نود الايضاح أنه ولما كان فخامتكم سبق وأن كلف رئيس مجلس الوزراء المستقيل عادل عبد المهدي بتشكيل مجلس الوزراء بناء على ترشيح الكتلة الأكثر عدداً في الجلسة الأولى لمجلس النواب وفقاً لأحكام البند (أولاً) من المادة (76) من الدستور والاجراءات المرسومة بموجبها، وحيث أن رئيس مجلس الوزراء قدم استقالته واقترنت تلك الاستقالة بقبول مجلس النواب، يتعين العمل على وفق الاجراءات المرسومة في البند (ثالثاً) من المادة (76) من الدستور، قيامكم بتكليف مرشح جديد لرئاسة مجلس الوزراء من دون التقيد بكونه مرشح الكتلة النيابية الأكثر عدداً أم من غيرها، واستنفاد تطبيق أحكام البند (أولاً) من المادة المذكورة من الدستور عند تكليف رئيس مجلس الوزراء المستقيل».
بموازاة ذلك، ذكرت مصادر أن جواب رئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي تضمن ان تحالف البناء هو «الكتلة الاكبر» داخل مجلس النواب، ويأتي جواب الحلبوسي رداً على طلب قدّمه رئيس الجمهورية برهم صالح، يوم الاحد الماضي، إلى مجلس النواب لتحديد الكتلة الأكبر ومرشحها لرئاسة الوزراء، إلا أن الحلبوسي لم يصدر بياناً يؤكد أو ينفي ما ذكرته المصادر، كما أن رئاسة الجمهورية لم تصدر إيضاحاً بشأنه.
إلى ذلك، قال النائب عن تحالف النصر علاء سكر الدلفي: ان تسمية رئيس الوزراء ليست مهمة مجلس النواب وانما تقع على عاتق رئيس الجمهورية دستوريا. 
وأضاف الدلفي، في حديث لـ«الصباح»، ان الكتل السياسية ومنذ عام 2003 لها اليد الطولى في اختيار رئيس الوزراء لكن في هذه المرحلة تختلف المعادلة اذ تحول اختيار رئيس للحكومة الى مطالب شعبية لذلك اصبح من  العسير على الكتل السياسية ان تفرض اراءها بوجود الضغط الشعبي والجماهيري. 
وأشار الدلفي الى ان التحركات داخل الاروقة السياسية فرضت اسماء وشخصيات كمرشحين لكنهم واجهوا رفضاً من قبل المتظاهرين والكتل السياسية، مشيرا الى ان هناك العديد من الشخصيات التي يتم تداولها داخل الاروقة السياسية بشكل سري كمرشحين محتملين لرئاسة الوزراء.
ولفت الدلفي إلى أن تحديد الكتلة الاكبر كان عائقا امام تسمية رئيس الوزراء،  وتابع ان الكتل السياسية امام تحد كبير من الشارع والمرجعية لذلك لجأت الى الحوار في ما بينها لبلورة اسم رئيس الوزراء برؤية مشتركة للخروج بشخصية تحظى بمقبولية لدى الشارع العراقي. 
 
اجتماعات مكثفة
بينما أكد النائب عن تحالف الفتح عبد عون علاوي ان التحركات السياسية تدور الآن بين قادة الكتل السياسية ورؤساء الاحزاب، مبينا ان الاتفاقات السرية بين قادة الكتل السياسية هي من تنضج اسم شخصية رئيس الوزراء المقبل. 
وأوضح علاوي، لـ«الصباح» ان هناك اسماء جديدة مطروحة لشخصيات تتداولها الكتل السياسية بشكل سري تحاول من خلالها التقرب الى مطالب الشارع ليحظى بمقبولية الشعب والكتل السياسية معا، مؤكداً أن الكتل السياسية تكثف اجتماعاتها من اجل ان لا تطول مدة تجاوز المدة الدستورية.
في حين جدد رئيس ائتلاف النصر حيدر العبادي رفضه لاي تدخل خارجي في اختيار رئيس الوزراء المقبل او التدخل في الشأن العراقي الداخلي.
وقال العبادي خلال لقائه وفد النقابة العامة للمدربين العراقيين: ان ائتلاف النصر موقفه ثابت في ما يتعلق باختيار شخصية مستقلة تحظى بثقة الشعب لمرحلة مؤقتة تنتهي باجراء انتخابات مبكرة تحت اشراف اممي، محذراً من الوصول لحالة الاختناق السياسي مما سيلقي بظلاله على وضع البلد واهمية السماع لصوت الشعب وتحقيق مطالبه وتطلعاته.
من جانبه، انتقد الحزب الديمقراطي الكردستاني برئاسة مسعود بارزاني، رئيس الجمهورية برهم صالح بسبب تأجيله تكليف رئيس الوزراء الجديد، محملا اياه «المسؤولية الأكبر» في «خرق» المهل الدستورية.
وقال النائب عن الحزب ديار برواري، في تصريح صحفي: إن «خرق التوقيتات الدستورية لا يبشر بخير من ناحية عدم الالتزام بالدستور والقوانين النافذة وان عدم اتخاذ قرار بتسمية رئيس الوزراء لا يصب في مصلحة أي طرف، لذلك يكون المتضرر الوحيد هو الدولة العراقية ككل لذلك يجب مراعاة الدستور».
وأضاف برواري ان «تجاوز السقوف الزمنية والمدد الدستورية ليس علاجا للمشكلات وانما الالتزام به يفرض علاجات أفضل من عدم الالتزام به، والدخول في هذه التجاوزات يعد حالة غير صحية وتحسب على رئيس الجمهورية وأداء الدولة العراقية بشكل عام»، مشيراً إلى أن «الضغوطات الموجودة على رئيس الجمهورية لتسمية رئيس للوزراء من قبل الاحزاب او كتلها السياسية أو من المتظاهرين؛ لا يمكن أن يكون مبررا لتأجيل التكليف والانصياع للتجاوزات الدستورية».
واوضح برواري أن «عدم تكليف رئيس للوزراء وتجاوز المهلة الدستورية سيتحمله رئيس الجمهورية باعتباره حامي الدستور، وبرغم ذلك فإن على الكتلة الاكبر أن تكون واضحة لكي يكلفها رئيس الجمهورية، وذلك لا يمنع ان تقع المسؤولية الكبيرة عليه وعلى الكتلة الاكبر في البرلمان».
 
الاستجابة لمطالب الشعب
في غضون ذلك، حذر النائب عن تحالف سائرون رياض المسعودي الكتل السياسية من الاستمرار بعنادها والتمسك بترشيح شخصيات غير مطابقة لمعايير مطالب الشعب، مشيرا إلى أن ذلك سيؤدي لتأخير تسمية رئيس الحكومة المقبل.
وقال المسعودي، في تصريح صحفي: ان «إصرار تحالف البناء على التمسك بترشيح شخصيات غير مطابقة لمعايير مطالب الشعب لرئاسة مجلس الوزراء غير مجد ومضيعة للوقت»، مؤكدا ان ترشيح شخصيات مطابقة لمواصفات السهيل وغيره ستواجه رفضا نيابيا وشعبيا».
وأضاف المسعودي ان «اعتقاد البعض بان رئيس الجمهورية مجرد جسر لعبور أي مرشح غير صحيح، بل يحق لرئيس الجمهورية الاعتراض طبقا لواجباته الدستورية لكونه حامي الدستور وساهر على مقدرات الشعب، لذلك فهو حريص على المضي بما يطالبه الشعب من خلال تكليف شخصية مستقلة غير متحزبة».
وأشار المسعودي إلى أن «تكليف رئيس وزراء جديد سيتأخر بالوقت الحاضر بسبب الإصرار على دفع أسماء غير مطابقة لمعايير مطالب بعض الكتل المؤيدة للمتظاهرين».
إلى ذلك، اكد الاعلامي والاكاديمي خالد نعمة ان المشهد السياسي العراقي يشهد حراكا سياسيا متواصلا خلال الايام الماضية لتشكيل الحكومة وهناك تسابق وتدافع بين القوى السياسية لنيل تشكيل الكتلة الاكبر في جو سياسي متأزم. 
وأوضح نعمة، لـ»الصباح»، ان ما يمر به البلد من وضع سياسي مضطرب يتطلب من اصحاب القرار اللجوء للحكمة والحوار واختيار شخصية قوية وكفوءة ومستقلة تستطيع تمشية الامور وتهدئة الشارع الملتهب الذي هو رافض لاي شخصية سياسية حالية. 
واضاف في جميع الاحوال فان الحكومة المقبلة لا تملك العصا السحرية ولديها الكثير من التحديات في مقدمتها تأخر اقرار الموازنة لعام 2020 التي تعاني من عجز كبير ولا يوجد فيها شيء تستطيع تقديمه للمواطن من درجات وظيفية او خدمات مما ينعكس سلبا على ادائها. 
واشار الى ان  جميع الانظار تتجه الى رئيس الجمهورية الان والى كيفية ايجاد حل للازمة السياسية والدستورية والتي يمكن انهاؤها من خلال ايجاد توافق سياسي يتم تأطيره باطار قانوني وهو السياق المتبع منذ عام 2003 وهو دور رئيس الجمهورية في كيفية ادارته للازمة والتصرف معها مع مراعاة ارضاء المتظاهرين والقوى السياسية بشكل متوازن. 
اما بشأن مخرجات التوقيتات الدستورية في تشكيل الوزارة، فقد لفت الخبيرالقانوني بشار الحطاب إلى أن انتهاء المدة الدستورية المحددة بخمسة عشر يوماً يفرض على عاتق رئيس الجمهورية التزاماً بمقتضاه يقوم بتكليف مرشح لتشكيل الوزارة الجديدة طبقا لأحكام المادة (81/ثانياً) من الدستور من دون التوصل إلى تسوية سياسية تحسم هذا الأمر، تفرض السؤال المهم وهو الاثر المترتب على عدم استعمال رئيس الجمهورية هذا الواجب خلال المدة المحددة. 
وأضاف الحطاب، في حديث لـ»الصباح»، ان الإجابة على هذا التساؤل تقتضي بنا الرجوع إلى الاتجاه المستقر في الفقه الدستوري الذي يقضي بأن مضي المدة في الحالات المنصوص عليها استثناءً لا يؤدي إلى زوال الاختصاص وأن تحديد المدة يعد قرينة على حث الهمة والإسراع في التصرف، وهذا الاتجاه يسري بشأن الحالة هذه التي تمر بها السلطة التنفيذية في العراق. 
وأوضح الحطاب ان مضي المدة الزمنية المحددة لرئيس الجمهورية في الدستور لا تحول دون أدائه واجبه بتكليف الشخص المناسب لرئاسة الحكومة باعتباره الساهر على ضمان الالتزام بأحكام الدستور، وأما بشأن مصير حكومة تصريف الأعمال المستقيلة فإنها ملزمة في الاستمرار بتسيير الأعمال اليومية إعمالاً للقاعدة المشهورة التي تقضي باستمرار  الوزير المستقيل بإدارة عمل المرافق العامة بانتظام وإطراد. 
ولفت الحطاب الى ان  تاريخ تقديم الاستقالة من قبل رئيس الوزراء هو الفيصل في الحكم على مدى مشروعية القرارات التي اتخذتها الحكومة المستقيلة أو الوزير المستقيل خلال فترة تصريف الأعمال اليومية، وهذه النتيجة ليست افتراضية بل واقعية تعيشها اليوم السلطة التنفيذية في العراق وأن مخرجاتها معمول بها حتى وإن لم تنص عليها الدساتير صراحةً.