في وقت يشهد فيه لبنان أزمة اقتصادية ونقدية خانقة لعلها الأكثر حدة وتعقيداً منذ عقود جاء تأكيد البروفيسور المالي اللبناني مروان إسكندر التي أماط فيه اللثام عن قيام ساسة لبنانيين بتهريب أموالً لبنانية طائلة الى خارج البلاد تقدر بمليارات الدولارات لتثير العديد من علامات الاستفهام في الاوساط السياسية ولتربك القطاع المصرفي الناشط في لبنان و الذي وجد نفسه بعد السابع عشر من تشرين الأول إزاء نقمة شعبية تطاله متهمة إياه بالتسبب بالمعضلات الحياتية الموجعة التي تعصف بالبلاد.
تحقيقات عاجلة
القضاء اللبناني سارع الى تلقف هذا (التصريح-الإخبار) وقرر فتح التحقيقات العاجلة بخصوص الموضوع فضلاً عن تحقيق آخر تعكف الدوائر المختصة في مصرف لبنان (البنك المركزي) على إجرائه لتبيان حقيقة الأمر.
قسم المباحث الجنائية المركزية، في القضاء اللبناني، باشر منذ يوم الجمعة الماضي بالتحقيق في ملابسات هذا الأمر الذي هز الشارع اللبناني ما دفع بالحراك الشعبي الذي تابع الأمر الى مطالبة الأجهزة القضائية بالكشف عن المتورطين فيه.. النائب العام التمييزي القاضي غسان عويدات” من جهته أوضح أن التحقيق “بدأ بالاستماع إلى إفادة صاحب المعلومات الخبير المالي مروان إسكندر، الذي قدّم ما لديه من معطيات”، لافتاً إلى أن “الأمور قيد المتابعة وتحتاج إلى مزيد من التحقيقات بالتعاون مع مصرف لبنان، ولجنة الرقابة على المصارف”.
تحقيق سويسري
الى ذلك كشف الدكتور مروان إسكندر عن أن “المسؤولة السويسرية أبلغته أن الأموال المحوّلة تعود لـتسعة سياسيين لبنانيين”، عازياً خطورة المسألة تكمن في أن “ المبالغ جرى تحويلها في الأيام الـ15 الأخيرة، أي في ذروة أزمة السيولة التي شهدتها السوق اللبنانية”. وشدد على أن “البرلمان السويسري بدأ إجراء تحقيق جدي في هذه الموضوع، وهو سينشر نتائج هذا التحقيق فور الانتهاء منه، ولا أعتقد أن الجانب اللبناني سيتوصل إلى معلومات قبل انتهاء التحقيق السويسري”. ومضى الدكتور إسكندر ليضيف: “هناك صعوبة كبيرة في استعادة الأموال التي ذهبت إلى الخارج”، مذكّراً بـ”رئيس الفلبين الذي توفي قبل 30 عاماً، ولديه 2.5 مليار دولار في الخارج، لا تزال دولة الفلبين عاجزة عن استعادتها، كما أن الحكومة المصرية لم تتمكن من استعادة أموال رئيسها الأسبق حسني مبارك حتى الآن رغم مابذلته من جهود واتصالات بهذا الصدد”.
المطالبة بالتحرك
هذا الأمر لم يكن بعيداً عن تفاعل وقلق الشارع السياسي في بيروت وقد دخل على خطها رئيس التيار الوطني الحر ووزير الخارجية في حكومة تصريف الأعمال جبران باسيل مصرحاً الأحد، ان “قصة الأموال المحوّلة أو المهرّبة بعد 17 تشرين أصبحت كقضية استعادة الأموال المنهوبة أو الموهوبة، الفرق انّها ليست بحاجة لقانون وهي مسؤولية حاكمية مصرف لبنان ولجنة الرقابة على المصارف وأصحاب المصارف، “اذا ماعملوا شيئا وكشفوا الأرقام وأصحابها، لازم نتحرّك على اوّل السنة”.
من جهته، اعتبر عضو كتلة “التنمية والتحرير” النائب قاسم هاشم في تغريدة على حسابه عبر “تويتر”، أن “ما كشفه اسكندر يعتبر بمثابة إخبار يستوجب تحرك الجهات القضائية والمعنية لاتخاذ جميع الإجراءات المطلوبة، إذا كانت محاربة الفساد واستعادة المال العام جدية وحقيقية”، معتبرا أن هذه الخطوة ستكون صحيحة لإنقاذ لبنان وإصلاحه”.
تسع شخصيات
وكانت مقابلة سابقة لاسكندر أثارت الجدل في لبنان، حيث نقل عنه أنه “التقى مسؤولة سويسرية، نقلت إليه تفاصيل تحويلات مالية بالدولار إلى الخارج لـشخصيات سياسية قاربت 6.5 مليار دولار، وأن هذه التحويلات أصبحت عرضة لدراسة البرلمان
السويسري وتقديره، وأنه يعرف أسماء السياسيين”.
يذكر أن البرلمان السويسري صادق في 10 من الشهر الحالي، على اتفاقية لتبادل المعلومات المصرفية مع لبنان، غير أن لبنان كما تفيد المعلومات لن يتسنى له الإفادة من مضمون الاتفاقية التي يبدأ العمل بها في 2021، جراء تخلفه عن تطبيق معايير المنتدى العالمي لخصوصية البيانات، وفق ما جاء في الإعلان الصادر عن البرلمان السويسري.
تداعيات هذه القضية تتفاعل على وقع الاحتجاجات الشعبية التي تكتنف الشارع اللبناني منذ 17 تشرين الأول الماضي، رفضاً لتردي الأوضاع الاقتصادية والمعيشية والسياسية في البلاد، وبعد فرض مزيد من الضرائب التي جوبهت بنقمة كبيرة وطالب المحتجون بمحاسبة الفاسدين وإعادة الاموال المنهوبة وغلق مسارب الهدر في المال
العام.
أرباح طائلة
في سياق يتصل بالأرباح الطائلة التي يجنيها القطاع المصرفي في لبنان قال الباحث في (الدولية للمعلومات) محمد شمس الدين أن “القطاع المصرفي يحقق سنوياً ملياري دولار”، وأضاف: “حقق هذا القطاع منذ العام 1993 حتى اليوم 23 مليار دولار وبالتالي يجب على المصارف المساهمة بحلّ المشكلة التي وصلنا إليها لأنها بشكل من الأشكال مسؤولة عن الوضع”.
وشدد على أن معاناة اللبنانيين مع المصارف غير مسبوقة، معتبرا أن وضع المصارف يدها على الرواتب والتحويلات من الخارج سرقة موصوفة”
غير إنه أضاف في ما يتصل بالوضع المعاشي
“أن لبنان غير ذاهب الى المجاعة معتبرا أن الدولار موجود لدى التجار لكنهم يحتفظون به لبيعه في السوق السوداء
ورأى أن هناك ابتزازا وضغطا يمارسه التجار ولكننا لن نذهب الى كارثة كما يتحدثون.
فقر وبطالة
وكشف شمس الدين، في حديث تلفازي ، أن 55 %من الشعب اللبناني فقير. وقال: “ربع الشعب اللبناني دخله لا يؤمّن له الغذاء و30 % منه دخله يؤمن له الغذاء من دون الاحتياجات الاخرى مثل الاستشفاء وغيرها وبالتالي 55 % من الشعب اللبناني فقير.”
وفي ما خص البطالة، قال شمس الدين إن “أكثر من 25 % من اللبنانيين عاطلون عن العمل، وإن لم تشهد الأزمة حلولاً سريعة، فحكماً ستزيد نسبة البطالة والفقر” موضحا أن عدد الذين تم تسريحهم من عملهم في الفترة الاخيرة هو ما دون الـ10 آلاف.
ورأى شمس الدين أن “الحلول موجودة لكننا نحتاج لرؤية لتنفيذها وبالتالي الخروج من الأزمة الراهنة”.
وعن الدين العام، أشار الى أن “عام 1993، كان الدين العام بحدود 3 مليارات، ووعد السياسيون حينها بأنّ الموازنات المقبلة ستسدّده لكن هذا لم يحصل، إلى أن وصلنا إلى دين عام يلامس 87 مليار دولار.”
ولفت الى أن 106 % من دخل الدولة يُصرَف على الرواتب والأجور والدين العام معتبرا أن الطاقم السياسي الذي حكم البلد إمّا كان فاسداً أو فاشلاً، لذا عليه الرحيل.