بعد كتابه المثير (الأمن كابتزاز: جذور الدولة الحامية في العاﻟﻢ العرﺑﻲ) صدر عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات كتاب (الصراع على تفسير الحرب والسلم: دراسات في منطق التحقيق العلمي في العلاقات الدولية) للباحث سيد أحمد قوجيلي، يعرض فيه أهم النقاشات النظرية الموجودة في العلاقات الدولية المعاصرة، وبشكل محدد أدوار ما يعرف بالنقاش الثاني في نظرية العلاقات الدولية، بين النظريات الواقعية والمؤسساتية النيوليبرالية، والنقاش الثالث بين المقاربات الوضعية وبعد – الوضعية. كما يناقش منظورات متنوعة للشؤون الدولية، تمثل منظورات متنافسة ومتضاربة فهي تنقسم، من حيث شكلها العام، إلى عالمين: عالم الصراع (منظور كطريق إلى الحرب) وعالم التعاون (منظور كدعامة للسلام). قوجيلي متخصص في الدراسات الدولية، وباحث مشارك في المعهد الأميركي للدراسات المغاربية وفي مركز البحث في الأنثروبولوجيا الإجتماعية والثقافية.
في الفصل الأول، النظرية والقانون ومنطق السببية، يجد الباحث أن اختصاص العلاقات الدولية قطع طريقا طويلة نحو إنجاز النظرية العلمية. وعلى الرغم من صعوبة الوصول إلى إجماع حول مدى علمية هذه المعرفة أو نتائج هذا المشروع بشكل عام، (فإننا بتنا على يقين تام بأن فهمنا الشؤون الدولية تحسن كثيرا في العقود الخمسة الأخيرة، بفضل المعرفة النظرية المحصلة عن فواعل السياسة الدولية وارتباطاتها ودينامياتها). في الفصل الثاني، توماس كون أم إيمري لاكاتوش؟ الثورة والاستمرارية في نظرية العلاقات الدولية، يقول قوجيلي إن استخدام براديغم (كون) أو برامج بحث (لاكاتوش) لا يخلو من التحديات فلا يزال كثير من الباحثين في العلاقات الدولية يتحفظون عن تطبيق مقارباتهما على الاختصاص، ولأسباب عدة، تراوح بين الاعتقاد أن المنهجين أصبحا من الماضي، أو غير قابلين للتطبيق على العلوم الاجتماعية، أو يحرضان على هيمنة البراديغمات أو حروبها غير المنتجة. والأهم من ذلك، لا يوجد معيار موضوعي للمفاضلة بين المقاربتين حيث إن استخدام أحدهما من دون الآخر يبقى منوطا باقتناع الباحث واختياراته الذاتية.
في الفصل الثالث (نظرية الحرب: صعود الدراسة العلمية للنزاعات الدولية) يستنتج الباحث أن لاسبب وحيدا للحرب، ومن ثم لا نظرية وحيدة لتفسيرها، بل هناك أسباب كثيرة ونظريات عدة. فالحرب تحدث بسبب الخصائص القومية والإجراءات التضليلية والتماس الجغرافي وحالات التنافس المستدامة وسباق التسلح والنظم الأوتوقراطية وترتيبات قطبية معينة وأنماط التحالفات وانتقال القوة وحرب الهيمنة. كما هناك أسباب أخرى مثل توازن القوى ودورة القوة وفشل الردع وانهيار المساومة والدورات الاقتصادية، إلى جانب المسببات السيكولوجية والدوافع.
يقول قوجيلي في الفصل الرابع، ان أسباب الحرب في النظرية الواقعية، تُرجع إلى البيئة الأناركية التي تعيش فيها الدول ويتفاعل فيها بعضها مع بعض. وأدرك الواقعيون الكلاسيكيون نتائج العيش في الأناركية لكنهم لم يمنحوها دورا سببيا مستقلا في نظرياتهم. بدلا من ذلك، ركزوا على دور روح السيطرة المتجذرة في أعماق الطبيعة البشرية في إنتاج معظم النتائج التي أحالها الواقعيون البنيويون إلى البنية الدولية الأناركية.
في الفصل الخامس (الواقعية النيوكلاسيكية: النظرية الصاعدة للسياسة الخارجية) يسعى الى تعريف الواقعية النيوكلاسيكية كتيار أو توجه جديد في النظرية الواقعية، وكمدرسة صاعدة للسياسة الخارجية. وهذه الواقعية تعرض نفسها إكمالا للواقعية الكلاسيكية والواقعية البنيوية، وتعد عبارة عن توليف بين الفكر الواقعي والنظرية الواقعية.
الفصل السادس (المكاسب النسبية في مقابل المكاسب المطلقة: هل التعاون ممكن في السياسة الدولية) وجد المؤلف أن الجدال الدائر حول المكاسب النسبية/المطلقة كان أهم محاور النقاش النظري بين الواقعية والمؤسساتية النيوليبرالية في سبعينيات القرن العشرين، (على الرغم من أن النقاش لم ينتهِ إلى إجماع نهائي بين مؤيدي كلتا النظريتين، فإنه أسس القواعد لأرضية مشتركة في طريقة مقاربة الموضوع، فما عاد التعاون صعبا أو مستحيلا .
في الفصل السابع (صعود السياسة العالمية: العلاقات عبر القومية والاعتمادية المتبادلة) يرى قوجيلي أن أنموذج السياسة العالمية شكل تحولا مثيرا في نظرية العلاقات الدولية، يجمله في نقاط ثلاث: الأولى هي أنه أثبت محدودية أنموذج تمركزية الدولة الشائع في الواقعية، وأبرز أهمية الفواعل غير الدول والحركات الاجتماعية عبر القومية، وأعاد الاقتصاد السياسي الدولي إلى مركز التحليل الحقلي والثانية أنه بين أن الاعتمادية الدولية يمكن أن تكون قاعدة لتأسيس الترتيبات التعاونية السلمية، لكن تبقى علاقات القوة مسيطرة بين الدول نتيجة للتبعية غير المتماثلة بعضها بين بعض والتي من شأنها أن تؤثر في موازين القوى على المدى البعيد، والثالثة هي أنه بين أن عالم الشؤون الدولية أكثر تعقيدا مما تفترضه المنظورات الواقعية التبسيطية والاختزالية، وأن المتغيرات السببية يمكن أن تتعدد وتتنوع، فتراوح بين تأثير المؤسسات الدولية والاعتمادية وعلاقات السوق والمعايير والقيم الليبرالية.