اعتبرُ واسمي كلَ فعل ونشاط ودعوة الى اعادة هيكلة الدولة ومؤسساتها انطلاقا من تطبيق المادة 64الدستورية “حركةً اصلاحيةً”، سواء تظاهر الناس ام لم يتظاهروا، لاني اعتبر اصلاح حال الدولة والمجتمع والمواطن في العراق ضرورة تاريخية يحتمها تدهور الاوضاع بنيويا ووظيفيا في العراق منذ عام 1958 الى الان.
ومهما تكن الاهداف التوصلية والتفصيلية القريبة التي قد يطالب بها الناس، فاني اعتبر ان الهدف البعيد للحركة الاصلاحية يجب ان يكون “اقامة الدولة الحضارية الحديثة في العراق”، وهي دولة تشكل اطارا عاما لحركة المركب الحضاري (الانسان، الارض، الزمن، العلم العمل)، ويقوم هذا الاطار على اساس المواطنة والديمقراطية والقانون والمؤسسات والعلم الحديث. واي هدف اقل من هذا هو تدوير للمشكلات ومعالجة سطحية لاسبابها.
وحين خرج الناس الى ساحة التحرير وغيرها من الساحات المماثلة في بعض مدن العراق في الوسط والجنوب، وقفنا، كما فعلت المرجعية، الى جانب هذه الحركة، ودعونا عبر الكتابات والاتصالات المباشرة الى دعمها وتشجيعها وتطويرها باتجاه ان تكون حراكا وطنيا شاملا مناطقيا وقوميا ومذهبيا لتشمل كل ابناء المجتمع بمختلف تنوعاتهم ومحافظاتهم لعلمنا ان التظاهرات لم تصبح كذلك بعد حيث لم نشهدها في المحافظات ذات الاغلبية الكردية او السنية ما يعني ان التظاهرات قد تواجه خطر الانغلاق المذهبي والمناطقي حالها حال الاحزاب الحاكمة. وبديهي ان من نتائج هذا الانغلاق عدم صلاحية المتظاهرين للتحرك والتحدث باسم الشعب، لانهم لا يجسدون الصفة التمثيلية الشاملة عن الشعب، حتى وان كانت شعاراتهم معبرة عن تطلعات الاغلبية الصامتة من الشعب.
بعد مرور اكثر من ثلاثة اشهر على بدء التظاهرات الاحتجاجية، لابد من التفرغ قليلا لدراستها وتحليلها ونقدها، كما نفعل على سبيل المثال مع كومونة باريس (18 اذار الى -28 مايس 1871) المسماة بالثورة الفرنسية الرابعة والمعتبرة اول ثورة اشتراكية في التاريخ، و التي حظيت بالكثير من الاهتمام والدراسة من قبل الباحثين.
وبرغم الظواهر الايجابية الملموسة، فقد تعرضت حركة الاحتجاج الى بعض الظواهر السلبية التي يتعين الوقوف عندها وتشخيصها بموضوعية وبروح البحث العلمي. ومن هذه الظواهر:
اولا، لم تتحول الحركة الى ظاهرة وطنية شعبية شاملة رغم افقها الوطني الواسع، حيث بقيت محصورة في بيئة مجتمعية ذات وصف مذهبي او طائفي ومناطقي واحد ومحدود. ربما سوف يدون التاريخ لاحقا ان شباب الشيعة ثاروا على حكامهم الفاسدين في بغداد وبعض مناطق اغلبياتهم، لكنه سيجد صعوبة في القول ان الشعب العراقي انخرط في ثورة شعبية شاملة ضد حكامه.
ثانيا، منذ اللحظات الاولى لقيام التظاهرات اندست فئات ذات اهداف خاصة في صفوف المتظاهرين الوطنيين السلميين، وربما اخترقت هذه الصفوف لترفع شعارات وتقوم بممارسات لا تمت بصلة الى الاهداف الوطنية لحركة الاصلاح.
ثالثا، وقعت الحركة الاصلاحية في تناقض قاتل؛ فهي في الوقت الذي تعلن نفسها ثورة ضد الطبقة الفاسدة، فانها تطالب هذه الطبقة بالقيام باجراءات اصلاحية، ولم تشخص او لم تتمسك بنقطة الشروع الفعلية للاصلاح، وهي تطبيق المادة 64من الدستور.
رابعا، لم تميز الحركة الاصلاحية بين اهدافها من حيث التوقيت ومن حيث الطبيعة. فلم تميز بين الاهداف العاجلة، والمتوسطة، والبعيدة المدى؛ كما لم تميز بين الاهداف التي يمكن ان تحققها قرارات حكومية، وبين تلك التي تحتاج الى تعديل دستوري.
خامسا، وبسبب فقدان بوصلة الخطوة الاولى الصحيحة، ركزت الحركة الاصلاحية على استقالة الحكومة، او حل مجالس المحافظات، ثم انخرطت بلعبة ترشيح رئيس الوزراء الجديد، بينما وضعت شروطا او مواصفات لا يتوقع ان تجتمع في شخص واحد، وربما تعاطفت مع اشخاص لا تنطبق عليهم شروطها المعلنة.
سادسا، وفي بعض الاحيان رفعت الحركة الاصلاحية شعارات او اهدافا تجعل منها طرفا في علاقة تصارعية مع اطراف اخرى بدل ان ترفع شعارات تجعلها تمثل القاسم او الجامع المشترك الاعظم.
سابعا، وسواء كانت تدري ام لا، فقد اصبحت الحركة الاصلاحية جزءاً من منظومة الحكم وهي تعلن تمردها على الحكومة، بما في ذلك سلوك النهج الاقصائي، والقسوة، وهذا تناقض مرعب.