ثنائية الرئيس والكونغرس!

الرياضة 2020/01/10
...

 جواد علي كسّار
 
ليس من باب التهكم أن توصف سلطات الرئيس الأميركي، بأنها أكبر مما تمتع به نابليون أو قيصر؛ وليس ثمة مبالغة في وصف بعض الأميركيين لرئاستهم؛ بـ«الرئاسة الإمبريالية»، كما أصاب الحقيقة من ذكر أن الرئاسة الأميركية، هي: أخطر منصب على وجه الأرض!».
باختصار شديد، لا تزال أميركا هي صاحبة الاقتصاد الأكبر عالمياً، بمعيار الناتج الإجمالي، وهي القوّة الأولى في العالم عسكرياً، وهي الدولة التي لها أوسع دائرة تحكّم في الشأن العالمي. ولذلك فإن أيّ قرار تقييدي لصلاحيات ساكن البيت الأبيض، تنعكس آثاره في العالم أجمع، ولا تقتصر على أميركا وحدها.
السؤال: هل جاء قرار الكونغرس الأخير بتحديد صلاحيات الرئيس في إعلان الحرب ضدّ إيران؛ خطوة بهذا الاتجاه؟ ممكن أن نستعجل الإجابة ونغلق الملف سريعاً، من خلال التذكير بأن قرار الكونغرس جاء حزبياً محضاً، إذ شاركت في صناعته الأغلبية الديموقراطية، مع عدد بأصابع اليد الواحدة من الجمهوريين. وهو مع ذلك لم يأت كاسحاً، فقد حصل على (224) من المؤيدين؛ مقابل (194) من الرافضين، ومن ثمّ فإن الرافضين ليسوا أقلية صغيرة، والمؤيدين ليسوا أغلبية كبيرة!
أضف إلى ذلك طبيعة التوقيت، الذي أضفى على القرار الكثير من الحزبية والانحياز، والشخصنة في نطاق معركة الرئاسيات، وضعف الديموقراطيين في الاستقرار على مرشح، يكون بمقدوره هزيمة ترامب الجمهوري، أو إجباره على التخلي عن الترشيح، لصالح مرشح أقلّ ألقاً من ترامب، وبحظوظ أوطأ من حظّه في الفوز.
الأهمّ من ذلك كله أن قرار الكونغرس لم يكتسب بعد قوّة القانون، ومن المستبعد أن يتحوّل إلى قانون، لأنه ببساطة شديدة، لن يمر من مجلس الشيوخ، أو من الصعب أن يمرّ. وبذلك يبقى في نطاق الحرب الانتخابية، بين الديموقراطيين المربكين، والجمهوريين المتراصّين إلى حدّ كبير وراء مرشحهم ترامب للرئاسة الثانية، ومن ثمّ لا يعدو هذا القرار من أن يكون خطوة رمزية ببعدٍ معنويٍّ وحسب!
لكن هذه المعطيات على أهميتها، ورغم ما تنطوي عليه من وجاهة لا تعني غلق الملف. فقضية صلاحيات الرئيس، وتعارض بل وأحياناً تصادم هذه الصلاحيات وزحفها على صلاحيات الكونغرس، هي من القضايا الإشكالية في الحياة السياسية الأميركية، منذ تأسيس الولايات المتحدّة قبل قرنين ونيّف حتى اليوم.
بلغة الأرقام، عاشت الولايات المتحدّة إشكالية التداخل بين صلاحيات الرئيس والكونغرس، منذ جورج واشنطن واختياره أوّل رئيس للولايات المتحدّة في نيسان 1789م، إلى لحظة الرئيس الخامس والأربعين؛ دونالد ترامب الذي تولّى السلطة في كانون الثاني 2017م. لقد صدرت عشرات الكتب، ومئات الدراسات، وألوف المقالات والآراء لتفسير هذه الثنائية، ووضع الحلول لمعالجتها، لكنها لا تزال قائمة وستبقى هكذا برأيي!
ربما كان أبرز هذه المعالجات خلال العقود الخمسة الأخيرة هو قرار “سلطات الحرب” الذي أصدره الكونغرس بمجلسيه عام 1973م، ليتحوّل إلى قانون، يحدّ من صلاحيات الرئيس في التفرّد بإعلان الحرب، وأن عليه أن يحصل على موافقة الكونغرس قبل ذلك. من الواضح أن قانون 1973م، جاء كحصيلة من حصائل مراجعة الحرب الأميركية في فيتنام، وطغيان التورط الأميركي هناك على عهد الرؤساء كينيدي وخلفه جونسون ونيكسون، بوجود أكثر من نصف مليون جندي أميركي خارج الجغرافية الأميركية، وداخل أتون حرب مدمّرة. كما كان القرار أيضاً، ضرباً من إعادة الكرامة للأمة الأميركية ومجلسها التشريعي، مقابل استهتار الرئيس الجمهوري نيكسون، عبر إفساده الحياة السياسية، من خلال عملية التجسّس التي مارسها حزبه ضدّ الحزب الديموقراطي، وهي الواقعة التي اشتهرت بفضيحة ووترغيت وأدّت في نهاية المطاف إلى عزل الرئيس نيكسون في السنة التي تلت قرار الكونغرس.
مع ذلك كلّه لم تنتهِ هذه الثنائية؛ فمن مجموع قرابة (140) حرباً خاضتها أميركا، لم يصدر الكونغرس موافقته إلا على خمس حروب، بينما تفرد الرؤساء الأميركان بقرارات بقية الحروب!
برأيي سيبقى هذا الواقع قائماً، ويكون بمنزلة منطقة الفراغ، والمساحة المرنة التي تتيح لأميركا إدارة مصالحها، بتوظيف هذه الثنائية، واستثمارها غالباً من خلال الرئاسة، وأحياناً من خلال الكونغرس، لتكون مصلحة أميركا هي العليا!