نعيم عبد مهلهل: العصر الجديد.. هاجسه الكتابة الروائيَّة!!

ثقافة 2020/01/11
...

عبد الجبار العتابي
نعيم عبد مهلهل، كاتب متعدد الانشغالات والحماسات والنشاطات، الكتابة عنده حياة ثانية يعيشها بكل عجائبها وغرائبها، ولا ينفك أنْ تكون مدينته الناصرية شريانه الأبهر الذي يمنحه الحياة والكتابة والحنين والجمال.
 
* عرّف لنا نفسك؟
- عندما تعرّف نفسك عليكَ أنْ تفترض لها ما يرضي من يقرأ التفسير لتشعر بمقبوليتك تجاه الآخر، وبالرغم من هذا تحتاج الى شجاعة لتقول ما تشعره فيها، والنفس أولاً وأخيراً هي عاطفة الروح في التعامل مع ما تحس وتعيش، وحتى أعرفها بصدق أقول: هي حياتي التي عشتها كما علّمني الفقر والكتاب والسفر والعراق. لقد كانت قبل العولمة نفس حلم وأمنية سفر وأسرة من السعادة. أتتها العولمة فتشظت لتعيش أحلاماً أكثر لذة وفزعاً وكتابة.
 
*  ما السحر في الكتابة لكي تستمر معها؟
- السحر هو ميتافيزيقيا الخيال الذي يجعل الكتابة تحمل طعماً خاصاً، وبدونه لا يكون للكتابة جدوى، فحتى تكتمل فيك لحظة إنجاز النص بشكله المتنوع، حاجة السحر فيها تكون مثل حاجة الرئتين للهواء، وبدونه خطوة الوصول الى النهايات المنشودة تبدو عسيرة. دائماً كنت أرى في السحر شحنة الغرام التي تجعل النص مضيئاً
 ومؤثراً وعميقاً.
 
* متى دخلت دائرة الشهرة لأول مرة؟
ــ دخلتها عندما شعرت أنَّ الكثيرين حين أصادفهم يناقشوني حول نصوصي. وأعتقد أنَّ الشهرة تتحقق بضربة حظ في أحد النصوص، كما عند المطرب، ولاعب كرة القدم أو الممثل وحتى السياسي. هناك لحظة تقفز بك خارج ما أنت عليه، فتشعر أنَّ ثمة من يحترمك ويبتسم لك ويحرص
 أنْ يقرأ ما تنتجه.
 
* كيف تنظر الى شهرة الأدباء العراقيين حالياً؟
- ما زالت شهرة السيّاب والبياتي والجواهري والنواب والتكرلي تتفوق على شهرة أدباء الحاضر. وما زالت مصر تتقدم شهرة الكتابة الأدبيَّة ويليها المغرب العربي. وما زالت بعض وجوه الكتابة الخليجية تريد أنْ تنافسنا على المركز الثالث. لكني أعتقد أنَّ تأسيس المؤسسة الإعلاميَّة والثقافيَّة التي تهتم بالكتاب العراقي نشراً وتوزيعاً تستطيع أنْ تصنع ما نتمناه لأدبنا شهرة وتعريفاً بالرغم من أننا نملك وجوهاً مشهورة كثيرة ممن فازوا بالبوكر والعويس وجوائز أخرى، والبعض يعيش في أوروبا
 وهم معروفون.
 
* لماذا الناصرية تأخذ منك جهوداً أكبر في الكتابة؟
ــ يقول إيتالو كالفينو: المدن تصنع لكتابها الأساطير التي يحتاجونها ليصبحوا أقرب الى الطيران في كل لحظة كتابة. وأنا من يشعر أنه بدون مدينتي لن أستطيع أنْ أصنع ما أظنها أساطيري الكتابيَّة. أنا بعيدٌ عنها قرابة خمسة عشر عاماً، لكنْ بدون مائدة يكون خبزها الناصرية لا يمكن لبطني أن يشبع ولقلمي أنْ يكتب. هي مدينة تستطيع معك أنْ تلهمك وتريك النافذة وضوءها حتى في أشد لحظات حياتك عتمة.
 
* كم من الوقت يستغرق لديك إصدار كتاب.. وأي قلق يساورك مع مراحل الكتابة؟
- من دون قلق لا يمكن أنْ يستنهض في العقل، هاجس يشعرك ان وقت إنجاز كتاب قد حان. المفلس.. القلق لديه أموال، والملوك قلقها من الثورات. الكاتب قلقه من مشاعره أنّه ينبغي أنْ يبدأ كما تحلم رؤياه ليستمر في ما يود إنجازه، ومتى يسكنني حماس الاستمرار تبدأ معي الكتابة بشكل يومي. واظن أني كل شهر أستطيع إنجاز كتاب.
 
* هل أحاطتك الغربة بأعبائها كتابياً؟
ــ أشعر أنَّ الغربة واحدة من العوامل المساعدة للنمط والهواجس التي تصبغ كتاباتي. ففي الغربة هناك فراغٌ هائل، فحتى تعيش اليوم حين يكون بدون مقهى ودكات بيوت شارعكم القديم، التعويض بالكتابة هو ما يبعدك عن الموت المبكر وأمراض الهومسك. وأظن أنَّ أعباء الغربة كانت مفيدة ليكون إنتاجي غزيراً، وأظنه كما أسمع من قرائي جيداً. أعود الى الغربة عند أجفان بورخيس هو يصفها: عندما تعيشها ستكون مبارزاً لها من خلال ما تنتجه. 
وحتما ستنتصر.
 
* ما الغرض وراء تنوع الكتابة من شعر الى قصة ورواية وصحافة وغيرها؟
- عندما تشعر بأنَّ أكثر من إبداع يسكنك فإنَّ التحولات في الإبداع تبدو حقاً مشروعاً، ثلاثية القصة والرواية والصحافة هي ما تسكن الكثير من المبدعين، ربما لأنَّ الوصل بين الإبداعات الثلاثة يعتمد على موهبة واحدة هو الاشتغال بالكلمات من خلال الحرفة والموهبة والحلم. هل تعرف أنَّ ماركس عندما كان يريد أنْ يستريح من الكتابة في الديالكتيك والفلسفة الشيوعية يذهب ليكتب قصصاً 
عن الجنيات.
 
* كيف ترى العلاقة بين النقد وكتاباتك؟
- هي علاقة محدودة، بسبب عدم تواجدي في الأمكنة التي تصدر فيها كتبي. وللأسف فإنَّ النقد وخصوصاً في العراق يعيش هاجس (الباجيات) في بعض رؤياه، وبعض النقاد يفضل ابتسامة كاتبة مبتدئة في وجهه ليكتب عنها، ولو رأيت الصحف وصفحاتها الأدبيَّة لرأيت الكثير من تلك البضاعة النقدية الرديئة. أشعر أني أحظى باحترام الناقد الحقيقي والجيد حتى وإنْ لم يكتب عني. ولا أريد أنْ أذهب أكثر من هذا.
 
* ما أهم رأي قيل في تجربتك؟
- أشعر أنَّ ما كتبه الكبير القاص العراقي محمد خضير كمقدمة لمجموعتي القصصية (حدائق الغرام السومريَّة)، هو فخرٌ كبيرٌ لبدء تجربتي القصصيَّة. وهذه المقدمة ظهرت مع الكتاب الصادر عن اتحاد الكتاب العرب في دمشق.
 
* برأيك .. لماذا صار عدد الروائيين العراقيين كثيراً؟
ــ لأنَّ الرواية تحتاج الى حرية لتكتب. والحرية أصبحت متاحة. ثم لا تنس يا عبد الجبار أنَّ العصور تصطبغ بما يصبح هاجسها الجديد. وهذا العصر الجديد هاجسه الكتابة الروائيَّة.
 
* متى شعرت أنك لا تريد الكتابة؟
- لم أعش هاجساً كهذا حتى في أحرج اللحظات الحياتيَّة ومحنتها، بالعكس فقد كانت الظروف القاهرة وأمكنتها ومواقفها داعماً جديداً للكتابة بإثارة وإبداع خاصين.
 
* ما الذي تعنيه عندك ترجمة كتبك الى لغات أخرى؟
- هذا أمرٌ يحلم به كل كاتب، لكننا ككتاب عراقيين لا نعيش متعة هذا المنجز إلا نادراً. أشعر أني أمتلك روايات لو ترجمت الى الانكليزيَّة مثلاً لنلت شيئاً طيباً من الشهرة.