عُمان تودّع قابوس وتستقبل سلطانها التاسع

الرياضة 2020/01/11
...

مسقط / وكالات القاهرة / إسراء خليفة 
 

ودعَت سلطنة عُمان أمس السبت، سلطانها قابوس بن سعيد الذي وافاه الأجل ليل الجمعة عن عمر ناهز الـ 79 سنة، بعد نصف قرن من حكمه الممتد منذ 1970، وبعد ساعات من إعلان وفاته وإجراء مراسم التشييع لجنازته، أدى هيثم بن طارق آل سعيد اليمين الدستورية سلطاناً تاسعاً لعمان خلفا لابن عمه الراحل قابوس بن سعيد وفق وصية الأخير، التي قرأت في مجلس العائلة الحاكم، وأكد سلطان عمان الجديد في كلمة التنصيب على العرش، الالتزام الكامل بالسياسة الخارجية التي رسمها سلفه قابوس، والحفاظ على نهج الحياد والتعايش السلمي بين الشعوب وعلاقات حسن الجوار وعدم التدخل في الشؤون الداخلية الذي خطه السلطان الراحل.  
شيع المواطنون العمانيون السلطان قابوس بن سعيد، وبث التلفزيون الرسمي صوراً لموكب الجنازة، ثم نُقل النعش ملفوفاً بالعلم العماني إلى جامع السلطان قابوس الكبير بالعاصمة مسقط، حيث أقيمت صلاة الجنازة بمشاركة السلطان الجديد هيثم بن طارق وكبار المسؤولين في السلطنة، وأعلنت عمان الحداد 3 أيام وتنكيس الأعلام لأربعين يوماً.
أدى السلطان الجديد هيثم بن طارق بن تيمور آل سعيد، اليمين القانونية سلطانًا تاسعاً لعُمان، في “انتقال سلس” للسلطة-بحسب وصف وسائل الإعلام الرسمية في السلطنة- إثر الكشف عن وصية السلطان الراحل قابوس.
 
كلمة العرش
وأكد “بن طارق” في كلمته أثناء تنصيبه على عرش السلطنة، أنه سيحافظ على العلاقات الودية مع كل الدول، على غرار النهج الذي كان قد اتبعه سلفه الراحل قابوس بن سعيد على مدار أعوامه في الحكم، مبيناً أنه سيواصل السياسة الخارجية القائمة على التعايش السلمي والتعاون الدولي، وعدم التدخل في شؤون الدول.
وقال السلطان الجديد: “سوف نرتسم خط السلطان الراحل، مؤكدين على الثوابت وسياسة بلادنا الخارجية القائمة على التعايش السلمي بين الأمم والشعوب وحسن الجوار وعدم التدخل في الشؤون الخارجية لغيرنا، واحترام سيادة
 الدول”.
كما دعا السلطان بن طارق، إلى “بذل جهود لتنمية البلد، والسير على نهج سلفه السلطان قابوس الذي بنى دولة عمان “، وأضاف، أن “عمان ستواصل عملها ضمن منظمة الأمم المتحدة وستحترم الاتفاقيات الدولية”.
ووفق تحليلات وتقارير عاجلة للوكالات الأجنبية نشرت أمس السبت، فإن المراقبين أشاروا إلى أنه “من غير المرجح أن يغير السلطان الجديد سياسة الحياد التي انتهجتها سلطنة عمان على مدى ما يقرب من نصف قرن من حكم السلطان قابوس”.
 
السلطان الجديد
والسلطان الجديد هو ابن عم الراحل قابوس، ويعود أصله للمؤسس الأول للدولة البوسعيدية (الإمام أحمد بن سعيد) عام 1741 التي تتولى أسرته حكم البلاد، وتعد من أقدم الأسر العربية الحاكمة بصورة متواصلة.
ووفق الإعلام العماني الرسمي، سبق أن تولى السلطان الجديد العديد من المناصب، حيث كان رئيس اللجنة الرئيسة للرؤية المستقبلية “عمان 2040” ووزيرا للتراث والثقافة في شباط 2002 وحتى 11 كانون الثاني 2020، كما شغل العديد من المناصب في وزارة الخارجية ومنها الأمين العام، ووكيل الوزارة للشؤون السياسية ووزير مفوض.
وتولى بن طارق، رئاسة الاتحاد العماني لكرة القدم بين عامي 1983 و1986 وترأس اللجنة المنظمة لدورة الألعاب الآسيوية الشاطئية الثانية التي أقيمت في مسقط 2010.
والسلطان الجديد من مواليد العام 1954، وعمل في بعض الأحيان كمبعوث خاص للسلطان قابوس بن سعيد، وعلى خلاف السلطان الراحل، الذي لم يكن لديه أولاد أو أشقاء يرثون العرش، فالسلطان الجديد هيثم بن طارق بن تيمور لديه 4 أولاد بينهم بنتان، وهم كل من: ذي يزن، بلعرب، وثريا، وأميمة، وزوجته هي عهد بنت عبدالله بن حمد البوسعيدية، وأمه شوانة بنت حمود بن أحمد البوسعيدية، أما إخوة وأخوات السلطان الجديد فثمانية، هم: طلال، أسعد، قيس، وشهاب، أدهم، فارس، كاملة، وأمل.
 
آلية التنصيب
جاءت تسمية هيثم بن طارق سلطاناً لعمان، عقب دعوة مجلس الدفاع العماني، العائلة المالكة لتحديد خليفة للسلطان قابوس الذي لا ورثة لديه من إخوة أو أولاد، وحكم البلاد لنحو خمسة عقود.
وقال مجلس الدفاع الذي يضم كبار الضباط والمسؤولين، والموكل لها دعوة العائلة لتحديد الخليفة في بيان: “تسلّم مجلس الدفاع (أمس السبت) ردًا كريمًا من مجلس العائلة المالكة”، والتي دعاه بحكم النظام الأساسي للبلاد بالانعقاد لاختيار خليفة قابوس بن سعيد.
أوضح المجلس، أن “مجلس العائلة المالكة انعقد وقرر عرفانًا وامتنانًا وتقديرًا للمغفور له بإذن الله السلطان قابوس بن سعيد، وبقناعة راسخة، تثبيت من أوصى به السلطان في وصيته”.
وأضاف بيان مجلس الدفاع: “عليه أوكل مجلس العائلة المالكة لمجلس الدفاع القيام بفتح الوصية وفقًا لما نصت عليه المادة (6) السادسة من النظام الأساسي للدولة، واتخاذ الإجراءات لتثبيت من أوصى به السلطان بالتنسيق مع مجلس العائلة المالكة”.
وتابع: “تشرف المجلس بحضور أفراد العائلة المالكة شهودًا كرامًا على الإجراءات”، وقال المجلس إنه “نال شرف فتح الوصية وقراءتها بشكل مباشر على جميع الحاضرين
 الكرام”.
بموجب المادة (6) من النظام الأساسي للدولة، يقوم مجلس العائلة المالكة، خلال ثلاثة أيام من شغور منصب السلطان، بتحديد من تنتقل إليه ولاية الحكم، فإذا لم يتفق مجلس العائلة على اختيار سلطـان للبلاد يقوم مجلس الدفاع بالاشتراك مع رئيسي مجلس الدولة ومجلس الشورى ورئيس المحكمة العليا وأقدم اثنين من نوابه بتثبيت من أشار به السلطان فـي رسالته إلى مجلس العائلة.
ونظـام الحكم في سلطنة عمان وفق المادة (5): “سلطاني وراثي في الذكور من ذرية السيد تركي بن سعيد بن سلطان، ويشترط فيمن يختار لـولاية الحكم من بـينهم أن يكون مسلماً رشيداً عاقلاً وابناً شرعياً لأبوين عمانيـين مسلمين”.
 
بيانات نعي وعزاء
وأصدرت الدول العربية والهيئات الرسمية في المنطقة، بيانات نعي وتعزية للفقيد الراحل السلطان قابوس بن سعيد، حيث أكد الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط أن “الأمة العربية فقدت حاكماً من طرازٍ نادر، دأب خلال فترة حكمه على تبني خطٍ مستقل لبلاده جنبها الكثير من الأزمات والصراعات التي اعتصرت المنطقة”.
وصرح مصدرٌ مسؤول بالأمانة العامة لجامعة الدول العربية، أن “الأمانة العامة قررت تنكيس علمها مدة ثلاثة أيام حزناً على فقيد الأمة العربية”.
رئيس البرلمان العربي مشعل بن فهم السلمي، قال في بيان مماثل:”لقد فقدت الأمة العربية زعيمًا تاريخيًا وقامةً عربيةً سامقةً كان له دور تاريخي بارز في بناء ونهضة سلطنة عُمان”.
كما نعى قادة الدول العربية سلطان عمان قابوس بن سعيد، حيث صدرت بيانات تعزية ونعي عبر كل من: رئيس جمهورية العراق برهم صالح وملك المملكة العربية السعودية سلمان بن عبد العزيز والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ورئيس دولة الإمارات خليفة بن زايد وأمير الكويت صباح الأحمد وملك الأردن عبد الله الثاني وعدد آخر من الملوك والرؤساء العرب والأجانب. 
 
سيرة قابوس
وتوفي السلطان قابوس بن سعيد بن تيمور البوسعيدي عن 79 عاما قضى نصف قرن منها في الحكم، وعرف الراحل، الذي وصل إلى السلطة بعد انقلاب على والده في 1970، بدوره في الوساطة الدولية خاصة بين إيران والدول الغربية. 
والسلطان قابوس غير متزوج ولا أبناء وأشقاء له، وكانت الشائعات كثرت حول وضعه الصحي في الأسابيع الأخيرة منذ عودته من بلجيكا، حيث خضع لفحوص طبّيّة، وكانت الزيارات المتكرّرة للسلطان قابوس لألمانيا بدافع العلاج، أثارت القلق حول خلافته واستقرار البلاد التي تؤدّي بانتظام دور الوسيط للحلفاء الغربيين خصوصا في العلاقات مع إيران.
وعانى السلطان قابوس من مرض عضال منذ عام 2014، وهو ما طرح تساؤلات بشأن مسألة خلافته منذ ذلك
 الحين. 
وُلد قابوس في 18 تشرين الثاني سنة 1940 في صلالة في الجنوب حيث تابع تعليمه المدرسي، إلى أن التحق بأكاديمية “ساندهيرست” العسكرية الملكية في بريطانيا، وهو في العشرين من عمره، وتخرّج السلطان منها بعد عامين برتبة ملازم، ثم خدم في ألمانيا ضمن فرقة عسكرية بريطانية لمدة عام.
لدى عودته إلى بلاده سنة 1964، اصطدم السلطان بسياسة متشددة كان يعتمدها والده الرافض لأي تحديث، إلى أن تولى الحكم في 23 تموز 1970 بعدما انقلب على أبيه، ليطلق مرحلة من التحديث بدأت بتصدير النفط.
وأعلن قابوس نفسه “سلطان عمان” بعدما كان لقب الحاكم “سلطان مسقط وعمان”، وأصبح الحاكم الثامن في سلالة آل سعيد منذ أن تولت الحكم في 1749، فقام فورا بتغيير العلم
والعملة.
واعتمد قابوس سياسة علاقات متوازنة واتخذ مواقف حيادية إزاء الكثير من صراعات وأزمات المنطقة والعالم، وأتاحت له علاقته القريبة من إيران بأن يلعب دور الوسيط في الملف النووي، الأمر الذي تمخّض عنه اتفاق مهم في العام 2015 بين طهران وواشنطن في عهد باراك أوباما، قبل أن ينسحب منه الرئيس الأميركي دونالد ترامب.
ووصفت تقارير عدة، السلطنة في عهد قابوس بأنها أشبه في هدوئها الداخلي والخارجي، بسويسرا، حتى باتت تعرف بسويسرا الشرق أو 
الخليج.