نادي فان دي ووترينغ، الفتاة الهولندية صاحبة هاشتاك “البحث عن صديق”، تردُّ على عدد قليل من (50) ألف رسالة خاصة كان أغلبها من اشخاص يتشاركون معها الشعور بالوحدة. كما وتنصح في الوقت نفسه على من يطلبون ذلك منها، لأنها ظلت بلا أصدقاء لأكثر من (25عاماً)، “بعدم الكتمان”.
يأخذني هذا الخبر إلى “جينيالوجيا” الشعور بالوحدة عند الأنثى، هذا الشعور الذي جعلها تتخلّى عن صفة الكتمان في عالم متصل “الأنترنت”، وكأنّها وسيلة لتفويض العزلة باعتبارها مسألة سلطوية من خارج -المجتمع- إلى داخل – ذات- الأنثى.
ولكن هذا ليس كافياً بالنسبة لمن لا تريد أن تبتعد عن الكتمان. هنا نرجع إلى الثقافة التي تجسّد الفعل وتحدد توجهاته.تدافع الإناث –عادة- عن رغبتهن في إيجاد صلة بين الشعور بالوحدة وبين الكتمان، إنّهن يستعنَّ بالحديث المتواصل وربّما الثرثرة – كما يتم وصفهن- بحثاً عن اكتشاف الوحدة لمغفرة “جينيالوجيتها” المذلَّة.
إذا كانت النساء تدافع عن هذا الرصد، فهل سيكتفين بذلك؟ إنني أتساءل هنا، كيف يمكننا، أيضا، رصد خطابات الإقصاء والهيمنة بجانب تجاربهن المتوترة، وتهديدهن الدائم لسلطة الثقافة. وهذا هو تاريخ عزلة ذات المرأة أو الأنثى. التاريخ الذي انشغل بتعريف نفسه، فقط، ضد مشجعي انفصالها عن الحقيقة.
وبالرغم من الثناء المتواصل على محاولات المرأة في التخلص من هذا الشعور، فإنّ هذه المحاولات ليس لها صوت رغم كثرتها اليوم وظهورها للعلن. إنّها لا تجسد القضايا المدويّة، هي ليست ثابتة، ولا صالحة دائما. هذا ما يدفعنا إلى القول إنّ بعض النساء تركز على ممارسة ثقافية تكتسي صفة ضاربة حدّ العمق –جذور- المجتمع، وتتمحور حولها جميع الخطابات المؤيدة والرافضة، والتي تتعامل بفعل ذلك، حسب الفكر.
ولكنّها، تشترك في فكر واحدٍ (ضرورة الهرب من العزلة، المجتمع المؤيّد وليس الرافض، ممارسة ثقافة توفر شخصية المهرِّب المستغل أحيانا، والمستهلك دوماً، والذي لا يؤمن بهذه الثقافة
ولا بثمنها).
هذا، ربما، ما يجعلها، وحدة “جنيالوجية”، وإنّ إظهار الاهتمام بها لا يتسم بالقناعة الجمعية، لأنّها من الأفعال الفردية، كما ستعتبر مساحة للتعاطف الإنساني، منطلقاً من وجود رغبات لا يمكن
اختزالها.
ما يجذبني إلى الاستعانة بمصطلح “جينيالوجيا” وربطه مع الشعور بالوحدة ووضعية المرأة المتوترة، هو هيمنة التقنيات الحديثة التي بدأت تفكّك ما بداخل الذات ولكن بعيداً عن أعماقها التاريخية وما يرتبط بها من اختيار الصديق أو الرفيق، محاولة في الانتصار على السلطة -مثل الهولندية نادي فان دي ووترينغ- وربمّا غيرها كثيرات.
في الوقت نفسه، يبدو، على المرأة أن تظل منفصلة ومتصلة بفعل الحقيقة لأنّ ذلك هو ما يعطيها بعض الحرية في التفاعل مع ثقافة المجتمع.
إنّني أفترض أيضاً أن الاعتراف بشعورنا في الوحدة، مسألة عشوائيّة تتعلق بالكيفية التي تعتمدها امرأة ما عند الإعلان عن خروجها من عزلتها التي حددتها ثقافة مجتمعها.
ولكن، كيف تشعر امرأة ما بالوحدة وتعلن عنها، بسهولة، من دون إخضاع “جينيالوجيتها” لنمط ثقافي جديد؟