محمد جبير
العتبات ليست مجرد كلمات توضَع في صدارة الغلاف الأول لكل كتاب مطبوع، بوصفها علامة أو أيقونة دلالية تؤشر إلى معنى خاصّ يراد الاستدلال به من قبل المتلقّي، وإنما هي أيضاً خلاصة دالّة أو إيحائية إشارية لما يمكن أن يظهر من باطن النصّ على ظاهرة في لمحة وامضة تُستشف من تلك الأيقونة، لذلك قال جاك دريدا قبل أكثر من ثلاثين سنة إنّها "ثريا النص".
هذه الثريا لا بدّ أن تحمل إضاءاتها الكاشفة، لما تشكله من خلاصة تجربة الكتابة والفكر والوعي ودالّة على موحيات السؤال النصّي، والعتبة النصية كما يرى عبدالمالك أشبهون في كتابه "عتبات الكتابة" بأنها تشكّل "لحظة أساسية في استضافة هذا القارئ الذي يقف أمام عتبة النص – الخارج في انتظار تشجيعه على اختراق فضاء العتبة لولوج فناء النصّ- الداخل، فكلما كانت عناصر الجذب قوية ومثيرة تيسّرت عملية العبور من خارج النصّ إلى داخله بدون عراقيل" ص50.
والعتبة في حدّ ذاتها فكرة أو ثيمة خاصة بالكاتب ونصّه، ولايمكن استعارة هذه الثيمة أو الفكرة أو السؤال من قِبَل كاتب آخر من دون الإشارة إلى صاحب السبق، إذ لايمكن استعارة عتبة "الساعة الخامسة والعشرون" أو "مدام بوفاري" أو غاتسبي العظيم" أو" ليلة لشبونة" أو "الجريمة والعقاب"، وعتبات أخرى كثيرة.
لأنّها أيقونات خاصة بكُتّابها الذين ابتكروا تلك النصوص الإبداعية الخالدة، لذلك يمكن القول إنّ أولئك الكُتّاب هم أصحاب الملكية الفكرية لتلك العتبات المبتكرة والدالّة على نصوص عالقة في ذاكرة المتلقّي.
إلّا أنّ في عالم الكتابة الإبداعية وأعراف الكتابة لاتوجد مثل هذه النصّية القانونية التي تحفظ للكُتّاب حقوق الملكية للعتبات النصّية، وإن كان هناك احترام ضمني للذات الكاتبة في عدم استعارة تلك العتبات في كتابات لاحقة، وهو الأمر الدراج في الأوساط الإبداعية، حتى أنّ الكثير من الكُتّاب بعد إنجاز النصّ يذهب إلى محرّك البحث "غوغل" لتجنّب التباس التكرار أو التشابه في العتبات.
ويرى بعض الكُتّاب أنّه لا بدّ من المقاربة بين عتبة لاحقة وسابقة، واحتراما للذات الإبداعية تتمّ الإشارة إلى العتبة السابقة والاستئذان من مبتكرها، وهذا ماحدث بين ساردَين مبدعَين "أحمد خلف وحامد فاضل"، والذي دلّل على احترام الأخير للأول باعتباره مبتكر العتبة، فيما يذهب بعض الكُتّاب إلى استخدام عتبة نصّية شائعة قبل
عقود.
ويُعاد استخدامها من قِبَل كاتب آخر من دون الإشارة إلى أسبقية الكاتب مبتكر العتبة، حيث إنّ عتبة مثل "الوجه الآخر" مقترنة بالكاتب "فؤاد التكرلي" يُعاد استخدامها بعد أكثر من نصف قرن من قِبَل كاتب آخر لم يشر إلى أسبقية التكرلي في إنتاج هذه
العتبة.