للثقافة تحديات جديدة

ثقافة 2020/01/14
...

د. حسين القاصد 
 

 ونحن في بداية عام ثقافي جديد، لنا أن نتساءل عن منظمات المجتمع المدني التي انتشرت في العراق، لكنها اختفت منذ اندلاع التظاهرات في الأول من تشرين الاول الماضي؛ فأين هي وأين فعالياتها ودورها في صنع السلم المجتمعي؟ وكم هو عددها السابق؟ وكم سيكون بعد انتهاء اجازتها او عطلتها الاختيارية؛ فمن دون أدنى شك أننا سنعود لنقرأ لافتات عن نشاطات ثقافية ومجتمعية غابت عن المشهد التوعوي في أيام التظاهرات .
لقد توقفت أغلب النشاطات الثقافية، لاسيما تلك التي ترعاها وزارة الثقافة والسياحة والآثار، فلقد تم تأجيل مهرجان الجواهري ومهرجان الكميت وغيرهما بسبب الأحداث التي رافقت التظاهرات، واكتفى الفنانون والأدباء بالمشاركات الخارجية، لكنهم حين يعودون للعراق لا يستأنفون مشوارهم الابداعي في نقاباتهم؛ فلقد علق اتحاد الأدباء جلساته في بنايته واكتفى بجلسات تقام في خيمة الاتحاد المقامة في ساحة التحرير؛ وإذا استثنينا التحدي الثقافي الكبير الذي يقوم به أدباء البصرة بمواصلة نشاطاتهم الثقافية، نرى أغلب المثقفين تركوا مقارهم لينصهروا في الرأي الجمعي وينسحبوا من صناعة القرار في منصاتهم الثقافية .
بكل ما لساحة التحرير من رمزية كبيرة، نرى أن بناية اتحاد الأدباء والكتاب في العراق هي توأم هذه الساحة في البناء والتأسيس، فكلاهما شيّد في زمن الزعيم عبد الكريم قاسم، وكان الجواهري الكبير رئيسا للاتحاد ونقيبا للصحفيين، وهما أهم مؤسستين في صناعة القرار السياسي والمجتمعي .
إنّ عملية رفض الفساد ومحاربته يجب أن يقوم بتوجيهها قادة الوعي المجتمعي لكي نجنّب التظاهرات السلمية احداث العنف التي رافقتها؛ فللشاعر أن يهتف من منصّته بأعلى اصوات الرفض للفساد والمحاصصة، وله أن يتغنّى بالعراق الواحد، وتتلاقف صوته الفضائيات ليمكننا ايصال الخطاب الواعي المعترض على كل أشكال الخراب .
ومثل ما على اتحاد الأدباء نرى اننا بحاجة لخطاب مسرحي من المسرح الوطني، لكي يصل من دون أية شائبة ونتجنب مسميات من مثل (المندسين) و (الطرف الثالث) وتعود قوة القيادة للكلمة والرسالة الفنية، لا للاتهامات الجانبية التي ابتعدت، في بعض منها، عن غاية التظاهرات التي أهمها الإصلاح .نحن بحاجة ماسة لأمسيات الفرقة السمفونية، فللموسيقى لغة عالمية لاتحتاج إلى ترجمة، ونحن بحاجة إلى معارض تشكيلية في قاعات تحترم الفن وتبعده عن عملية الرسم الارتجالي .
بامكان الجميع أن يشتركوا بفعاليات ثقافية واعية تتضمن الموسيقى والشعر والرسم، وتحمل الخطاب الإصلاحي وتؤبّن الشهداء. 
في عامنا الثقافي الجديد نريد من المثقف العودة إلى صناعة القرار وليس الركض خلف قرارات بعضها انفعالي وغير ناضج، لكنه صار مهيمنا لأنّه صار أعلى من صوت المثقف الذي اختار دورا هامشيا، يضمن له أرشفة حضوره اليومي في ساحة التحرير. 
اذا ارتفع صوت المثقف قائدا وصانعا للقرار لا أظن أن أحداً سيفكر بمنع الطلبة من استئناف العام الدراسي الذي وصل إلى منتصفه، ومازالت الحلول قيد المحاولات .