غضب الشارع يحفز الساسة وأنباء عن 48 ساعة حاسمة!

الرياضة 2020/01/15
...

بيروت / جبار عودة الخطاط
 
حركة الاحتجاج الصاخبة التي سجلت في يومها التسعين تصاعداً كبيراً وزخماً خطيراً في نشاطها، فرضت بصمتها الضاغطة على الساسة اللبنانيين للتماهي مع رغبة الشارع في اختزال زمن تأليف الحكومة والنأي عن منهج العرقلة، وشمّر الفرقاء السياسيون فجأة في يومي الثلاثاء والأربعاء  عن سواعدهم  لينخرطوا في اتصالات حيوية تعجل بتشكيل الحكومة.. معطيات مشاوراتهم أشارت الى أنهم وضعوا سقفاً زمنياً لا يتجاوز 48 ساعة لحلحلة الأمر قبل أن تنفلت الأوضاع من عقالها.
 
إذن فعل الشارع المنتفض فعلته وتحركت عجلة الاتصالات لبحث تأليف الحكومة المنتظرة، بعد يوم الاحتجاج المدوي الذي بعث الدفء في أوصال عملية التأليف التي كانت مشلولة أو شبه ميتة لتطفو على السطح حالة من التفاؤل الحذر!
 
احتجاج صاخب
"نفد صبرنا ولم نعد نتحمل أكثر"، هذا ما عبّر عنه مئات المحتجين الناقمين على تردي الأوضاع الذين انطلقوا في مختلف المناطق اللبنانية، وكانت لهم تظاهرة صاخبة في شارع الحمرا ببيروت حتى ساعة متأخرة من ليل الثلاثاء على الأربعاء بعدما كان محيط مصرف لبنان قد أصبح مسرحاً صاخباً لمواجهات بين عناصر مكافحة الشغب ومجموعات من الشبّان الغاضبين. وجرى تراشق بالحجارة وحرق واجهات بعض المحال وقامت قوى الأمن برمي القنابل المسيّلة للدموع لتفريق المحتجين، وعمدت مجموعات من الشبّان إلى تحطيم واجهات زجاجية وعدد من أجهزة الصراف الآلي، بينما اقتحم عدد من الشبّان أحد المصارف، كما قامت مجاميع من المحتجين بغلق محيط مصرف لبنان بمستوعبات القمامة، احتجاجاً على (السياسات المالية التي يتبعها مصرف لبنان) ، ورفضاً  لمنهج (التسويف والتأخير  في تشكيل حكومة) تلبي مطالبهم. 
وأطلقت عناصر القوى الأمنية الغاز المسيل للدموع لتفريق المحتجين الذين عمدوا الى رشق الحجارة، بينما تحدثت المعلومات عن توقيف أحد المحتجين قبل نقله إلى ثكنة الحلو.
الأمين العام للصليب الأحمر جورج كتانة، من جهته، أفاد بأنّه "تم نقل قسم من المصابين الى المستشفيات بينما تم اسعاف إصابات أخرى غير حرجة ميدانياً على الأرض، والجرحى الذين تم نقلهم تفاوتت حالاتهم بين الاختناق والإصابة بالحجارة. وتشير المعلومات التي حصلت عليها "الصباح" إلى أنّ عشرين شخصاً قد أصيبوا، من المحتجين  والقوى الأمنية.
 
أحداث الحمرا
بدورها، دعت قوى الأمن، عبر حسابها على موقع "تويتر"، المتظاهرين السلميين إلى الابتعاد عن شارع الحمرا ومتفرعاته، "حفاظاً على سلامتهم وإلا سيعتبرون من المشاغبين وستتمّ ملاحقتهم".
وصدر بيان عن المديرية العامة لقوى الامن الداخلي - يوم الاربعاء جاء فيه:
"قام مثيرو شغب نحو الساعة 19.00 من تاريخ 14/1/2020 بالاعتداء على عناصر قوى الأمن الداخلي المتمركزين أمام مصرف لبنان المركزي برمي الحجارة والمفرقعات وتوجيه الشتائم - أصيب عدد من العناصر بكسور ورضوض-، وعمدوا الى إزالة العوائق الخشبية وتكسير غرفة الحراسة، محاولين الدخول باتجاه المصرف، فجرى ردعهم.
وبعد التمادي بالاعتداء وتحطيم وتكسير ممتلكات عامة وخاصة في شارع الحمرا ومتفرعاته، والاستمرار في التعرض والاعتداء على العناصر، أعطى المدير العام لقوى العام الداخلي اللواء عماد عثمان أوامره بالعمل على القاء القنابل المسيلة للدموع وتفريق المشاغبين، وذلك خلال قيامه بالإشراف مباشرة على عمليات حفظ الأمن والنظام من غرفة التحكم والمراقبة في وحدة شرطة بيروت.
وأضاف البيان "وبعد أن أصدرنا عبر وسائل الاعلام أكثر من انذار لمغادرة المتظاهرين السلميين المكان الذي تحدث فيه اعمال الشغب حفاظا على سلامتهم، أعطى اللواء الأوامر لملاحقة المعتدين وتوقيفهم.
وقد استمرت التعديات والمواجهات نحو الخمس ساعات، أسفرت عن إصابة 47 عنصرا من قوى الأمن الداخلي بينهم 4 ضباط، وتوقيف 59 مشتبها به في أعمال شغب واعتداءات"
بينما نشر نشطاء عبر تسجيلات لهم تأكيدا بأن الحراك السلمي لا صلة له بما يجري في شارع الحمرا وأن ثمة مجاميع مرتبطة بجهات سياسية هي من تقوم بذلك.
بدوره نفى حزب الله مشاركة أنصاره في الأحداث التي حصلت أمام مصرف لبنان وقالت العلاقات الإعلامية للحزب في بيان لها ان "ما قالته احدى المحطات التلفزيونية عن المتظاهرين أمام مصرف لبنان هو عار عن الصحة جملة وتفصيلا".
 
مسيرة شعبية
أما في طرابلس، فانطلقت مسيرة شعبية من المناطق كافة،  دعا إليها الطلاب، وصلت إلى ساحة عبد الحميد كرامي في طرابلس، كما انضمت إلى المعتصمين أسر قيل انها وفدت من المهجر. 
وردد المعتصمون الأناشيد الوطنية، مطالبين بـ"تشكيل حكومة مستقلين غير سياسية"، وقطع محتجون في حاصبيا  الطريق الدولية التي تربط البقاع بالجنوب عند نقطة سوق الخان، بالسيارات.
كما حصلت إشكالات بين القوى الأمنية والمحتجين على جسر الرينغ بعد أن جلب أحد الشبان قنينة غاز إلى وسط الطريق لمحاولة حرق نفسه ما أدى إلى محاصرته من قبل عناصر قوى الأمن، وتعرضه لإغماء لكنه ما لبث أن استعاد وعيه.
وعلى الجانب الآخر من الجسر، حاول شاب إحراق نفسه وسكب مادة البنزين على جسده فهرع إليه المتظاهرون وسارعوا الى رشه بالماء لكنه حاول الوصول الى إحدى الحاويات المشتعلة للإمعان في إشعال جسده إلا أن محاولات المحتجين وبعض العناصر الأمنية حالت دون ذلك ليتم إنقاذه أخيراً.
كما تم قطع طريق المطار بالدواليب المشتعلة لبعض الوقت.
 
تصعيد الاحتجاج
وفي جنوب لبنان، نظم طلاب من الجامعات والثانويات الرسمية والخاصة في النبطية،، تجمعا في حي الجامعات، تحت شعار "بيحقلنا نضوي مستقبلنا"، رفعوا خلاله الأعلام اللبنانية، وبُثت الأناشيد الحماسية، ثم انطلقوا في مسيرة جابت شوارع النبطية، وصولا الى سرايا النبطية، وسط إجراءات أمنية اتخذتها وحدات من قوى الامن الداخلي. وفي عكار صعد المحتجون في مختلف المناطق من حلبا الى العبدة والمحمرة والبحصة، حركتهم الاحتجاجية، وقطعوا العديد من الطرق الرئيسة بالأتربة.
كما أن الشح في مادتي المازوت والغاز ازداد في القضاء، ما دفع بأصحاب "الفانات" من مختلف المناطق، إلى قطع طريق عام دير دلوم - العبدة.
 
مياه راكدة
وفي خطٍ متوازٍ مع غضب الشارع من عدم إحراز تقدم في مساعي تشكيل الحكومة، علمت "الصباح" أن المعاون السياسي للرئيس بري ووزير المال في حكومة الاعمال علي حسن الخليل قد التقى رئيس الحكومة المكلف حسان دياب في منزل الأخير،  مساء الثلاثاء، في لقاء مطول استغرق زهاء الثلاث ساعات. وتشير المعلومات الى أن الوزير  الخليل، زار حسان موفداً من رئيس مجلس النواب نبيه بري، للتباحث في كيفية تحريك مياه التشكيل الراكدة.
ونقل الخليل الى دياب تطمينات بري بانه "لا يريد إنهاء مهمته قبل البدء بها"، داعياً إيّاه الى القبول بتشكيل حكومة قوامها 24 وزيراً  بدلاً  من تشكيلة الـ 18 وزيراً ليصار من خلال ذلك استيعاب بعض الوزراء .
و"في المعلومات التي تسرّبت انّ دياب، عدّ مطلب الرئيس بري "إنهاء لمهمته قبل أن تبدأ"، مؤكداً انه سجّل موقفاً ثابتاً ممّا هو مطروح اليوم، وليس من السهل التراجع عمّا تعهّد به امام اللبنانيين جميعاً، وانّ الخروج من هذا الموقف وتَجاوزه سيعدّ خروجاً على التزاماته التي يعتقد انها من العناصر التي يمكن ان توحي بالثقة للبنانيين والخارج والجهات المانحة من دول ومؤسسات" وفقاً لـ"الجمهورية".
كما أن لقاء رئيس التيار الوطني الحر الوزير جبران باسيل ورئيس مجلس النواب نبيه بري، يوم الثلاثاء، كان للتداول في مقاربة معضلة تشكيل الحكومة بعد التصريحات التي أطلقها بري مؤخرا بعدم المشاركة.
 
انتخابات مبكرة
رئيس حزب القوات اللبنانية، سمير جعجع، طالب بالركون الى انتخابات مبكرة للخروج من عنق الزجاجة، مشدداً على أن المخرج الوحيد للأزمة القائمة في لبنان هو في انتخابات نيابية مبكرة "بعد أن فشلت الأكثرية الحاكمة في إيجاد الحلول"، قائلاً: إن الأكثرية الحاكمة "لا تعرف كيف تحكم، ولا تدع الآخرين أن يحكموا، والناس عالقة في المشكل".
وكان رئيس حزب "القوات اللبنانية" قد التقى، في معراب، السفير البريطاني كريس رامبلنغ، في حضور مستشار رئيس "القوات" لشؤون العلاقات الخارجية إيلي خوري ورئيس جهاز العلاقات الخارجية الدكتور إيلي الهندي، وتباحث المجتمعون في آخر التطورات على الصعيدين المحلي والإقليمي.
كما استقبل جعجع ممثل الأمين العام للأمم المتحدة في لبنان يان كوبيتش، بحضور خوري والهندي، وتباحث المجتمعون في آخر المستجدات السياسية والاقتصادية والمالية في البلاد.
 
تصريف أعمال
من جهته أكّد رئيس الحكومة المستقيل، سعد الحريري، أنّه ثمة رئيس مكلّف هو حسان دياب، ومهمته تأليف الحكومة مع الذين سمّوه.
وأضاف "منذ تقديم استقالتي وأنا أصرّف الأعمال، وسنعمل أكثر، والأساس هو تأليف الحكومة". ونوه بأن "لتصريف الأعمال صلاحيات عدّة، ونحن نستخدم صلاحياتنا ضمن المعقول، وهناك بعض الامور لا يمكن إقرارها في ظل حكومة تصريف الأعمال"، مؤكداً أنّه "يجب حلّ الأمور وفق الدستور، وسأتحدث مع الرئيس نبيه بري بخصوص جلسة الموازنة، وأكيد سألتقيه".
وختم: "هم يعرقلون ويتّهمونني بأنّني أعرقل. يجب وضع الخلافات جانباً واختيار الوزير المتخصّص في مكانه".
وكان رئيس "حزب التوحيد العربي" وئام وهاب، قد اتهم الحريري بعدم تحمل مسؤولياته كرئيس حكومة تصريف أعمال قائلاً: ان "رئيس حكومة تصريف الأعمال سعد الحريري لن يُصرّف أعمالا إلّا بالحد الأدنى، والبعض يتصرّف كأنّ الأمور على خير ما يرام ويناور".
وأفاد في تعليق على مواقع التواصل الاجتماعي، على أنّ "البعض لديه حنين للحريري"، مشددا على أنّ "الناس كفرت،         و"حزب الله" مطالب بالتدخل للتشكيل". وأوضح أنّ "فوضى، لا قرار، والانهيار مستمر. هل تنتظرون غضب الناس؟ إذا بقينا هكذا، هو آتٍ 
وبقوّة".
 
أسوأ مرحلة
الى ذلك اعتبر نائب رئيس المجلس التنفيذي في "حزب الله" الشيخ علي دعموش، في حفل أقامه "حزب الله في الضاحية الجنوبية" إننا في لبنان نمر في أسوأ مرحلة، والوضع الاقتصادي والمالي ‏والمعيشي من سيئ الى أسوأ، والبلد بات على حافة الانهيار، وبتنا في ‏لحظة حرجة وحساسة على مستوى كل الوطن، والناس تصرخ ولم تعد تحتمل الوضع السيئ الذي وصلت اليه".
ولفت الى ان "مستوى الأزمة وحجم المأزق الذي وصلت اليه القوى السياسية في البلد، يتطلب من الجميع الابتعاد عن التعقيدات والانقسامات والمناورات، والتخلي عن الكيديات وتصفية الحسابات، والارتقاء الى مستوى المسؤولية الوطنية وليس الهروب من تحمل ‏المسؤولية، والاسراع في تشكيل الحكومة".
وختم بالقول: "نحن في "حزب الله" قدمنا جميع التسهيلات وما زلنا نقدم كل ‏ما هو مطلوب من اجل ولادة حكومة انقاذية منسجمة وفاعلة، ولا نبحث ‏عن حصص او امتيازات وانما نبحث عن كيفية وقف الانهيار وانقاذ البلد، ونخشى ان لم يتم التفاهم على تشكيل الحكومة عاجلا أن نخسر الفرصة المتاحة ونذهب الى المجهول والفوضى وهذا ليس فيه مصلحة لأحد".
 
الغضب الساطع
في السياق نفسه أشار الوزير السابق مروان شربل، إلى أنّ "الآن شعر المسؤولون أنّ الغضب الساطع آتٍ، وسيطلبون الرحمة من الشعب قريبا"، مركزا على أنه "قريبا ستكون هناك حكومة كما يريد الشعب، لكن عليه أن يبقى حاضرا، لأنّهم سيفشّلون الحكومة لأنّهم غير موجودين فيها".
وأوضح في حديث إذاعي امس الأربعاء "، أنّ "رئيس الحكومة المكلّف حسان دياب لن يعتذر وسيشكّل الحكومة، وإذا كانوا ينتظرون أنّ يشكّل حكومة ولا تأخذ ثقة المجلس النيابي، فسنعود إلى نقطة الصفر"، مشددا على أنه "منذ 30 عاما وهم يألفون حكومات الوفاق الوطني، الّتي قد تكون حكومة النفاق الوطني، وأوصلتنا إلى 100 مليار دولار دين عام". وأكّد أن "على الجميع التعاون للخروج من الحفرة التي أوقعونا فيها". ورأى شربل "ما يحصل على الأرض ليس ثورة، بل سلطة، فالشعب هو مصدر السلطات وفق ما ينصّ عليه الدستور. ما وصلنا إليه، لم يصل إليه أي بلد في العالم".
 
قسمة ضيزى
بدوره قال الباحث اللبناني الشيخ عباس غصن لـ"الصباح" معلقا على احتجاجات مساء الثلاثاء الصاخبة وما رافقها من أحداث" لماذا يريدون محاصرة الشعب دوماً بين (الفتنة الكبرى أو الحرب الأهلية) و(الجوع الكافر أو الفقر المدقع)؟!!!
أما من أمر بين الأمرين أو حلول أخرى؟!!!"
وأضاف "من يصرخ يسقط حكم المصرف مثير للشغب ومن يقطع الطرقات ثائر !!!
تلك إذا قسمة ضيزى كما تحاول موازين الإعلام المرتشي أن ترسمه للرأي العام مع الأسف الشديد  "
أما النائب الدكتور قاسم هاشم فقال: ان "الاعتداءات والشغب التي طالت الأملاك العامة والخاصة، وصلت الى حد التفلت من جميع القيم الأخلاقية والوطنية، ولا تخدم مصلحة الحراك الشعبي ومطالبه المحقة الحياتية، وما جرى تجاوز جميع الحدود ويجب التعاطي مع الأسلوب التخريبي بحزم وحسم، ووضع حد لجميع المتجاوزين على القانون والمعتدين على حقوق الآخرين، ولا علاقة لما جرى بمطالب وحقوق. وكان المطلوب مواجهة الغوغائية بشدة حفاظا على الاستقرار وحفاظا على نقاء وطهارة مطالب الناس، قبل أن تلوثها بعض الأيدي المشبوهة بأسلوبها ونواياها".