هل يساعد صندوق النقد الدول النفطية الأفريقيَّة الفاسدة لاكتساب مصداقيتها؟

اقتصادية 2020/01/17
...

نيل مونشي
ترجمة: شيماء ميران
إنّ تقديم القروض التي تساعد على إضفاء الشرعية لنظام استبدادي تثير قلق مجموعات حقوق الانسان. ويواجه صندوق النقد الدولي IMF مؤخرا انتقادات بشأن خطة بقيمة 280 مليون دولار معدة لإنقاذ غينيا الاستوائيّة، الدولة الصغيرة المنتجة للنفط الواقعة وسط افريقيا، بسبب ما يتهم به رئيس نظامها تيودورو أوبيانغ من فساد في مؤسسات دولته وارتكابها انتهاكات لحقوق الانسان.
يوضحIMF  أنّ خطته تتضمن أحكاما تهدف الى جعل صناعة الغاز والنفط أكثر شفافية في الدول النفطية، بينما تحذر مجاميع حقوق الانسان ومكافحة الفساد من مجازفات صندوق النقد في إقراض الضمان الى نظام لا يملك تاريخا في الاصلاحات الحقيقية، ما قد يضر بسمعته.
يقول المدير التنفيذي لمنظمة (اي جي جستيك) توتو اليكانتي: "بعد معرفة ميول هذه الدولة للفساد وانتهاك حقوق الانسان، فلا افهم كيف سيُبرر صندوق النقد الدولي انقاذه هذه الدولة باقراضها ملايين الدولارات، التي ينبغي عليهم ان يعلموا أنّها ستُهدر مرة اخرى".
ولم تكن خطة إنقاد صندوق النقد لغينيا الاستوائية الذي تمت الموافقة عليه في كانون الاول الماضي استثنائية، بل كانت الاخيرة في سلسلة خطط إقراض مشابهة وافق عليهاIMF  في وسط افريقيا خلال السنوات الاربعة الماضية. فقد تسلّمت الغابون عام 2017 خطة إنقاذ بقيمة 642 مليون دولار، وتسلّمت جمهورية الكونغو في حزيران الماضي برنامجا بقيمة 450 مليون دولار. كلا الدولتين منتجتان للنفط مثل غينيا الاستوائية، لكن عند مقارنة ارتفاع اجمالي الانتاج المحلي لكل فرد، نجد ان حالات الفساد والادارة المالية العامة المسجلة فيها قليلة. ومع ذلك اُتهمت حكومات هذه الدول الثلاث بجني الارباح من الفساد.
لقد تحدت منظمات حقوق الانسان والدائنون صندوق النقد الدولي، قبل ان يقوم بتمويل جمهورية كونغو، أن يُحقق بمنطقية تمويل حكومة متهمة باختلاس أسهم كبيرة من ايرادات نفطها، والفشل بتسديد ديونها الخاصة. كما بعثت ثماني منظمات مجتمع مدني من بينها هيومن رايتس ووتش رسالة مشتركة لصندوق النقد الدولي تطالبه بتأجيل قراره بشأن غينيا الاستوائية.
وتوضح إحدى باحثات هيومن رايتس ووتش المختصة بشؤون الفساد سارة سعدون أنّ برنامجIMF  سيكون بمثابة دلالة لمصداقية حكومة غينيا الاستوائية، ما يعني ارسال اشارات خاطئة للشركاء المحتملين عن وضع سياسة البلاد. 
 
القانون والفساد 
تقول سعدون: "سيعطيهم صندوق النقد الدولي التصريح للإصلاح وذلك يشير بشيء ما للمستثمرين، ففي دولة تكون فيها سيادة القانون والفساد هما موضوعان دائمان بالنسبة للمستثمرين، تكون تلك الاشارة ذات قيمة مهمة جدا لديهم". وقد رفض صندوق النقد الدولي التعليق، بعد تصريحه في تشرين الاول الماضي بأنّ برنامجه سيساعد على تعزيز الاستقرار المالي والتنويع الاقتصادي والشفافية والحوكمة الجيدة.
جاء "أوبيانغ" للحكم بعد الاطاحة بعمه في انقلاب عنيف، وحكم البلاد بسلطة مطلقة منذ عام 1979، فقام نظامه بحظر معظم الاحزاب المعارضة، وشاعت فيه الاعتقالات التعسفية والتعذيب والاعدامات بغير محاكم. وبعد أن اكتشفت مؤسسات النفط الاميركية اواسط تسعينيات القرن الماضي مخزونات نفط ضخمة في مياه غينيا البحرية، اصبح الانتاج النفطي يحقق لإدارة أوبيانغ مليارات الدولارات بعائدات سنوية، لكن هذه الادارة فشلت في تحسين الاحوال المعيشية لمعظم سكان غينيا الاستوائية.
وعلى الرغم من أنّ اجمالي الناتج المحلي لكل فرد في بلد تعداده السكاني مليون نسمة هو من بين الافضل في افريقيا، وأعلى من تركيا والبرازيل والصين، إلّا أن مؤشراته الاجتماعية لا تزال هي الأسوأ في العالم. 
لقد موّلت الزيادة المفاجئة للنفط مشاريع البنية التحتية الضخمة التي قدمت للبلاد افضل الشوارع الافريقية، لكن هناك سوء انفاق ايضا على مشاريع غير ضرورية كالمدن الفاخرة، وانهارت فورة البناء والاقتصاد هذه بعد انهيار اسعار النفط الخام عام 2014، الذي يوفر مجمل ايرادات الحكومة تقريبا. ولا تزال الحكومة تصرّح بعدم الحاجة الى خطة الانقاذ.
يقول وزير نفط غينيا الاستوائية وأحد ابناء الرئيس غابرييل أوبيانغ ليما: "ان غينيا الاستوائية ليست بحاجة الى 200 مليون دولار، ويمكننا تحقيق المبلغ في غضون شهرين".
 
صندوق النقد جزءٌ من المشكلة
يوضح ليما أنّ موافقة الحكومة على برنامج صندوق النقد جاءت بمثابة عمل "تضامني" مع خمسة دول أخرى في المجموعة الاقتصادية والنقدية لوسط أفريقيا التي تشترك بالعملة. وبعد انهيار اسعار النفط تأثرت معظم هذه الدول كثيرا، فبدؤوا بالحديث مع صندوق النقد عام 2015 من اجل برنامج او خطة اقليمية. وكانت تشاد والكاميرون وجمهورية افريقيا الوسطى قد تسلّمت دعما في السنوات الاربع الماضية. ويرفض ليما انتقاد منظمات حقوق الانسان الدولية الموجهة للنظام في بلاده، ويشير الى تطوير غينيا لعلاقاتها مع المؤسسات الدولية وهذا يثبت تغيّر بلاده.
يقول ليما: "إنّهم يعطون الدلالة لتطور البلاد، ولدينا اتفاقية بالفعل مع صندوق النقد وكذلك مع البنك الدولي. فكيف اذن لا ترغب هذه المؤسسات بقراءة او احترام تقرير المنظمات الدولية؟".
ويرى منتقدو النظام أّنّ صندوق النقد والبنك الدولي جزءا من المشكلة، مدعين ان تعاملهم مع الحكومة يضفي الشرعية على الجرائم الاقتصادية التي يرتكبها عدد من افراد أسرة الرئيس، كابنه مثلاً تيودورو نغويما أوبيانغ مانجو الذي يشغل منصب نائب الرئيس.
وقد أدان قاض فرنسي عام 2017 نائب القائد المشهور باسم تيودورين بتهمة سحب المدفوعات من المستثمرين لتمويل أسلوب حياة الرفاهية العالمية من خلال اقتنائه مجموعة كبيرة من اليخوت وسيارات السباق والقصور والاعمال الفنية الراقية.
يقول احد مؤسسي منظمة الشاهد العالمي سايمون تايلور: "لماذا يتم انقاذ حكومة عنيفة وسارقة باموال عامة يمكن تغطيتها بلمح البصر ببيع تيودورين لبعض سيارته في فرنسا؟". ومن الجدير بالذكر أنّ منظمة شاهد العالمي هي منظمة غير حكومية دولية تعمل على كسر الروابط بين استغلال الموارد الطبيعية والفساد وانتهاكات حقوق الإنسان. 
عن مجلة اوزي الاميركية