[I]
تقوم الآيديولوجيا المجتمعيَّة على الفهم الخاصّ بمفهوم الآيديولوجيا عند أربعة مستويات مختلفة، وفي الوقت نفسه، تتوفَّر على وحدة منطقيَّة فيما بينها. يتضمَّنُ المستوى الأول من المفهوم الكذبَ؛ ومحاولات تزييف الحقائق بوصفها تطابقاً مع الواقع الواقعيِّ الملموس، من جهة، كما يتضمَّنُ هذا المستوى محاولات حجب الجوانب، والأجزاء، الأخرى التي من شأن الحقيقة- الواقع الذي يتطابق. كما يشتمل المستوى الثَّاني من المفهوم على القلبِ؛ أي قلب التطابق الذي من شأن مفهوم الحقيقة على نحو بحيث تبدو، فيه، وبه، الحقيقةُ المقلوبةُ الحقيقةَ. وأيضاً، يقع مفهوم الحقيقة، تلك التي تعتبرها الأكثرية كذلك، داخل المستوى الثَّالث لمفهوم الآيديولوجيا المجتمعيَّة.
ومن جهة أن لا حقيقة إلّا بوصفها تاريخيَّةً Historical، ومن جهة أنها لا يمكن أن تكون تاريخيَّةً إلّا لأنّها فُهمت عَبرَ المؤرخين، على هذا النحو أو ذاك، فإنَّ الحقيقة التاريخيَّة Historiological إنَّما هي تمثّل المستوى الرَّابع من مفهوم الآيديولوجيا المجتمعيَّة.
[II]
ومن أجل ألّا نقع داخل التَصوُّر الماركسي لمفهوم الآيديولوجيا، ومن حيثُ أنَّ المفهومَ، أيَّ مفهومٍ، لا يمكن أن يكون إلّا بوصفه كُلاًّ، فإنَّ ما يمكن أن يُتساءلَ عنه ضمن المستويات الأربعة للمفهوم، اِنطلاقاً من [المجتمعيِّ] إنَّما هو المؤسسة المجتمعيَّة بوصفها، دائماً قَبْلِيَّاً، مؤسسةً آيديولوجيةً، على هذا النحو أو ذاك.
[III]
ولكن، ما علاقة ذلك بقوة الجماهير من حيثُ أنَّها حركة مجتمعيَّة ذاهبة، [في- كُلِّ- مَرَّةٍ]، نحو اِنتزاع الاِعتراف بها، ضمن أدوات الديموقراطية؟ في الحقيقة، لا تختلف الحركات المجتمعيَّة، كما تَصوُّر ذلك الأستاذ «آلان تورين»، بالأهداف والغايات، والوسائل، بل إنَّها تختلف في ما هو أكثر عمقاً من ذلك. إنَّ الحركات المجتمعيَّة، متى أُخذت من جذرها العميق، تختلف عن بعضها البعض، بواسطة مفهوم الحقيقة.
[IV]
وحينما يُصبح مفهوم الحقيقة مفهوماً يُصاغ من جديد، دائماً، و[في- كُلِّ- مَرَّةٍ]، ومن أجل أنَّه، ضمن عصر العالَميَّة، والديموقراطية وحقوق الإنسان، في طور من التغيّر والتحوّل والتبدّل الدائم، من جهة الواقع المجتمعيِّ، من جهة أولى، ومن جهة الواقع المُضاف (الإعلام، أو وسائل التواصل، أو الألعاب الإلكترونية)، من جهة ثانية، ومن جهة تلاعب السلطة التاريخيَّة (الدينية، أو السياسية) به، من جهة ثالثة، فإنَّ الحركة المجتمعيَّة، مهما كانت، وحيثما كانت، ومتى ما كانت، إنَّما هي حركة مجتمعيَّة تتضمَّنُ التغيّر الدائم في ماهيَّتها العميقة.
[V]
بَيْدَ أنَّهُ، وفقط لأنَّ [المجتمعيَّ] يتميَّزُ بثبات نسبي، فإنَّ وحدة مفهوم الحقيقة المجتمعيَّة يُتوفَّرُ عليها من خلال الصراع المعرفيّ- الإعلامي- السلطوي الذي حول مضمونها، ومنظورها المعرفيَّيْن.
[VI]
فكيف يتمُّ، بالانطلاق مما ذُكر أعلاه، توظيف الرأسمال الآيديولوجي ضمن مفهوم الحقيقة، وإعادة تحديد- بناء- وإنتاجه، في كل حركة مجتمعيَّة، منذ أولها إلى آخِرها؟
إنَّ ذلك يتمُّ بواسطة العودة إلى الرُّوح الشعبية، والتطابق مع الواقع المجتمعيِّ، عَبرَ أساليب وأدوات وتقنيات المعرفة العادية- العامَّة، بالاِنطلاق مما يأتي:
-Iتزييف [المجتمعيِّ] والاِنتقال به إلى مستوى اِختزاله في جزء منه، ووضع هذا الجزء محل الكل.
II- اِستبدال السبب بالنتيجة، والنتيجة بالسبب. ووضع الحركة المجتمعيَّة، بعد أن كانت نتيجةً، محلَّ السبب.
III- اِحتكار الفهم، واِستبعاد كل ضروب الفهم التي تهدد ماهيته بالاِنهيار.
IV- بناء، وتحديد، وإنتاج تغيُّرٍ مجتمعيٍّ مزيَّف على نحو بحيث يتناسب مع الآيديولوجيا المجتمعيَّة التي تتوفَّر على ثبات نسبي لا يعارض ضروب التزييف هذه.
[VII]
...ولكن، متى عاد العقلُ إلى سيادته على الفهم، ومتى ما توفَّر [المجتمعيُّ] على ثورةِ وعيٍ تنتج عن اِنتمائه لـ [العالميَّةِ]، وحينما تكون المؤسسة المجتمعيَّة المتمثلة في السلطة (سياسيَّاً، ودينيَّاً) قد وَظَّفت كل أدواتها، وأساليبها، في تزييف [المجتمعيِّ]، وفي اِختزاله؛ وهناك، حينما تكون الحركة المجتمعيَّة ذاهبة إلى إعادة بناء الذَّات المجتمعيَّة، لا الهَويَّة المجتمعيَّة، نكون أمام قوة جماهيرية لا يمكن أن تقف في وجهها كل عقبات التغيُّر المجتمعيِّ، في بِنيَة الثقافة، وبِنية الاِقتصاد، وبِنية السياسة.