(إنّ نظريتنا في هذا الكتاب التي سنحاول تتبع أسسها في الفكر الغربي، نرى فيها بأن أصول الإساءة والتشويه هي مقدمة للقادم من التغيير الذي يخفي وراءه من مقصديات التدمير الذاتي للهوية ويضع للقادم من الأيام الانحرافات في داخل الفكر الشرق أوسطي المسلم من أجل إبعاده عن أصالته...).
هكذا يضع مؤلف كتاب ( لماذا الرسول، الصورة ــ الذاكرة ــ التشويه / قصدية الإساءة في الثقافة الغربية) أ.د. محمد كريم الساعدي منطوقا لكتابه الصادر حديثاً من ثلاث دور نشر مشتركة في سوريا والعراق 2019 .
احتوى الكتاب المؤلف من (238) صفحة من القطع المتوسط، على مقدمة وستة فصول، تناولت مسألة الإساءة الى الرسول الكريم محمد (ص) وقصديتها في المنجز الفكري الفلسفي الغربي، ومحاولة تتبع خيوط الإساءة والتشويه الصادرة من مركزية الفكر الغربي ودوائره المظللة للتاريخ الحديث، إذ طرح المؤلف في مقدمته، وعبر مراجعاته، إلى أن فكرة التشويه هي قانون وضع منذ زمن بعيد يرجع الى ظهور الإسلام بوصفه قوة مهمة في الخريطة العالمية، وما دراسات الاستشراق وحركات الاستشراق التي تعود الى قبل 800 سنة وما قبلها من محاولات لإخضاع الشرق كانت تستهدف الآخر المسلم حتى وإن تبدلت هذه الصفات بين الغرب والشرق.
تطرق الفصل الأول من الكتاب الى مجمل مصطلحات كانت بوابة ظاهرتي التشويه والإساءة، وبالتالي تشكيل مفاهيمها ودلالاتها المعرفية، وهي الصورة والذاكرة والتشويه والقصدية، ليخلص المؤلف، عبر البحث عن جذور هذه المصطلحات، الى أن الآخر في الفكر الغربي عمد الى تحريف الحقائق حتى تتوافق مع الأهداف الخاصة، وليست ما يرتبط بصورة واقعية مع الموضوع الحقيقي والواقعي.
وجاء الفصل الثاني تحت عنوان (الاشتغال الثقافي للصورة، حضورية الخطاب المهيمن) إذ تعد الصورة من أهم مميزات الحضور في تشكيل الخطاب بوصفها ظهوراً آنياً، ولما لها من أثر في البناء المهيمن في الذهن البشري. من هنا فالصورة، بحسب المؤلف (تعني الخطاب بوصفها مفهوماً له دلالات ويخفي في داخله أنساقاً مختلفة، والصورة تشير إلى الهيمنة ونتلمس من خلالها المخفي والمهمش).
(الذاكرة وتفعيل الحضور الميتافيزيقي) هو عنوان الفصل الثالث، افتتح فيه المؤلف كلامه (إن أغلب الفلسفات التي بحثت في ما بعد الحداثة استندت الى تفكيك الحضور الميتافيزيقي في الذاكرة الغربية الجمعية، التي كانت قائمة على أساس نوايا اللوغوس الغربي حول كيفية تكوين ثقافة كونية يقودها العقل الغربي وتكون فيه الثقافات الأخرى مجرد محاكية ومقلدة للحضارة الغربية)ص(83).
ليذهب المؤلف الى الجذور النابتة التي تشكل مرجعية الخطاب الغربي ومرتكزاته الثقافية عبر تحولها الى سلطة بمؤسساتها المختلفة، ذلك أن ( طبيعة النتاجات الثقافية ذات القصدية في الإساءة والتشويه لايمكن أن نفصلها عن واقعها وبيئتها، لذلك فإن القراءة التاريخانية لهذه النتاجات الثقافية تتطلب قراءتها ضمن سياقها والتركيز على التاريخ الأدبي والثقافي والانفتاح على تاريخ الأفكار التي كانت تعبر عنها آيديلوجيا السلطة أو الفئة الحاكمة أو الطبقة الحاكمة) ص(105).
أهم المعوقات التى حاول العقل الغربي مواجهتها ومحاربتها دون هوادة، التي تمثلها طموحات الأمم الأخرى التي كانت تتنافس معها في قيادة العالم، هو محتوى الفصل الرابع من الكتاب، الذي جاء تحت عنوان ( الفكر الغربي ومرجعيات تشكيل صور الإساءة والتشويه لشخص الرسول محمد (ص)، متتبعا فيها المؤلف صور التشويه في خرائطها الأولى عبر أبنائها من اليونان ثم الرومان ثم الدول المسيحية والحروب الصليبية وعصر التنوير والفتوحات الأوروبية). يكاد يجزم المؤلف من أن كل شيء مقصود في المنظومة الثقافية الغربية وأنساقها الفكرية والثقافية، وهذه الأمور الإقصائية أصبحت من الأمور الثابتة التي يقوم عليها الآخر المغاير ثقافياً واجتماعياً ودينياً، عبر تجذير هذه الثقافة الإقصائية والصور التشويهية منذ بداياتها الأولى عبر إسهامات الفلاسفة في اليونان في إرساء لبناتها الأولى، في الإشارة الى أن الشعوب الشرقية ذات بعد شهواني غير شجاع يعيش تحت نير السلطة الدينية التي جعلتهم خاضعين لأمور غيبية وفي ركود معرفي بعيد عن ساحة الحضارة
العالمية.