في مَسْاراتِ التعبِّد، على بُعدِ مَتاهةٍ مِن التَّفكِّرِ
تَتلَبَسُكَ الجذورُ غائبةً، تَتوارى عندَ صحراءِ
التأمّل.
وأنا أَمضيَ على ضِفافِ أنهارِ الكلمات
بَحثاً عن لغةٍ أشتهيها، لِتكونَ قاموسَكَ
لِكتابةِ مَصيرَينا.
أنتَ التَّائهُ .. وأنا الباحِثُ
هذا صَبْاحُ القَولِ مُتخَفيَّاً يَطْرقُ الأبْوابَ
ويَتْركُ بابْي
يَخْشى أسْئِلَتي
ويَهْربُ مِن صَحْرائِك.
الكلماتُ دمُنا المُراقُ، واللغةُ أّمُّنا التي
وَهبَت دَمَ سَعْادتِها للتاريخ
أنصِفْني أيُّها الحَكيمُ الذي أسَميكَ فَجْراً
ولا تَتَجَنّى على قَريني الذي يَراكَ مَسْاءْ.
(2)
لأنَّه المَصيرُ مُحْتَفياً بلاءاتنا
والغرقُ يأخِذُنا عَلى كَفِّ الحيرَةِ
تُغادِرُنا أحْلامُ الفراشْاتِ
ماءٌ أُجْاجٌ ذاك الذي تُتَرجِمُه الذّاكِرةُ عَسَلاً
ريحٌ صَرْصَرٌ هذي التي أوِّلَت شَجَرةً
تُغذّي العَصافيرَ بالغِناء.
لَنا الحِكْمَةُ أمكِنةً؛ وللسَماءِ السُّحابات
فلا تَدسّي النداءاتَ في أوْحالِ البَلاهَة
لا تُفتِّتي قولاً يُمطرُ استفهاماتٍ
ويَخرِجُ مُمَزَّقَ الثّياب.
تَفكيكُ الغَيبِ إدْراكُ المُستَحيل
فالحياةُ نُعرِّفُها عَجَلةً
والعَرَبةُ لا تَتَوَقَّف.
بِغَيرِ الرَّغْبةِ في الإيغالِ بِجَسِدِ الأسْئِلةِ
يُدينُنا الحَكيمُ
وتغدو المَحَطاتُ حبّاتِ رَمْلٍ تَعيشُ المَتاهات.
(3)
أيَّتُها الحِكْمَةُ،
ازْرَعي شَمسَكِ في صَدْري
ضَيِّعي مَفاتنَكِ في أزقَّةِ روْحي
طبولُ فردوسِكِ تقرعُ؛ أسمَعُها على مَقرُبةٍ
فلا تَجْعَلي العُزلَةَ ألماً يَجتَرحُ أرخبيلات
الشِّعرِ.
مِنْ أَسئِلَتْي بَنيتُ داراً بابُهُ: حاتَمُ الطّائي
ونَوافِذُه: عيونُ زَرْقاء اليَمامَة.
أنشِدُ ضُيوفَ الأحْلامِ الغارِقين في بِئْرْ التَّأمُلِ
فَهذا العالمُ، يا إجاباتي الفاتِنةُ التي أرْتجيها،
كَواكب تَمحو العُزلَةً، يُطلُّ مِن شُرفَةِ زَمَنٍ
يَسيرُ بِلا اكْتِراث.
إلى أينَ أيُّها الضّيوفُ؟ وما أنتِ أيَّتُها الأحْلام؟
العُزْلَةُ تَستَجيرُ بالكَواكِب؛ والكَواكِبُ تَسْفَحُ جَذْوتَها
فَتَغْرقُ في صحراءِ المُسْتَحيل.
ولَيْسَ لي ولَكَ يا قَرينْي غَير احتِضْانِ الكَلِمْات.
لَيْسَ لَنا غَير سَريرِ اللُغَةِ
نَغْفو على وَثيرِ وَهمِها؛
نَتَوَسَّدُ مُناغاتِها،
وَنَنام.