واجهة حضاريَّة لمجتمعٍ راقٍ

العراق 2020/01/20
...

بغداد/ محمد اسماعيل
تصوير/ محمد احسان
تناظراً مع بوابة نصب الشهيد، يفترش المعهد العالي للتطوير الأمني والإداري في وزارة الداخليَّة، شارع فلسطين.. نقطة إشعاع تنير وسط بغداد بالطمأنينة، من خلال إعداد ملاكات متقدمة في "علم وفن وخدمة ورياضة" مواجهة الجريمة ونشر الأمان، مكفولاً بالقانون وهمة رجال مؤمنين بالله ولاءً للوطن ومواظبة على أداء المهمة بإخلاص متفان في إسعاد الناس.
قال عميد المعهد الفريق الحقوقي أحمد طه أبو رغيف: "المعهد العالي للتطوير الأمني والإداري، مؤسسة تدريبيَّة تليق بمستوى المهام المكلفة بها"، مؤكداً "لحظة تكليفنا بعمادته أعدنا تأهيل البنايات والصفوف والمستلزمات التي يحتاجها الطالب؛ كي تسلح الطالب بعلمٍ متطور في مكافحة الجريمة ميدانياً، بقدرات ذهنيَّة وبدنيَّة 
فائقة".
وأضاف: "الملاكات التدريسيَّة والتدريبيَّة في المعهد تتمتع بكفاءة عالية في تطبيق المناهج التي واكبنا من خلالها أحدث تطورات العالم في هذا المجال"، متابعاً: "القبول وفق احتياجات الوزارة؛ لذلك فاللجان المعنيَّة تضم ممثلين عن دوائر وزارة الداخليَّة كافة؛ كي يتخرج في المعهد ضباط يتمتعون بمستوى مهني وطني لائق بالشارع العراقي، ففضلاً عن التفاصيل المنهجيَّة التخصصيَّة، ثمة دروس تطبيقيَّة مهمة، في اللياقة الاجتماعيَّة – الاتكيت". 
 
ضباط ناشئون
صباح مشرق بشمس شتائيَّة شفيفة، على كراديس وفصائل وسرايا من طلبة أكاديميَّة الشرطة المتأهبين للانتشار في مفاصل الوطن ذوداً عن حماه بعد التخرج، قطعنا سيراً الى جانبهم المسافة الفاصلة بين مكتب الفريق أبو رغيف ومدير مركز البحوث والدراسات في المعهد العميد الدكتور أحمد عبد الحسين ثاني، الذي بيّن: "تلافياً للخلل الذي يمكن أنْ يقع نتيجة زخم المشكلات المتدفقة من قطاعات عمل وزارة الداخليَّة، ارتأت هيأة الرأي فيها، تحصين منتسبي تشكيلاتها، بمركز بحوث تابع للمعهد العالي للتطوير الأمني والإداري؛ كونه أعلى مؤسسة تعليميَّة في الوزارة تضم تخصصات نابعة من جوهر العمل الأمني والاجتماعي والنفسي والتربوي والإداري والإعلامي والاقتصادي وإدارة الجودة والتخطيط الستراتيجي، وتخصصات أخرى مقاربة كالفيزياء والكيمياء والبايلوجيا، كلها تصب في خدمة العراق والشعب"، 
مشيراً الى أنَّ "المركز يعنى بإيجاد الحلول للمعوقات التي تعترض أداء تشكيلات وزارة الداخليَّة، وصولاً الى تحقيق توازن في المجتمع، كالمخدرات والاتجار بالأعضاء البشريَّة والخطف والسرقة وسواها، وفق منهج علمي رصين، قائم على إحصائيات ومسوحات ميدانيَّة، 
تشمل العراق كله".
 
بانوراما المكان
تكتظ فضاءات المعهد العالي للتطوير الأمني والإداري بعمل متواصل من جهات عدة، بناء في ركن وتمارين عسكريَّة في ساحة ورياضة في ملعب ودروس في صف يتوزع المكان بانورامياً مثل لوحة واقعيَّة فطرتها الطبيعة، بينما لفت معاون العميد للشؤون العلميَّة العميد د. عمار جاسم هاشم: "يقوم المعهد على فلسفة تربويَّة لتنمية قدرات الضباط في شؤون الإدارة والتحقيق الجنائي وعلوم الأمن والاستخبارات ودورات تأهيليَّة في ما تحتاجه الوزارة لإدامة عملها 
والترقيات".
مدير العلاقات والإعلام الرائد عباس عبد فريح، رافق رحلتنا منذ لفحة برد البحيرة المحيطة بنصب الشهيد، ونحن نترجل في شارع فلسطين عند بوابة أكاديميَّة الشرطة، داخلين المعهد صباحاً، حتى لَفَحَ شعاع الشمس وجوهنا بالدفء، متنقلين بين أرجاء "العالي للتطوير الأمني والإداري"، أفاد الرائد فريح: "تأسس المعهد سنة 1979 لإعداد وتأهيل الضباط، منقسماً بين الشهادات الجامعيَّة الأوليَّة والعليا، ليتخرجوا ضباطاً في الشرطة".
منوهاً "تخرجت فيه دورات لإعداد المدنيين كي ينصبوا ضباطاً، فضلاً عن ضباط وقادة تصقل قابلياتهم التخصصيَّة لتطويعها في العمل الميداني، وصولاً الى الحال المثلى في الدول المتقدمة أمنياً".
أوضح "يتوزع بين أقسام علميَّة وإداريَّة تتألف من الجنائيَّة والمختبرات وتكنولوجيا المعلومات واللغات والتطويريَّة والمستمرة والترقية، ودراسات عليا ومكتبات"، مفصلاً "لقسم الدراسات العليا أهميَّة قصوى في عمل المعهد العالي للتطوير الأمني والإداري، منظماً دورات للضباط برتبة نقيب فصعوداً.. كلٌ حسب اختصاصه، القانون الجنائي والإعلام الأمني والإدارة الأمنيَّة وتقنيات المعلومات وعلم النفس الجنائي، وفي البال فتح فروعٍ أخرى لاحقاً تشمل علوم التجسس النائي والسياسة الدوليَّة وسواهما، الدراسة سنة واحدة بالتنسيق مع وزارة التعليم العالي والبحث العلمي؛ يمنح المتخرجون في المعهد شهادة دبلوم عال في علوم قوى الأمن الداخلي.. كلٌ في
تخصصه".
استطرد مدير الإعلام الرائد عباس: "قسم الدراسات التأهيليَّة يخضع الطالب المدني لبرنامج تدريبي مدة تسعة أشهر، يشمل المشاة والسلاح وعمليات الشرطة والميادين العنيفة والرماية الالكترونيَّة والميدانيَّة وركوب الخيل والسباحة والطب العدلي والمتفجرات"، مستفيضاً "يحاضر فيه رؤساء جامعات وعمداء كليات ورتب 
كبيرة".
أوضح "المعهد عبارة عن تدريع للجبهة الداخليَّة، من خلال دورات تحصن الضباط مهنياً وأخلاقياً، بموازاة اختصاصاتهم، من حيث حقوق الإنسان والاتيكيت"، مشيرا الى أنَّ "الدورات تختتم باستبيان عما أفاده المتخرج فيها، وهناك خططٌ مستقبليَّة، وتوأمة مع جامعتي "نايف" السعوديَّة و"القاهرة" الأمنيتين، وبعثنا ستة طلبة لإكمال دراساتهم العليا في علوم قوى الأمن الداخلي، سيستفيد منهم المعهد في التطور المستمر 
موسوعياً".
 
إعلام أمني
لا أظن صديقي الدكتور أحمد مطشر، أوسم نقيب في الشرطة العراقيَّة، لكنه جزءٌ من كرم أصالة المنظومة الأمنيَّة العراقيَّة الخلوق.. قال الدكتور مطشر (من القسم الإعلامي في الداخليَّة): "المعهد العالي للتطوير الأمني والإداري مؤسسة أكاديميَّة وعلميَّة وأمنيَّة دقيقة، تزود المكتبات في مفاصل الوزارة بأحدث البحوث".
موضحاً "ألقي محاضرات من واقع تجربتي في الإعلام الأمني، وأقوم بحوث الدبلوم العالي علمياً وأشرف على بحوث تخصصيَّة ورأست واشتركت في لجان مناقشة علميَّة للرسائل والأطاريح، ساعين الى تطويع الأفكار في الأداء الميادني لقطاعات الشرطة في الحياة اليوميَّة للشعب".
أضاف د. أحمد: "بالمقابل نعمل وفق خططٍ مدروسة لتوعية المواطن في آليات التفاهم مع الشرطة؛ لإنشاء مجتمع حضاري رفيع، محصن بالضد من الغزو الإعلامي المعادي للعراق وتقاليد مجتمعنا الراسخة، وذلك بالتعاون مع قسم الرصد والإشاعة والتوجيه، بالتشاور مع قسم البحوث
والدراسات".
 
صداقات مفاجئة
أتجول برفقة العميد د. أحمد عبد الحسين ثاني والرائد عباس عبد فريح، بين أجنحة المعهد وأروقته وممراته المؤدية الى حدائق وقاعات دراسيَّة وفضاءات مفتوحة ومكاتب يطل منها أصدقاء إعلاميون يبدو أنهم انخرطوا في سلك الشرطة، إذ فاجأني مسؤول قسم الدراسات العليا الدكتور إسماعيل علوان عبيد: "إيش جابك إهنا أبو حيدر" متحدثاً عن عمل القسم: "يمنح المعهد دبلوماً عالياً بموجب نظامه الداخلي رقم 10 لسنة 1979، في التخصصات التي تحتاجها وزارة الداخليَّة، بالتوأمة مع جامعات وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، في التخصصات المناظرة لدراسات المعهد عملياً ونظرياً، حسب التوقيتات والمناهج المقرة من "التعليم العالي" وكل طالب ينهي دراسته ببحث ميداني لحل مشكلة تعانيها دائرته".
 
أساتذة وطالب
تربعت في مكتب د. إسماعيل، والعميد د. ثنيان، يجيئني بدفق من أساتذة محاضرين في المعهد، بينهم طالب واحد.
شدد أ. د. يحيى ياسين سعود، من كليَّة قانون الجامعة المستنصريَّة: "تنظيم منهجي عال يعطي الطالب شهادة باستحقاق؛ ما حفز في الطلبة روح المواظبة، محاولين استحصال المعلومة استقصائياً، إنهم مشاريع باحثين" تضافراً مع د. نور حمزة حسين، من الكليَّة ذاتها: "شاركت في عضويَّة لجنة مناقشة بحث (الهجرة غير الشرعيَّة وسبل الحد منها) وبحوث المعهد كلها ذات قيمة تخدم المجتمع من خلال تأشير المعضلات واقتراح 
حلولها".
أعلنت د. أمل فاضل، من كليَّة قانون جامعة النهرين: "يتوازن الجانبان الأكاديمي والعملي، فهم متماسون مع القانون كل في اختصاصه، وأغلبهم من مكافحة الإرهاب" مكملة: "التخرج في هذا المعهد يرصن أداء ضباط الشرطة في حماية المجتمع وتقديم الخدمة للشعب من دون اختلالات قدر الإمكان".
لفت أ. م. د. عبد الناصر علك حافظ.. من وزارة التعليم العالي: "أعطيتهم محاضرات في إدارة الجودة، مطابقة لما يتلقاه طلبة الدراسات العليا في جامعة بغداد"، وقال: "استيعابهم عال؛ لتطابق المعلومات مع خبرتهم الميدانيَّة المتراكمة، فهم ينفذون الدروس 
عملياً". 
ختاماً قال الطالب الرائد نوماس الخالدي من إعلام شرطة بابل: "بعد اختبارات من لجان تخصصيَّة في المعهد العالي للتطوير الأمني والإداري لضباط وزارة الداخليَّة، تم قبولنا للعام الدراسي 2019 / 2020 شاملاً خمسة أصناف، منها "الإعلام الأمني" لمدة سنة، توزعت بين كورسين، حاضر فيهما رؤساء جامعات وعمداء كليات، غطوا 24 مادة، أفادتنا في عملنا كي نؤديه بكفاءة أكبر".