مدينةٌ ثريةٌ ومؤسساتٌ مُعْدمَة

ثقافة 2020/01/21
...

استطلاع/ صلاح حسن السيلاوي 
 
 
المشهد الثقافي في محافظة الديوانية واحدٌ من المشاهد الذي رفد البلاد بإبداعات متنوعة وطاقات ثقافية متعددة على مستويات كثيرة في الشعر والسرد والفن، نحاول هنا أن نفتح نافذة نطلُّ منها على مدى فاعليته وإمكانياته المعنوية المرتكزة على وجود مبدعين مؤثرين في المجتمع والقدرات المؤسساتية التي تسعى لتوفير مستلزمات دعمهم  فضلا عن البنى التحتية التي يحتاجها هذا المشهد
إبداع بلا بنى تحتية  
الشاعر معن غالب سبّاح أشار إلى حيوية ونشاط المشهد الثقافي في الديوانية قياسا الى البنى التحتية الثقافية المنهارة، لافتا الى اقامة قصر الثقافة والفنون لنشاطاته من معارض الفنون التشكيلية وورشات لتعليم الموسيقى وكتابة السيناريو وجلسات ثقافية أسبوعية بالتعاون مع اتحاد الادباء والكتاب في الديوانية، مبيّنا أن كل ذلك يقام في البناية التي أنشئت في سبعينيات القرن الماضي كدور الثقافة الجماهيرية والتي تحتوي على قاعة الحرية التي هي الان بحاجة ماسة للترميم.
وأضاف سبّاح قائلا: اما المسرح الديواني فهو فخر الديوانية وثقافتها فأهله جلّابو الجوائز الكبيرة المحلية والعربية، ومنهم المبدعان الكبير سعد هدابي و المتميز  منعم سعيد وغيرهم.
في الديوانية أربع دور سينمائيّة متهالكة حولها مالكوها الى مخازن
 ومقاهٍ ومحال.
ويبقى الشعر الديواني بجناحيه الفصيح والشعبي هو المحلق الكبير في سماء الابداع ففي الديوانية يقام سنويا مهرجان الديوانية عاصمة الدارمي، وهناك مهرجانات متوقفة بداعي التقشّف منها مهرجان نيبور ومهرجان كزار حنتوش وهناك اسماء ثقافية مبدعة يمكن الاشارة لها في المدينة ومنهم الدكتور دريد الشاروط والدكتور رحمن غركان ومعن غالب سبّاح والدكتورة ناهضة ستار والشاعر
مؤيد نجرس.
 
طاقات محبطة 
الباحث كامل داود يرى أنّ المشهد الثقافي في الديوانية ينطوي على  المحددات المتأصلة ذاتها التي تعم باقي المحافظات مع بعض الاختلافات الطفيفة المتعلقة بالخصوصية التاريخية والاجتماعية لكل محافظة، مشيرا إلى أنّ المدينة تمتلك وفرة من طاقات إبداعية متنوعة تتحلى بمقدرة انجاز ثقافي واعد ولكنها سرعان ما تحبط أمام ضيق مجالات العمل الثقافي وتجاهل القائمين على الادارة التنفيذية بل جهلهم للقيمة الإبداعية والثقافية برمتها، وقد يتعدى الأمر إلى التعامل السلبي مع الفنون بمختلف ضروبها و وضعها في زاوية التعارض مع الدين أو العرف الاجتماعي.
وأضاف داود موضحا: هذا التصور خلق تخوفا وشكوكا عند بعض من أصحاب القرار في المحافظة تجاه تعزيز مشروعية الفعل الثقافي انعكس على الاهتمام بالبنى التحتية للثقافة من قاعات ومسارح ودور سينما فضلا عن إهمال تأهيل القديم منها، فمن المؤسف مشاهدة دور السينما التي تحولت إلى مخازن للبضائع أو قاعات (للبليارد) بعد أن كانت السينما هي منهل مهم من مناهل الثقافة، حتى قاعات العروض المسرحية هي الأخرى طالها الخراب في الوقت الذي نجد فناني المسرح في الديوانية يحصدون جوائز مهمة في العراق
وخارجه .
الأنشطة الثقافية التي تقام في الديوانية هي ثمرة جهود مثقفيها لاسيما اصدقاءنا في قصر الثقافة، ولا يد للحكومة فيها، عروض مسرحية مستمرة بالامكانيات المتوفرة، ندوات وأماسٍ ثقافية أسبوعية متنوعة، قراءات شعرية وكذلك معارض للفنون التشكيلية، واستعمال (الداتشو) لتقديم الأفلام السينمائية وإن كان في قاعات صغيرة محدودة عدد المشاهدين إلّا أنّ هذا بتصوري هو إصرار على التمسك بقيم الجمال والانسانية وهو وليد ما تبقى عالقا في ذاكرة المدينة لم يتمكن التغافل الحكومي (المقصود وغير المقصود)  من ايقاف تدفقه وازدهاره.
 
اتحاد الأدباء وقصر الثقافة 
الشاعر كاظم الزيدي قال: لا أكتمك الرأي بأنّ المشهد الثقافي في الديوانية مشهد لا يلفت الانتباه، فلولا التعاون الثقافي بين اتحاد الادباء والكتاب في الديوانية مع القصر الثقافي في تقديم امسيات ثقافية اسبوعية متنوعة لرأيت جدبا
ثقافيا قد يستشري في هذه المحافظة، ففضلا عن عدم اهتمام الجمهور بالثقافة نتيجة المحاولات المتكررة من الحكومات سواء الفيدرالية منها او المحلية لتجهيل الشعب وتوجيهه بعيدا عن الثقافة والتحضر لضمان استمرار السيطرة عليه من اجل تمرير اهدافها المتعلقة في الارتباطات المشبوهة بأطراف لا تريد للعراق التقدم والازدهار، لذلك لا نجدها وخاصة الحكومات المحلية في اي منصة ثقافية وحتى بالقرب منها.
لذلك حرمنا الدعم الحكومي سواء الفيدرالي او المحلي، فلا سينمات ولا قاعات موسيقية او معاهد تهتم بها، ولا مسارح ولا قاعات للفنون التشكيلية او النحتية، لذلك في مجال السينما يناضل القصر الثقافي واتحاد الادباء باعادة التذوق السينمائي الى الجمهور عن طريق عرض سينمائي اسبوعي في قاعة القصر الثقافي ومع ذلك فالحضور
لا يبشر بخير.
وأضاف الزيدي: القصر الثقافي في الديوانية بادارة الفنان المسرحي صادق مرزوق ما زال يعمل وعلى مستويات مختلفة من اجل النهوض بالواقع الثقافي على مختلف قنواته مستعينا بالتعاون الحكومي الذي لا يرتقي الى المستوى المطلوب، وبجهود شعبية وخيرية اوجد بيت الطفل الذي راح يركز على تثقيف الطفل واعداده بعد ان فقدنا الامل في تأهيل الجيل الذي مزقته الحروب والطائفية، فأوجد مسابقات بالرسم والالقاء الشعري وعرض مسرحيات اعدت للاطفال وفتح ورش ثقافية لتعلم الرسم والعزف الموسيقي وتعلم كتابة السيناريو والمقال الصحفي، اما نشاطات الاتحاد فما زالت مشتركة مع القصر الثقافي، فما زلنا بدون مقر خاص بنا ونحن الآن نشغل غرفة من مبنى القصر ونقيم نشاطاتنا على قاعة تابعة له وقد عجزنا عن الحصول على مقر بمساعدة الحكومة المحلية،
 فما زالوا لا يعرفون اتحاد الادباء والكتاب في الديوانية الا القليل منهم، لكننا لم ولن نيأس وسنبقى ننفخ في المشهد الثقافي من ارواحنا وجهودنا حتى يكون للثقافة الدور الكبير في توجيه المواطن نحو حياة خالية من الطائفية متالقة في الوطنية
والتحضر.