حين يشكو الشعراء من الأصدقاء!

ثقافة 2020/01/21
...

حسين الصدر

 
 
- 1 -
يقول الشاعر :
لعمركَ ما مالُ الفتى بذخيرةٍ
ولكنَّ إخوانَ الصفاءِ الذخائرُ
نعم
إن الصديق الصدوق هو من أثمن الذخائر وأهمها على الإطلاق .
غنه بمنزلة الروح من البدن وكفى.
غير أنَّ الأصدقاء الأوفياء قليلون، للأسف الشديد، ولقد تطرّف بعض الشعراء فقال :
كيف أرجو مِنَ الصديقِ وفاءً
فَسَدَ الأصدقاء إلاّ الأقلُ
لم يصح الأقل أيضا فقلْ لي
هل لحّرٍ على البسيطَ خِلُّ ؟
وحين سمع المأمون قول الشاعر:
وإني لَمُشْتَاقٌ الى ظلِّ صاحبٍ
يروقُ ويصفو إنْ كدرتُ عليه
قال : من يأخذ منى الخلافة ويعطيني هذا الصاحب!
 
- 2 -
 قال أحد الشعراء شاكيا إخوانه :
لو قيل لي خُذْ أماناً
مِنْ أعظمِ الحدثانِ
لما أخذتُ أماناً
الاّ مِنَ الإخوانِ
فانظر الى هذا الشاعر وعمق ما اختزنه من أشجانه التي لم تسببها إلاّ مواقف إخوانه!
 
- 3 - 
وقال آخر :
أنّى يكون أخاً أو ذا محافظة
مَنْ كنتُ في غَيِبْه مستشعِراً وَجَلا؟
إذا تغيّب لم تبرح تظّن به
سوءاً وتسألُ عمّا قال أو فعلا
والشكوى هنا ممن يُظهر لك المودة ما دام معك حتى إذا غاب انقلب على الأعقاب!
- 4 -
وقال آخر :
كفى حزناً أنَّ الصديق اذا اقتضى
غنىً صدَّ حتى لا يُقال صديقُ
فليتَ صديقا يفسدُ المال وُدَّهُ
الى يوم يلقاه الحِمامُ مُضِيقُ
والشكوى هنا ممن يتمرد على أصدقائه بمجرد أنْ ينال شيئا من الثروة والمال، الأمر الذي يتمنى معه الشاعر لمثل ذلك الصديق أن يبقى في أضيق الأحوال حتى الموت!
 
- 5 -
وهناك شعراء لا يستطيعون أنْ يتخلوا عن مشاعرهم الطيبة ازاء أصدقائهم حتى إذا بدر من أولئك الأصدقاء ما لا يتلاءم مع قوانين الصداقة ومواثيقها.
اسمع ما قاله أحدهم في هذا الباب:
اذا رأيتُ ازوراراً من أخي ثقةٍ
ضاقت عليّ برحبِ الأرضِ أوطاني
فإن صددتُ ازوراراً كي أكافئه
فالعين غضبى وقلبي غير غضبان
ويهون غضب العين ما لم يكن القلب يفور بالغضب.
 
- 6 -
وهناك من يتظاهرون بالاخاء والوداد حتى ليظن المرء أنهم أعوانه في الشدائد والملمات .
ولكنه حين يستنجد بهم في ملّمة يجد أنهم يخذلون ولا يَنجدون :
قال الشاعر :
ومن الناس من يريك وداداً
صافياً شربهُ بلا تكديرِ
فإذا ما رأيتَه قلتَ هذا
لي ذُخْرٌ ورأسُ مالٍ كبيرِ
فإذا ما طلبتَ منه فتيلاً
لحق الودُّ باللطيف
الخبيرِ
 
- 7 -
وقال كاتب السطور في صاحب متنكر : 
تنَّكر صاحبي فيئستُ منه
وإنّ اليأس إحدى الراحتيْنِ
وكانت لي عليه يدٌ جفاها
ألَا شتّانَ ما بَيْنَ اليدينِ
 
- 8 -
وجميل قول أحدهم :
لي صديق هو عندي عوزٌ      
من سِداد لا سِداد من عوزْ
 
- 9 -
وقال ابن فضال النحوي (ت 479 هـ) شاكيا إخوانه :
وإخوانٍ حسبتُهم دروعاً
فكانوها ولكنْ للأعادي
وخِلتُهُم سهاماً صائباتٍ
فكانوها ولكنْ في فؤادي
وقالوا قد صفتْ منا قلوبٌ
لقد صدقوا ولكن عن ودادي
 
-10-
وقال آخر :
وكان أخلائي يقولون مرحباً
فلما رأوني معدماً ماتَ مرحبُ
وهكذا هم الانتهازيون في وضاعتهم!