عالية طالب
هل نسينا روادنا؟ سؤال طالما شغلني كلما ضاعت أسماء مبدعينا عن أذهان الجيل الشاب حين تسألهم من هو رائد القصة والرواية أو المؤرخ أو الشاعر والباحث، فلا يتذكرون غير السياب والجواهري، بل أحيانا، ولا أريد أن أكون متشائمة فأقول غالبا، لا يعرفون اسم أي مبدع في مجالات الفن والأدب!
الخلل مجتمعي وثقافي ومؤسساتي وحكومي، فالدولة التي لا تخلد مبدعيها بتكريم المنجز والأسماء سنويا أو دوريا، ولا تطلق أسماءهم على الشوارع والساحات والمؤسسات وقاعات الجامعات والمدارس، ولا تقيم لهم مهرجانات تحمل تلك الأسماء، ولا تزين تماثيلهم المتاحف أو المرافق العامة، ولا تعيد طبع كتبهم وتقيم احتفالا خاصا للمبادرة وتكون مؤلفاتهم متواجدة في معارض الكتب داخل وخارج العراق، هي دولة تصر على نسيان مبدعيها من الرواد وتتغافل عن أهمية دورهم الريادي التنويري والتثقيفي في مسيرة المشهد الثقافي والأدبي.
غالبا ما يحفظ الغرب عطاء مبدعيه ويجعله عصيا عن التغافل عبر الأنشطة الاستذكارية الدائمة فلا تتغافل الذاكرة عن اليوناني نيكوس كازنتزاكيس الذي تم ترشيحه لعدة جوائز عالمية، ومن أشهر أعماله، رواية "زوربا"، "الإغواء الأخير للمسيح"، "المسيح يصلب من جديد"، والفرنسي ميلان كونديرا، ومن أعماله "حفلة التفاهة"، "خفة الكائن التي لا تحتمل"، "الجهل"، والسوري أدونيس ، والتشيكي فرانز كافكا الذي نشرت معظم أعماله الأدبية بعد وفاته، ومن أشهرها رواية "القصر"، "المسخ
"المحاكمة".
وعلينا أن نسأل أجيالنا: كم واحدا منهم يعرف عبد الحق فاضل ومحمود أحمد السيد وطه باقر وعاتكة الخزرجي والشبيبي وغائب طعمة فرمان وذا النون أيوب وفؤاد التكرلي وغيرهم كثير، وكم مؤسسة واحتفالية وشارعا ومدرسة ومكتبه عامة ومسرحا حمل هذه الأسماء وغيرها كثير، وهل ما زالت كتبهم متداولة في المكتبات وفي المعارض وفي المؤسسة الثقافية الرسمية، وهل تم حفظ أرشيفهم وطبع أعمالهم الكاملة وتوثيقها لدى دار الكتب والوثائق لتكون مصدرا للباحث والدارس، وهل تمت أرشفة وطبع واقتناء أعمال المبدعين المغتربين، وما أكثرهم بفعل الواقع السياسي الطارد منذ عقود
طويلة. مبدعونا يغادرون الحياة واحدا تلو الآخر وغالبا ما عانوا الأمرّين من أجل توفير المال لطبع مؤلفاتهم، و قد مات كثير منها معهم في مخطوطات لم يقدّر لها أن ترى النور لتقاعس المؤسسة أو عائلة المبدع لأسبابهم الخاصة التي لم يسأل عنها أحد او يحاول جمع أعماله لتكون وثيقة عراقية الإبداع والمنجز تحمل بصمة الإبداع العراقي مهما تقادم
الزمن.المبدعون عملة نادرة وليس علينا أن نجعلها مهملة أو في طيّ النسيان فهي من تكمل اسم العراق حين نتحدث عنه مميزا وقادرا على انتاج العقول المبدعة جيلا بعد آخر وليس علينا أن نرتكب جريمة التغافل عن أي اسم مبدع فهو ثروة العراق ولا يحق لأحد أن ينتزعه من الذاكرة الإبداعية الجمعية.
الشعوب المتحضرة تحافظ على مواهب مواطنيها وتقدم الرعاية القصوى لهم والتسهيلات المعنوية والمادية من أجل الاستمرار بعطاء لا ينضب ولا تشطب من ذاكرتها من رحل جسمه عنها مادام عقله موجودا في نتاجات تحمل اسمه وهو ما سيبقى خالدا أبدا في سجلات التاريخ الأدبي لأي بلد من البلدان.