هل تلجأ الولايات المتحدة الى استيراد الأدويَّة من جارتها كندا؟
اقتصادية
2020/01/21
+A
-A
واشنطن - نافع ناجي
تسعى إدارة الرئيس ترامب للوفاء بتعهداتها طويلة الأمد التي سبق وأطلقها ترامب خلال حملاته الانتخابية، بتخفيض أسعار الأدوية الموصوفة من خلال برنامج السماح للولايات وكبار بائعي الأدوية والصيدليات باستيراد بعض الأدوية الرخيصة من (الجارة) كندا. لكن المسؤولين لم يتمكنوا من تحديد متى ستدخل خطة البرنامج حيز التنفيذ، وما زالت العديد من الأسئلة حول نطاقها المحتمل دون إجابة.
برنامج ومدخلات
كان الحد من ارتفاع أسعار الأدوية أولوية قصوى للرئيس قبل انطلاق سباق انتخابات العام 2020، وطالب المستشارون بمتابعة الخيارات التي عارضها منذ فترة طويلة العديد من الجمهوريين، بما في ذلك استيراد أدوية أرخص من دول أخرى واستخدام بعض الأسعار في الخارج كمعيار لبعض الأدوية في نظام الرعاية الصحية الأساسي المسمّى Medicare . وبينما سعى ترامب إلى منح الناخبين إمكانية الحصول على أدوية أرخص قبل الانتخابات، قال وزير الصحة والخدمات الإنسانية أليكس عازر للصحفيين: إنّه في حين أن الإدارة "تتحرك بأسرع ما يمكن" ، فإنّها لا تزال بحاجة إلى جمع الجمهور ومده ببيانات ومدخلات البرنامج، وانه لا يستطيع التنبّؤ بالجدول الزمني لتنفيذ الخطة.
الانطلاق من فلوريدا
وأعلن عازار هذه السياسة خلال ظهوره مع حاكم فلوريدا رون ديسانتيس، حليف ترامب، الذي سعى للحصول على موافقة فيدرالية للسماح للولاية باستيراد الأدوية الكندية لبرنامج الرعاية الطبية الحكومي. ودفع ترامب مستشاريه إلى تسريع الأمور في الوقت الذي كان يخوض فيه الناخبون في ولاية فلوريدا، وهي ولاية تعد بمثابة "ساحة معركة" لعبت دوراً رئيسياً في فوزه في العام 2016، بسبب جهود إعادة انتخابه.
وذكر عازار، "لأول مرة في التاريخ صارت بوابات HHS و FDA مفتوحة للاستيراد كوسيلة لخفض أسعار الأدوية"، في إشارة إلى تخويل إدارة هيئة الغذاء والدواء الأميركية للقيام بتوريد ماتحتاجه من الدواء الكندي. مضيفاً "لم يكن لدى أي رئيس في التاريخ لإدارة الأغذية والأدوية (FDA) استعداد لفتح الباب أمام الاستيراد الآمن للعقاقير والأدوية من كندا". مستدركاً، أنّه لا يمكنه التنبّؤ بتحديد التكاليف المحتملة لأنّه لا يعرف عدد الولايات التي قد تقدم خططًا أو ما الذي سيكون عليه الحال لبرامجها بهذا الخصوص، لاسيما أن عدة ولايات أبدت اهتمامها باستيراد الأدوية من كندا.
ممانعة كنديَّة
ومثلما لا يزال من غير الواضح ما إذا كانت الخطة ستواجه التحديات القانونية المتوقعة من قطاع صناعة الأدوية وأقطابها الرأسماليين التقليديين في الولايات المتحدة، وما إذا كان سيكون من الممكن استيراد كميات كبيرة من الأدوية من كندا. فقد تراجعت الحكومة الكندية بشدة من تأييد مقترحات الاستيراد، محذرة من أن المعروض من الأدوية لسكان كندا البالغ عددهم نحو 37 مليون نسمة لا يمكن أن يلبي مطالب السوق الأميركية الأكبر بكثير وأن السماح بالاستيراد من شأنه أن يتسبب في نقص حاد في الأدوية للكنديين.
وقال محللون إنّ الأمر قد يستغرق سنوات قبل أن يتم بالفعل استيراد أي أدوية من كندا - إن كانت موجودة بالفعل - بالنظر إلى المتطلبات التنظيمية والقانونية التي لا تعد ولا تحصى والمشتركة في وضع الصيغة النهائية للخطة وتنفيذها.
وقال كريس ميكينس، وهو مسؤول سابق في HHS وهو الآن محلل أبحاث سياسة الرعاية الصحية: "إذا وضعت عقاقير كندية على كلاب وقمت بتوجيهها نحو فلوريدا، فإنّ الكلاب ستصل قبل وقت طويل من أي أدوية من خلال هذا الاقتراح التنظيمي".
انتقادات سياسيَّة
وانتهز خصوم ترامب السياسيون الفرصة للسخرية من خطته بهذا الشأن ووجهوا له انتقادات لاذعة، إذ شددوا على أنّ المبادرة لايمكنها ان تذهب بعيدا بما فيه الكفاية. وقال هنري كونيلي، المتحدث باسم رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي، في بيان "مرة أخرى، ينطلق البيت الأبيض والرئيس ترامب باقتراح مذهل، يستثني الأنسولين وليس له تاريخ تنفيذ فعلي". وقال: إنّ مجلس الشيوخ الذي يسيطر عليه الجمهوريون يجب أن يتبنى مشروع القانون الذي أقره مجلس النواب لخفض أسعار الأدوية بدلاً من طرح فكرة الاستيراد، حسب رأيه.
ويأتي إعلان الإدارة في الوقت الذي فشل فيه الكونغرس في إقرار تشريع تسعير الأدوية من الحزبين، بدعم من البيت الأبيض، في مشروع قانون للإنفاق في نهاية العام، وفي أثناء الاقتتال الداخلي، أدى حكم المحكمة والنزاعات السياسية إلى إحباط الكثير من جهود الإدارة لخفض أسعار الأدوية.
لقد بدأ الديمقراطيون بالفعل في نشر إعلانات حول جهودهم الخاصة لخفض أسعار الأدوية من خلال تشريعات مجلس النواب التي تسمح لبرنامج الرعاية "مديكير" بالتفاوض على أسعار ما يصل إلى 250 عقارًا كل عام، ومن المتوقع أن يهاجموا الجمهوريين والبيت الأبيض لفشلهم في العمل معهم لتمرير التشريعات. وبالفعل فإنّ العديد من المرشحين للرئاسة، بما في ذلك نائب الرئيس السابق جو بايدن والسناتور بيرني ساندرز يؤيدون أيضا فكرة الاستيراد لكن ببرامج مختلفة.
مساران لتنفيذ البرنامج
وبالعودة الى خطة الإدارة الصادرة حديثًا، فهي ستوفر طريقين للسماح باستيراد الأدوية، الأولى، التي تمّ إصدارها كقاعدة مقترحة، ستمكن الولايات، جنبًا إلى جنب مع تجار الجملة والصيدليات، من تطوير برامج لشراء بعض الأدوية التي تحمل علامات تجارية من كندا، إذ تكون أرخص لأنّ الهيئة الفيدرالية ستحدد سقفًا للأدوية المسجلة ببراءة ابتكار، لكن هذه الخطط تتطلب موافقة الولايات المتحدة الفيدرالية.
وبموجب هذا الخيار، لا يمكن للولايات استيراد الأدوية الأكثر تعقيدًا والأكثر غلاءً، مثل الأدوية البيولوجية أو الأدوية التي تؤخذ عن طريق الوريد أو المنتجات المحقونة في العمود الفقري أو العين أو المواد الخاضعة للرقابة. ويجب أن توافق الجهات التنظيمية الكندية على أي أدوية يتمّ استيرادها وتفي بجميع المعايير الأميركية، وتخضع للاختبار في الولايات المتحدة لضمان صحتها وإثبات أنّها ستؤدي إلى تحقيق وفورات كبيرة في التكاليف.
أما المسار الثاني الذي تم إصداره كمسودة "إرشادات" من المحتمل أن يبدأ سريانه قريبًا، إذ سيسمح لمصنعي الأدوية باستيراد نسخ أرخص من الأدوية إلى الولايات المتحدة من أي بلد في ظل ظروف معينة. ويكاد العديد من الخبراء ان يجزم في أن معظم شركات الأدوية ستختار ذلك.
ففي تشرين الثاني المنصرم، التقت سفيرة كندا بالوكالة لدى الولايات المتحدة، كيرستن هيلمان، بمدير مجلس السياسة الداخلية بالبيت الأبيض جو جروغان ومسؤولي HHS ، قالت هيلمان حينها: إنّها أخبرت المسؤولين "أنّ سوق الأدوية في كندا صغير جدًا بحيث لا يكون له أي تأثير حقيقي على أسعار الأدوية الأميركية" ، مشيرةً إلى أن "كندا تمثل 2 بالمئة من الاستهلاك العالمي للأدوية، مقارنة بنسبة 44 بالمئة في الولايات المتحدة".
سجالات وجدل
وحتى هذه اللحظة لاتزال خطة ادارة ترامب تثير الكثير من السجال والتخوفات، ففي العام الماضي فقط، رفض عازر فكرة الاستيراد بوصفها "وسيلة للتحايل" لأنّه قال: إنّه سيكون من الصعب ضمان عدم توجيه الأدوية المزيّفة من بلدان أخرى عبر كندا. لكنّه عاد ليؤكد، أنّ خطة الإدارة "لن تعرّض المرضى أو سلسلة الإمداد بالعقاقير للخطر".
ووقف قطاع صناعة المستحضرات الصيدلانية بشدة ضد اقتراح الاستيراد الذي قدمته الإدارة، ووصفت الخطة بأنه "لا توجد وسيلة لضمان سلامة الأدوية التي تأتي إلى البلاد من خارج سلسلة التوريد القياسية في الولايات المتحدة".
كما أثار سكوت جوتليب، المفوض السابق في إدارة الأغذية والأدوية FDA ، وهو معارض منذ فترة طويلة لاستيراد الأدوية، أسئلة تتعلق بالسلامة حول خطة الاستيراد، ولكنه أثار لهجة مختلفة مؤخراً، بقوله "عند المراجعة عن كثب، فإنّ القاعدة المقترحة تضع شروطًا صارمة على استيراد العقاقير الدوائيّة".
وأضاف: "بينما قد يحد بشكل كبير من العقاقير الكندية بموجب هذا الإطار، إلا أنه يحتفظ بضمانات مهمة من إدارة الأغذية والدواء الاميركية لحماية المستهلكين وتخفيض النفقات."